مقدمة في رسم القرآن وضبطه
تمهيد:
إنّ
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من
يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا
شريك له وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله
أما
بعد
إنّ
من علامات محبة الله وعنايته بعبده أن يحصر أكثر اهتمامه ويخصّ أعظم همومه بطلب
العلم الشرعي والخوض في مسائله والغوص وراء أسراره ودقائقه ...ألم يقل صلى الله
عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين." الحديث له روايات
وطرق من أشرها رواية البخاري ومسلم عن معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه بهذا
اللفظ. ولفظة (خيرا) في الحديث جاءت نكرة لتنسحب على كلّ أنواع الخير، خير الدنيا
والآخرة... الخير العاجل والآجل... خير التفقه والتعلّم والتنوّر وخير التفقيه
والتعليم والتنوير...ولعل من خيرات العلم ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم "ما
اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، و يتدارسونه بينهم ، إلا نزلت
عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة ، و حفتهم
الملائكة ، و ذكرهم الله فيمن عنده." الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة ورَوَى
نحوَه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما
فمن خيرات العلم العميم
نزول السكينة في زمن الفتن والمحن وزمن الخوف والحوف وفي زمن الخديعة والغشّ ...في
زمن الأسقام والعلل والأمراض... ومن خيراته أن يستشعر طالب العلم تأييد الملائكة
ومعيتهم في زمن غربة الإسلام والمسلمين وفي زمن قلّ فيه الناصر والمعين ونذر فيه
الصاحب والخليل...
ومن خيراته أن تغشاك رحمة
الله تعالى... هذه الرحمة التي قرنت بالعلم في غير ما موضع من كتاب الله تعالى
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال عزّ من قائل: ﴿ø~ö÷y`YöF çf/@¢A Pv#<Ó÷dsj@¢A ø~Eødsj@¢A ﴾
bv#<Ó÷dsj@¢A
Ó~NiÓn
æuAÓ§ØsöaZW>j@]A
(1)
لم
يقل عزّ مِن قائل: العلاّم وهو في حسّنا البشري أنسب للعلم من الرحمن ولا قال:
المنان ولا الجبار ولا القهار وهي صفات تتناسب مع كثير ممّن يعلّم ويدرّس بكثير من
المنّ والقوّة والقهر... إنّما قال الرحمن...لأنّ العلم رحمٌ موصولة يأخذه الآخر
عن الأوّل ويتلقاه الصغير عن الكبير...العلم كلّ العلم تراكم معرفي ...كلّ عالم في
مكانه وزمانه يدلي فيه بدلوه... ليشتدّ وينموَ وينضج ويكبر على يد الأمة جميعها أوّلها وآخرها... والأخذ
والعطاء في العلم يقتضي التراحم ويستوجبه؛ فلا يحسن الطلب من لا يجد في نفسه هذه
الرحم الربانية وهذه الصلة والعلاقة الخاصة بين التلميذ والمعلم يحفّها الصدق
والإخلاص والمحبّة والاحترام ... ولا يحسن التعليم والعطاء من لا يرحم تلميذه ويقرّبه
إليه يحفّه بكثير من المحبة والعطف والحنوّ ...
ولأنّ
الاسترسال في بيان خيرات العلم وفضل طلبه وتحصيله قد يخرجنا عن روح هذه المباحث
وموضوعها وغايتها ...أتحول للحديث عن علم رسم القرآن الكريم خاصة...لأقول: إذا كان
فضل طلب العلم بالمكانة التي تقدّم بيان شيء منها فما بالك بأعظم العلوم وأشرفها،
العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم، وما بالك بعلم تغافل عنه كثير من خاصة طلبة العلم
ورواده ومحبيه فضلا عن عموم المسلمين، علم لا يحسنه إلاّ أولي بقية ممّن حباهم
الله بهذه النعمة والفضل...
هذا
العلم هو علم رسم القرآن الكريم وقرينه الملازم والمصاحب له علم ضبط القرآن الكريم
... ولعل الاشتغال به تعلّما وتعليما
يندرج في إحياء سنةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد أميتت وشريعة قد غيّبت...
وسنحاول
خلال هذا الموسم الدراسي 1434هـ الموافق لـ 2012-2013م دراسة هذين العلمين وفق
الخطة التالية:
أوّلا:
مقدمة نتناول فيها مبادئ علمي رسم القرآن وضبطه، هدفها تحصيل نظرة شاملة وعامة
لأهمّ مباحث ومسائل هذين العلمين الشريفين
ثانيا:
تاريخ المصحف الشريف من حيث كتابته
ثالثا:
تتبع تاريخ الكتابة والوقوف على بعض قواعدها ومبادئها العامة
رابعا:
رسم القرآن الكريم
دراسة
كتاب سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين
قراءة
في كتاب دليل الحيران على مورد الظمآن
خامسا:
ضبط القرآن الكريم
دراسة
كتاب سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين
قراءة
في كتاب دليل الحيران على مورد الظمآن
سادسا:
خاتمة
قبل
الخوض في الموضوع ينبغي أن نحدّد هدف هذه الدراسة الذي يميّزها عن غيرها ويمنحها
صبغة خاصة...هذا الهدف يتمثل في محاولة دراسة الرسم القرآني باعتباره تراث إنساني وجهد
بشري، وبلوغ هذا الهدف لا يتنافى ووجوب الالتزام برسم الإمام وعدم جواز كتابة
المصحف وفق الرسوم المستجدة والمحدثة ...ولبلوغ هذا الهدف علميا ومنهجيا أدرجنا
محورين في هذه الدراسة: محور تاريخ المصحف الشريف ومحور تاريخ الكتابة ومبادئها
وفي
الختام أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الصدق والصواب والإخلاص وأن يعلّمنا
ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا وأن يسهّل طلبنا وييسّر تحصيلنا وصلِ اللهمّ على
محمد وعلى آل محمدٍ وصحبه ومن تبع هديه واستنّ بسنته إلى يوم الدين آمين والحمد
لله ربّ العالمين .
تعريف
الرسم:
لغة: الأثر. قال ابن فارس في مقاييس اللغة: " الراء
والسين والميم أصلان: أحدهما الأثَر، والآخر ضربٌ من السير.فالأوّل الرّسْم: أثَرُ
الشَّيء. ويقال ترسَّمْتُ الدّار، أي نظرتُ إلى رسومها. قال غيلان: أأَنْ
ترسَّمْتَ مِن خَرقاءَ منزِلَةً *** ماءُ الصَّبابةِ من عينَيْكَ مسجومُ
وناقةٌ
رَسومٌ: تؤثِّر في الأرض من شِدّة الوطْء. والثَّوب المرسَّم: المخطَّط." [1]اهـ
ومن
مرادفات الرسم:[2]
الخطّ والكتابة والزبر والسطر والرقم والرشم بالشين المعجمة والوشم والنقش، وإذا
كانت هذه الألفاظ تختلف من حيث الاستعمال لأنّها تدل على رسم خاص إمّا باعتبار
آلته أو المادة المكتوب عليه أو موضوعه أو غيرها من القرائن والأحوال لتندرج هذه
الفروق ضمن قاعدة اختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات...ولكنّها من حيث العموم تدل
على ماهية واحدة هي الكتابة...
اصطلاحا:
(تصوير الكلمة بحروف هجائها على تقدير الابتداء بها والوقف عليها[3])
أقسام
الرسم باعتبار موافقة رسم الكلمة للفظها: ينقسم إلى
قسمين
1.
الرسم
القياسي: إذا وافق رسم الكلمة لفظها نحو: (الحمد، يوم، نعبد، نستعين، اهدنا، صراط،
أنعمت، غير، قال، سمع،كتاب...)
2.
الرسم
الاصطلاحي: إذا خالف رسم الكلمة لفظها نحو: (الصلوة) بإبدال الألف واوا، (ضحيها)
بإبدال الألف ياء، (ملك) بحذف الألف بعد الميم، (يأتين) بحذف الياء بعد
النون،(أولئك) بزيادة الواو بعد الهمزة، (إنّ ما) بالفصل (ألاّ) بوصل (أن) بـ
(لا)...
أقسام
الرسم باعتبار قواعده وموضوعه: ينقسم إلى ثلاثة أقسام
1.
الرسم
العروضي: خاص بتقطيع الشعر ومعرفة وزنه وبحره وقاعدته الأولى رسم الكلمة باعتبار
النطق بها مطلقا، ثم هو قائم على تتبع الحركات والسكنات وله شكل في الكتابة خاص...
2.
الرسم
الإملائي: هو الذي عرّفناه بقولنا: (تصوير الكلمة بحروف هجائها على تقدير الابتداء
بها والوقف عليها) من صفاته وخصائصه أنّ الأصل فيه القياس ولكنّه لا يخلو من
الاصطلاح (مخالفة الرسم للفظ)، كما أنّ ممّا يميّزه عن القسمين الآخرين كونه قابل
للتطوّر والتغيّر...
3.
الرسم
العثماني: وهو الذي يصطلح عليه البعض بالرسم الاصطلاحي[4] أو
التوقيفي[5]،
والمقصود به الرسم الذي كتب به المصحف الشريف
وأجمع عليه الصحابة على عهد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنهم أجمعين،
وهو المقصود بالبحث ها هنا.
وفي تسمية الرسم العثماني بالاصطلاحي
أو جعله في مقابل القياسي شيء من التجوّز والتوسّع الذي لا يسمح به مقام التعريف
بهذا العلم الذي يقتضي الدّقة في ضبط الاصطلاحات والتسميات والتعريفات... ولعلّ
أهمّ ما يؤكّد هذا الخطأ في التسمية كون الرسم العثماني أكثره موافق للرسم القياس
سواء قصدنا به تصوير الكلمة بحروف هجائها على تقدير الابتداء بها والوقف عليها، أو
قصدنا به موافقة الرسم للفظ الكلمة ونطقها وأما الاصطلاحي فهو قليل فيه ولهذا خصّه
العلماء بالبحث والدراسة تسهيلا وتيسيرا بتناول القليل دون الكثير....
علم رسم القرآن:
ويسمى الرسم العثماني ورسم المصحف ورسم
الإمام وعلم الرسم هكذا دون إضافته لشيء ربما للاستغناء بشهرته أو شهرة نسبته...
تعريفه:
"علم تعرف به مخالفات خط المصاحف العثمانية لأصول الرسم القياسي."[6]
ينقص هذا التعريف – والله أعلم - مبحث مهم
يتناوله علم الرسم ولم ترد الإشارة إليه، وهو اختلاف المصاحف أو ما يعبّر عنه بعض
الكاتبين بـ(ما فيه قراءتان وورد على رسمين...)[7]
موضوعه:
موضوع علم الرسم تتبع المصاحف العثمانية من حيث الحذف والزيادة والإبدال والفصل
والوصل[8]
[والاختلاف] فهذه العوارض الستّة هي التي يبحث فيها علم الرسم وتمثل قواعده ومسائله
وأبوابه، ويضيف كثير من الكاتبين باب يخصونه للهمز، فإذا كان هذا التخصيص والإفراد
يُقصَد به تقريب مسائل الهمز وتيسير فهمه واستيعابه، فلا ضير في ذلك، وأما إن قصد
بهذا التخصيص اعتباره قاعدة من قواعد الرسم كالحذف والزيادة والإبدال... فهو خطأ
بيّن لأنّ مسائل الهمز – بشيء من التأمل والتمعن - جميعها تندرج تحت قاعدتي: الحذف
والإبدال، ولأنّ الرسم المقصود بالدراسة هو ما سطّره الصحابة رضي الله عنهم
والصحابة لم يرسموا همزة قطّ...فكيف يدرج في هذا العلم ما ليس منه. ولهذا يقتضي
التحقيق - والله أعلم - أن تدرج مسائل الهمز في علم الضبط لا الرسم، تماما كما فعل
الأستاذ المحقق الشيخ محمد بن علي الضباع في سمير الطالبين[9]
فوائده:
1.
لعلّ من أهمّ
فوائده كون الصحابة رضي الله عنهم جعلوه معيارا لقبول القراءة الصحيحة، فقد حصروا
القرآن المحكم المثبت في العرضة الأخيرة فيما اشتملت عليه مصاحف عثمان رضي الله
عنه وحرّقوا كلّ ما سواه ومنعوا القراءة به، وهذا يجعل لرسم الإمام أهمية بالغة
وفائدة خطيرة إذ به يعرف ما هو قرآن وما ليس كذلك...يقول الأستاذ إبراهيم
المارغني: "...ومن فوائده تمييز ما وافق رسم المصاحف من القراءات فيقبل، وما
خالفه منها فيرد، حتى لو نقل وجه من القراءة متواتر ظاهر الوجه في العربية إلاّ
أنّه مخالف لرسم المصاحف، فإن كانت مخالفته من نوع المخالفات المسطورة في الفنّ
قبلت القراءة وإلاّ ردت..."[10]
2.
احتياج القارئ
إلى كثير من مسائل الرسم لتجويد القراءة وتصحيحها فمن ذلك الوصل والفصل والإبدال
وكثير من متعلقات الوقف والابتداء
3.
توجيه وفهم
كثير من مسائل القراءات متعلق بفن الرسم ومسائله ويظهر ذلك أكثر ما يظهر في مباحث
الوقف والهمز
·
إفادة مختلف
المعاني كالوصل والفصل[13]
4.
تاريخيا يعتبر
علم الرسم شاهدا حيّا وصحيحا لبيان طبيعة الكتابة وحقيقتها على عهد الصحابة رضي
الله عنهم، كما يعدّ شاهدا للتطور الحضاري وتفاعل صحابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم مع تقنيات عصرهم بما يخدم دينهم ودولتهم ودعوتهم...
5.
أخذ مختلف
القراءات برسم واحد كنحو اختلاف الخطاب والغيب ونحو (ننشرها) و(ننشزها) ونحو (فتثبتوا)
(فتبينوا) ونحو (يخادعون) و (يخدعون)...
6.
احتياج القارئ
إلى من يوقفه ويعلّمه كيفية التلاوة والقراءة على خلاف باقي الكتب حتى لا يتطاول
عليه المتطاولون بغير حق ولا علم ولا روية...
حكم تعلمه:
فرض
كفاية وقد يتعيّن في حقّ من لا يتمّ هذا الواجب إلاّ به، كما أنّ جملة منه قد
تتعيّن إذا توقّف تصحح القراءة على تحصيلها ...
حكم
الالتزام بمرسوم الإمام:
أوّلا:
مذهب جماهير السلف والخلف: وجوب الالتزام برسم الإمام،
·
نقل الإمام
الجعبري وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتّباع مرسوم المصحف العثماني[16]
·
وقال أشهب:
"سئل مالكٌ: هل يُكتب المصحفُ على ما أحْدَثَه النّاسُ من الهجاءِ؟ فقال:
"لا، إلاّ على الكَتْبَةِ الأولى". رواه الداني في المقنع وعلّق عليه
بقوله: "ولا مخالِفَ له من علماء الأمةِ" اهـ
·
وذكر في موضع
آخر: سُئل مالكٌ عن الحروف في القرآن مثلَ الواوِ والألفِ؛ أترى أن يغيَّرَ من
المصحفِ إذا وجِدَ فيه كذلك؟ قال: لا." قال أبو عمرو الداني معلقا:
"يعني الواوَ والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ، نحو:
{أُوْلُواْ}[آل عمران:18]" اهـ.
·
وقال الإمام
أحمد: "يحرُمُ مخالفةُ [خطّ] مصحف عثمان في واوٍ أو ياءٍ أو ألفٍ أو غير
ذلك".
·
وقال البيهقي:
[وهو أحد أقطاب ومراجع الفقه الشافعي] "منْ كتب مصحفاً فينبغي أن يُحافظَ على
الهجاءِ الذي كتبوا به تلك المصاحفَ ولا يخالفهم فيه، ولا يغيّرَ ممّا كتبوه
شيئاً؛ فإنّهم كانوا أكثر علما، وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانةً منّا، فلا ينبغي
أن نظُنَّ بأنفسنا استدراكاً عليهم".[17]
·
ومن علماء
الحنفية الذين نصّوا على ذلك الإمام الطحاوي والملا علي القارئ والشهاب الخفاجي[18]
واستدلّ
أصحاب هذا المذهب بأمور أهمّها
1.
إجماع الصحابة
على هذا الرسم فلا يجوز نقد هذا الإجماع بحال من الأحوال
2.
كما استدلوا
بوجوب الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم
3.
وأهمّ من ذلك
كلّه استدلالهم بكون مرسوم الإمام جُعِل معيارا لقبول القراءة الصحيحة وردّ الشاذة
التي لا تقبل العبادة بها ولا تصحّ...
4.
واستدلّ بعضهم
بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم...
5.
واستدلّ آخرون
على وجوبه بادّعاء الإعجاز ...
يقول الأستاذ الهادي حميتو: " ولم أقف على أحد من
علماء السلف والخلف في الصدر الأول ولا بعده ذهب إلى جواز الاستبدال بهذا الرسم،
بما في ذلك أئمة اللغة والنحو في المدارس البصرية والكوفية والأندلسية."[19]
وقال أيضا: "وقد تتبعت جملة ما قاله العلماء في اتّباع رسم المصحف فوجدتها
كلها مجمعة على وجوب الالتزام به ومنع تغييره عن هيئته في المصحف الإمام . ووجدت
أنّ الاختلاف بينهم ليس في الوجوب، وإنما في مستند هذا الوجوب..."[20]
ثمّ راح يعدد المنطلقات المختلفة للقائلين بالوجوب، والتي سأنقلها بشيء من التصرف
غير مخلّ إن شاء الله...
ت.
أنّه توقيف من
رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كتب بين يديه بموافقته وتقريره. قال الدكتور طه
عابدين: "الذي تطمئن إليه النفوس ويميل إليه الباحث أنّ رسم القرآن سنة
توقيفية من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كتب القرآن بين يديه، وأقرّ كتاب الوحي
على ذلك."[23]
ث.
أنّه سنّة
سنّها الخلفاء الراشدون ابتداء بأبي بكر وعمر ثمّ عثمان وبإقرار وموافقة علي
الفعلية والقولية رضي الله عنهم أجمعين؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين [المهديين] من بعدي، عضوا عليها
بالنواجد..."[24]
ج.
أنّه إجماع
الصحابة الذين ولُّوا كتابته والذين حضروا هذه الكتابة فأقرّوا ووافقوا
ح.
أنّه إجماع
الأمّة لتلقيها له بالقبول ولا يُعلم منكر له إلاّ شواذٌّ من المتأخرين
خ. "أنّه جزء
من القراءة متواتر بتواتر أصله" قال القاضي أبو بكر بن العربي : "ومعنى
ذلك عندي أنّ تواترها – حروف القراءة – تَبَعٌ لتواتر المصحف الذي وافقته، وما دون
ذلك فهو شاذ" [25]
د. "أنّه قائم
على أسرار ربانية" لا يعلمها إلاّ الله سبحانه وتعالى
ذ. "أنّ الرسم
بني على حكمة ذهبت بذهاب كتبته" نقل هذا الرأي الأستاذ غانم قدوري في (رسم المصحف) عن الأستاذ الشيخ محمد طاهر
الكردي في كتابه (تاريخ الخط العربي)[26]
ر. "أنّ الرسم
قائم على علل ظاهرة وأخرى خفية يمكن استقراءها، كما ذهب إلى ذلك علماء توجيه
القراءات ورسم المصحف..."
ز. "أنّه ركن
للقراءة الصحيحة ومعيار على قرآنيتها، وما خرج عنه فليس بقرآن؛ لأنه على فرض صحته
منقول بنقل الآحاد."
تعليقات على هذه التوجيهات
والمنطلقات:
أوّلا: القائلون بإعجاز الرسم العثماني، يردّ عليهم
بوجوه منها
·
أين مكمن هذا
الإعجاز؟ طبعاً سيقولون في مظاهر الرسم العثماني من حذف وزيادة وإبدال وفصل
ووصل...فيجاب عليهم بكون هذه المظاهر مشتركة بين جلّ الكتابات حتى لا أقول كلّها -
وسيأتي في محو تاريخ الكتابة بيان ذلك –
·
ركن الإعجاز
التحدّي، ولا وجود للتحدّي برسم القرآن الكريم... لا مِن كتابٍ ولا سنّةٍ ولا من
أقوال الصحابة حتَّى...
·
الرسم إنّما
هو من فعل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده فلا وجه للقول بإعجازه، والشيء إنّما
يكون معجزا إذا تعلق برسول أو نبي ... بل لا وجه للقول بكونه من دلائل نبوته
أصلاً...إلاّ بكثير من التجوّز والتسامح؛ إذ أنّ الصحابة إنّما بلغوا ما بلغوه من
العلم والفضل بسبب رسول الله صلى الله عليه وسلم...
ثانيا: اعتبار مظاهر الرسم العثماني أسرارا ربانية ذهب
علمها بذهاب كتبتها... فلم يهتدي إليها أحد... وإنّما هي محاولات من أصحاب
الإشراقات النورانية والنفحات الصوفية والفتوحات الربانية...ليس إلاّ...والردّ على
هؤلاء من وجوه كذلك:
·
أنّ المثبت
للتعليل معه علم زائد فهو مقدم على النافي والمتوقف
·
أنّ موضوع هذه
الأسرار المزعومة هي مظاهر الرسم العثماني (الحذف، الزيادة، الإبدال، الوصل،
الفصل) وهي مظاهر موجودة في كتابات البشر معظمها وجلّها، وهي معلّلة بتعليلات في
غاية الدقة والتقرير في جميع هذه الكتابات (تعليلات صوتية، تاريخية، سياسية...)
ولا وجه لاستثناء الكتابة العربية من الكتابات البشرية جميعها، خاصة وأنّ هذه
الكتابة إنّما أخذت واستلّت من بعض هذه الكتابات الإنسانية...
·
إنّ تعليلات
الرسم العثماني اختلفت وتنوعت، ولعلّ أحقها بالصواب ما اشتركت فيها الكتابات
جميعها، ولا ضير من أن تختص الكتابة العربية ببعضِ التعليلات والتوجيهات التي
تقتضيها طبيعتها واستعمالاتها وجغرافيتها البشرية والطبيعية...
·
إنّ القول
بتواتر رسم المصحف في غاية التحقيق والتقرير ليس لتواتر أصله (القراءة) فحسب، بل
لإجماع الصحابة عليه أوّلا، ثم استمرار هذا الإجماع الذي هو أعمّ من التواتر... وحتى
بعد ظهور شواذ من عارض الإجماع فإنّ التواتر بقي قائما ومسمراً رغم معارضتهم...
والمقصود بالتواتر ها هنا ليس تواتر القول بوجوب التزامه وإنّما تواتر عين الرسم
وذاته[27]
والله أعلم بالحق والصواب...
·
إجماع الصحابة
على اعتبار الرسم العثماني معيارا لقبول القراءة وردّها، فما وافقه قرئ به وما
خالفه ردّ ولم يعتدّ به...هو أهمّ ما
يستدلّ به في هذا الباب، وينبغي الحفاظ على هذا المعيار وفق أسسه الأولى التي وضع
عليها حتى نعلم ما هو قرآنا ممّا ليس كذلك.
·
قد يقول قائل:
إنّ معرفة ما هو قرآن ممّا ليس كذلك قد استقرّ بانتشار القراءات وحفظها وبثّها في
المصنفات والكتب فلا حاجة حينئذ للمحافظة على الرسم العثماني... والجواب أنّ لحفظ
القرآن الكريم أوجها متعدّدة ومتنوعة ولا ينبغي الاستغناء عن بعضها اتّكالا
واعتمادا على بعضها الآخر... بل جميعها مطلوب وواجب... ولو قبلنا قولهم ذاك لجاز
لغيرهم أن يقول إنّ القرآن قد حفظ برسم الإمام فلم الاشتغال بهذه القراءات؟ ويقول
آخر إنّ القرآن قد حفظ بالمسطور فلم الاشتغال بحفظ الصدور؟... وهكذا إلى أن يأتوا
على وجوه حفظ القرآن وجها وجها فينتقدونها وينفونها جميعاً...ولا حول ولا قوة إلاّ
بالله.
ثانيا:
مخالفو جماهير علماء الأمة وإجماعهم
1. أبو بكر بن الباقلاني403 هـ :
يقول الإمام الباقلاني في كتابه الانتصار ما نصّه:
"... لم
يأخذ على كتبة القرآن وحفّاظ المصاحف رسما بعينه دون
غيره أوجبه عليهم وحظر ما عداه؛ لأنّ ذلك لا يجبُ لو كان واجبا إلا بالسمع والتوقيف. وليس في نصّ الكتاب، ولا مضمونه ولحنه أن رسم
القرآن وخطّه لا يجوز إلا على وجه مخصوص، وحدّ
محدود، ولا يجوز تجاوزه إلى غيره، ولا في نصِّ السنة أيضاً ما يوجب ذلك ويدُّل عليه، ولا هو ممّا أجمعت عليه الأمة، ولا دلت عليه المقاييس
الشرعية، بل السنة قد دلت على جواز كتبه بأي رسم سهلٍ
وسَنحَ للكاتب، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه وإثباته على ما
بيّناه سالفا، ولا يأخذ أحدا بخطٍ محدودٍ ورسمٍ محصورٍ ولا يسألهم عن ذلك، ولا
يحفظُ عنه فيه حرفٌ واحد، ولأجل ذلك اختلفت خطوط المصاحف، وكان منهم من يكتب الكلمة على مطابقة مخرج اللفظ، ومنهم من يحذف أو يزيد ممّا
يعلم أنّه أولى في القياس بمطابقته وسياقه ومخرجه غير أنّه يستجيز ذلك لعلمه بأنه اصطلاح وأن الناس لا يخفى عليهم ، ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف
الكوفية والخط الأول، وأن يجعل اللام على
صورة الكاف، وأن يعوّج الألف، وأن يكتب على غير هذه
الوجوه، وساغ أن يكتُب الكاتب المصحف على الخط والهجاء
القديمين، وجاز أن يكتب بالهجاء والخطوط المحدثة، وجاز أن
يكتب بين ذلك.
وإذا عُلم وثبتَ أنّ خطوط المصاحف وكثيرا من حروفها مختلفة متغايرةُ الصورة وأن الناس قد أجازوا ذلك أجمع ولم ينكر أحد منهم على غيره مخالفةً لرسمه وصورةِ خطّه، بل أجازوا أن يكتب كلُّ واحدٍ منهم بما هو عادتُه، واشتهر عنده، وما هو أسهل وأولى، من غير تأثيم ولا تناكرٍ لذلك، علم أنه لم يؤخذ على الناس في ذلك حد محدود محصور، كما أخذ عليهم في القراءة والأداء، والسببُ في ذلك أن الخطوط إنما هي علاماتٌ ورسومٌ تجري مجرى الإشارات والعقود والرموز، وكلُّ شيء يدلُّ على اللفظ وينبَي عنه، وإذا دلّ الرسمُ على الكلمة وطريقها والوجه الذي يجب التّكلمُ عليه بها، وجبَ صحّتُه وصوابُ الكاتبِ له على أيِّ صورة كان وأيّ سبيلٍ كتب...و في الجملة فإنّ كلَّ من ادّعى أنه قد ألزم لناس وأخذ عليهم في كَتبِ المصحف رسما محصورا وصورة محدودةً لا يجوز العدول عنها إلى غيرها، لزمه إقامة الحجة وإيرادُ السمع الدال على ذلك وأنّى له به..."[28]
وإذا عُلم وثبتَ أنّ خطوط المصاحف وكثيرا من حروفها مختلفة متغايرةُ الصورة وأن الناس قد أجازوا ذلك أجمع ولم ينكر أحد منهم على غيره مخالفةً لرسمه وصورةِ خطّه، بل أجازوا أن يكتب كلُّ واحدٍ منهم بما هو عادتُه، واشتهر عنده، وما هو أسهل وأولى، من غير تأثيم ولا تناكرٍ لذلك، علم أنه لم يؤخذ على الناس في ذلك حد محدود محصور، كما أخذ عليهم في القراءة والأداء، والسببُ في ذلك أن الخطوط إنما هي علاماتٌ ورسومٌ تجري مجرى الإشارات والعقود والرموز، وكلُّ شيء يدلُّ على اللفظ وينبَي عنه، وإذا دلّ الرسمُ على الكلمة وطريقها والوجه الذي يجب التّكلمُ عليه بها، وجبَ صحّتُه وصوابُ الكاتبِ له على أيِّ صورة كان وأيّ سبيلٍ كتب...و في الجملة فإنّ كلَّ من ادّعى أنه قد ألزم لناس وأخذ عليهم في كَتبِ المصحف رسما محصورا وصورة محدودةً لا يجوز العدول عنها إلى غيرها، لزمه إقامة الحجة وإيرادُ السمع الدال على ذلك وأنّى له به..."[28]
تعليقات
وملاحظات على رأي الباقلاني ومذهبه:
·
إنّ الذي نفاه
الإمام الباقلاني عن الرسم العثماني إنّما هو التوقيف بنص من كتاب أو سنة، وهذا لا
يتنافى مع وجوب التزامه...
·
سياق هذا القول
يأبى هذا الحمل المطلق على جواز مخالفة الرسم، فقد أورده لبيان كون هذه المظاهر
(الرسم الاصطلاحي) على كثرتها وتنوعها لم تخرج بنص القرآن الكريم إلى قراءته
بزيادة حرف أو نقصانه على ما في أصله أو بتقديم شيء من ذلك أو تأخيره حيث يقول:
"يقال لهم: لا يجبُ ما قلتم، لأجل أنّ الله إنما أوجب على القُرّاء والحفظةِ
أن يقرؤوا القرآن ويؤدّوه على منهاجٍ محدود، وسبيل ما أنزل عليه، وأن لا يُجاوزوا
ذلك ولا يؤَخّروا منه مقدما ولا يقدموا مؤخرا، ولا يزيدوا فيه حرفا ولا ينقصوا منه
شيئا، ولا يأتون به على المعنى والتعريب دون لفظِ التنزيل على ما بينّاه فيما سلف،
ولم يأخذ على كتبة القرآن وحفّاظ المصاحف رسما بعينه دون غيره أوجبَه عليهم وحظر
ما عداه..."[29]
·
ولعلّ ما
يؤكّد هذا التوجيه لكلام الإمام الباقلاني أنّه صرّح في غير ما موضع من كتابه
الانتصار بوجوب ولزوم رسم المصحف[30]،
فمن ذلك:
أ.
قوله: "فأما
قوله تعالى: {إن هذان لساحران} فإنّه يجوز قراءته على موافقة خطّ المصحف الذي
نقلتهُ الجماعةُ وقامت به الحجّة، ويجوز أيضا قراءته بمخالفة خطّ المصحف وأن يتلى:
{إنّ هذين لساحران}. فأما ما يدلّ على صحة قراءته على موافقة خطّ المصحف فنقل
جماعةِ الأمة الذين ببعضهم تقوم الحجةُ على أنّ القرآن منزّلٌ على وجه موافقة
المصحف، وأنه يجوز أن يقرأ: {إنّ هذان لساحران}، وأنّ ما تضمّنه المصحف من هذا
الحرف وغيره صحيح سليمٌ من الخطأ، فلا وجه لإنكار ذلك وتخطئة القارئ به مع النقل
والإجماع الذي وصفناه..."[31]
ب. قوله أيضا: "...وعلمنا أنّ الصحابة
والفصحاء الذين كتبوا المصحف مع أمانتهم وفضل علمهم وشدّة احتياطهم وصحة قرائحهم
وأذهانهم، وقُربِ عهدهم بالوحي، وكون القرآنِ منزلا عليهم، وثاقب معرفتهم بتصرف
الكلام ووجوه الإعراب، لم يكتبوا ذلك في المصحف إلاّ عن علم واتباع سنّة وموافقةٍ
لتوقيفٍ على جواز ذلك وصحته، وجب القطع على قراءة هذه الحروف على موافقة خطّ
المصحف وتوثيقه، لأنّ ننقل خطّ المصحف وشهادة الجماعة بصحته وسلامته، وأنّه لا خطأ
فيه، أحدُ الأدلّة على صحة الخطّ والتلاوة، وعلى موافقته..."[32]
ت.
ومن كلامه
البيّن المقرر لحكم التزام رسم المصحف وعدم جواز مخالفته قوله متحدثا عن قراءة
ورسم{المقيمين الصلاة} و{الصابئين} ما نصّه: "إذا قرئ على موافقة خطِّ
المصحفِ فقد قرِئ بوجهٍ صحيحٍ جائزٍ، وقد بينّا صحّته وسلامته لغير وجه، فلا يسوغُ
لأحدٍ تركُ قراءتهما على موافقة خطِّ المصحفِ الذي قد نتّفق أنّه أنزل كذلك، وقرئ
به إلى مخالفة خطّ المصحف الذي لا يُؤمن معه أن يكون الله سبحانه ما أنزله على ذلك
الوجه..."[33] فانتبه إلى قوله: "لا يؤمن معه [أي مع
مخالفة رسم المصحف] أن يكون الله ما أنزله على ذلك الوجه" فهل يعقل في حقّ
مسلم يعتقد أنّ مخالفة رسم المصحف قد تؤدي إلى قراءة القرآن بغير ما أنزل ثمّ يفتي
بعد ذلك بجواز هذه المخالفة...
2.
العزّ بن عبد
السلام 660هـ: (وجوب المخالفة)
يقول شيخ الإسلام العزّ بن عبد السلام:
"لا تجوز كتابة المصحف الآن على المرسوم الأوّل باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في
تغيير من الجهال." اهـ نقله صاحب البرهان في علوم القرآن وتبعه غيره
كالقسطلاني في لطائف الإشارات والدمياطي في
إتحاف فضلاء البشر ...
وقفات مع مذهب العز بن عبد السلام
ورأيه:
·
توثيق النّص:
يقول الدكتور غانم قدوري الحمد: "وقد حاولت العثور على رأي ابن عبد السلام
هذا في أحد كتبه الثلاثة المطبوعة (الفوائد، والإشارة، وقواعد الأحكام) فلم
أوفق."[34]
ويقول الدكتور أيمن سويد: "وقد بحثت عن فتوى العز هذه في فتاويه فلم أجدها
وحث عنها قبلي الدكتور غانم قدوري الحمد فلم يجدها."[35]
وبحث الأستاذ محمد أحمد الأهدل في كتاب (شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال
والأعمال) للعز بن عبد السلام فلم يجدها كذلك...[36]
·
وللدكتور أيمن
سويد وقفات ثمان مع هذه الفتوى أنقلها ها هنا بشيء من التصرف:
أ. "أيعقل أن
يخرق سلطان العلماء العزّ بن عبد السلام ما أجمع عليه خلال سبعة قرون من وجوب
إتباع رسم المصحف الإمام وهو العالم المتبحر الورع."
ب. "ثم هل هذه
العبارة (السابقة) صياغة عالم فقيه؟"
ت. "ثم ما
المقصود بـ (الآن) حتى يبنى عليها حكم عدم الجواز"
ث. "وهل كان
إتباع رسم المصحف واجبا عند علماء الأمصار ثم صار (الآن) لا يجوز"
ج. "وهل مراعاة
حال الجهال تكون بتغيير كتابة المصحف الشريف الذي أجمعت عليه الأمة سبعة قرون إلى
زمان العز أم تكون بتعليمهم؟"
ح. "وهل ظهر
الجهال فجأة في المائة السابعة أم أنّهم موجودون على مرّ الدهور وكرّ العصور"
خ. "ثم افرض
أنّ العزّ أراد أن يراعي حال الجهال فهل يكون هذا بأن يفتي بـ (لا تجوز كتابة
المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة) أم بأن يقول مثلاً تجوز كتابة
المصحف على ما أحدثه النّاس من الهجاء مراعاة لحال الجهال."
·
تعليق الزركشي
وتعقيبه على فتوى العزّ بن عبد السلام: الزركشي رحمه الله هو أوّل من نقل فتوى
سلطان العلماء هذه، ويبدو أنّه استغربها واستشكلها ولهذا تعقّبها بقوله:
"...ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء
أحكمته القدماء لا يترك مراعاة لجهل الجاهلين، ولن تخلو الأرض من قائم لله
بالحجة..."[37]
·
يقول الدكتور
أيمن سويد: " والذي ظهر لي وأكاد أجزم به أنّ هذه الفتوى قد صحفت عن قصد أو
غير قصد على العز بن عبد السلام وأنّ كلمة (الآن) تحريف لكلمة (إلاّ) أقحمت عليها
النون فقلبت معناها رأسا على عقب، ولو أعدنا نص الفتوى على هذا التقرير لصارت لا
تجوز كتابة المصحف إلاّ على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في تغيير من
الجهال." ثم قال: "والظاهر والله أعلم أنّ نص هذه الفتوى قد وقع للزركشي
محرفا ولم ينتبه إلى ذلك وهو مع هذا قد استشكله ممّا جعله مضطرا للتعليق
عليه..."
·
وفي نفس
السياق يقول الدكتور الباحث عبد الهادي حميتو: "...وعلى الرغم من عدم تيسّر
الوقوف على جلية الأمر حتى الآن حول موضع النص المذكور في كتبه، فإنّي على شبه
يقين بأنّه قد جرى عليه ما ذكر من تحريف؛ لأنّ القول بذلك هو المنسجم مع مقام
سلطان العلماء وإمامته في العلم والدين."[38]
·
والذي يؤكّد
ما جنح إليه الدكتور أيمن من تصحيف هذا النص وتحريفه وبراءة العز ين عبد السلام من
هذا القول كونه يخالف بعض فتاوى العزّ نفسِه، فقد سئل عن رجل يكتب القرآن وربّما
غلط فضبطّه ملحوناً فقال: "ولا يجوز لمن لا يعرف ضبط القرآن أن يضبطه لما في
ذلك من تضليل الجهال." ثم قال: "والأولى أن يتفقّد ما كتبه ليصلح ما
عساه أن يتفق منه من لحن أو إخلال."[39]
والملاحظ في هذا النّص أمران
أوّلهما: قوله (ضبط القرآن) فقد جعل
للقرآن ضبطا خاصا يعرفه بعض الكَتَبَة دون بعض، ويلزم من أراد كتابة القرآن أن
يحسنه ويعرفه حتى لا يقع في اللحن والإخلال.
ثانيهما: إنّ في نص هذه الفتوى والتي
نقلها صاحب البرهان شيء من التشابه في الموضوع والتعليل والصياغة واللفظ، ولا يبعد
أن يكون الإمام الزركشي أو من نقلها عنه قد التبس عليه الأمر وانقلب نظره في قراءة
النص أو اختلط عليه ضبطه وحفظه، وهذا مشاهد كثير عند الطلبة، ولا يستبعد في حق
فضلاء أهل العلم خاصة إذا اعتمدوا في بعض نقولهم على ضبط وحفظ وفهم غيرهم...
فالموضوع في النصين: رسم المصحف الشريف
والحكم فيهما: عدم الجواز
والتعليل: ما يلحق المصحف من اللحن
والإخلال
ومن الألفاظ والعبارات المشتركة: تضليل الجهال ها هنا وتغيير الجهال هناك.
يقول الدكتور الباحث عبد الهادي حميتو
في الموضوع: "...فالعبارتان في القولين فيهما تشابه واضح في الألفاظ، ففي كل
منهما استعمال "لا يجوز"، وفي العبارة التي في البرهان قوله: "لئلا
يقع في تغيير الجهال"، وفي عبارة الفتاوى: "لما في ذلك من تضليل
الجهال".اهـ [40]
·
المعروف عن
شيوخ العز بن عبد السلام وتلامذته الالتزام بإجماع الأمة والقول بلزوم رسم المصحف؛
ما يرجح بطلان نسبة هذا الحكم لسلطان العلماء
فمن شيوخه الذين أخذ عنهم: جمال الدين
الحرستاني قاضي قضاة دمشق، فخر الدين بن عساكر ابن أخ الحافظ ابن عساكر صاحب
التاريخ، سيف الدين الآمدي، عبد اللطيف بن شيخ الشيوخ، شهاب الدين السُّهرودي...
ومن أشهر تلامذته ابن دقيق العيد، القرافي، أبي شامة... ولا يعرف عن أحد منهم أنّه
خالف الإجماع أو نقضه...ولو فعل ذلك لنقل قوله ومذهبه لتفرده وغرابته وشذوذه...
3.
عبد الرحمن
ابن خلدون 808هـ: (خطأ الصحابة)
سأنقل في هذا المبحث نص كلامه بشيء من الاستفاضة والطول حتى يمكننا تجلية
حقيقة هذا الرأي وفهم منطلقه وفحواه، يقول ابن خلدون رحمه الله في الفصل الثلاثين
من الباب الخامس من الكتاب الأوّل ما نصه: "فكان الخط العربي لأول الإسلام
غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة، ولا إلى التوسط لمكان العرب من
البداوة والتوحش وبعدهم عن الصنائع.
وانظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم، وكانت
غير مستحكمة في الإجادة، فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته أقيسة رسوم صناعة الخط
عند أهلها. ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبركاً بما رسمه أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وخير الخلق من بعده المتلقون لوحيه من كتاب الله وكلامه،
كما يقتفى لهذا العهد خط ولي أو عالم تبركاً، ويتبع رسمه خطأ أو صواباً. وأين نسبة
ذلك من الصحابة فيما كتبوه، فاتبع ذلك وأثبت رسماً، ونبه العلماء بالرسم على
مواضعه.
ولا تلتفتن في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفلين من أنهم كانوا محكمين لصناعة
الخط، وأن ما يتخيل من مخالفة خطوطهم أصول الرسم ليس كما يتخيل، بل لكلها وجه.
ويقولون في مثل زيادة الألف في لا أذبحنه: إنه تنبيه على أن الذبح لم يقع، وفي
زيادة الياء في بأييد إنه تنبية على كمال القدرة الربانية، وأمثال ذلك مما لا أصل
له إلا التحكم المحض. وما حملهم على ذلك إلا اعتقادهم أن في ذلك تنزيهاً للصحابة
عن توهم النقص في قلة إجادة الخط. وحسبوا أن الخط كمال، فنزهوهم عن نقصه، ونسبوا
إليهم الكمال بإجادته، وطلبوا تعليل ما خالف الإجادة من رسمه، وذلك ليس بصحيح.
واعلم أن الخط ليس بكمال في حقهم، إذ الخط من جملة الصنائع المدنية المعاشية كما
رأيته فيما مر. والكمال في الصنائع إضافي، وليس بكمال مطلق، إذ لا يعود نقصه على
الذات في الدين ولا في الخلال، وإنما يعود على أسباب المعاش، وبحسب العمران
والتعاون عليه لأجل دلالته على ما في النفوس. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
أمياً، وكان ذلك كمالاً في حقه، وبالنسبة إلى مقامه، لشرفه وتنزهه عن الصنائع
العملية، التي هي أسباب المعاش والعمران كلها. وليست الأمية كمالاً في حقنا نحن،
إذ هو منقطع إلى ربه، ونحن متعاونون على الحياة الدنيا، شأن الصنائع كلها، حتى
العلوم الاصطلاحية. فإن الكمال في حقه هو تنزهه عنها جملة بخلافنا.
ثم لما جاء الملك للعرب، وفتحوا الأمصار، وملكوا الممالك ونزلوا البصرة
والكوفة، واحتاجت الدولة إلى الكتابة، استعملوا الخط وطلبوا صناعته وتعلموه
وتداولوه، فترقت الإجادة فيه، واستحكم، وبلغ في الكوفة والبصرة رتبة من الإتقان،
إلا أنها كانت دون الغاية. والخط الكوفي معروف الرسم لهذا العهد…." هنا ينتهي
أهمّ ما في كلامه – ممّا له متعلق بموضوعنا-
ولكنّه رحمه الله واصل الحديث عن الكتابة والخط من حيث تطوّره وازدهاره
فقال: "ثم انتشرت العرب في الأقطار والممالك، وافتتحوا إفريقية والأندلس،
واختط بنو العباس بغداد وترقت الخطوط فيها إلى الغاية، لما استبحرت في العمران،
وكانت دار الإسلام ومركز الدولة العربية، وخالفت أوضاع الخط ببغداد أوضاعه
بالكوفة، في الميل إلى إجادة وجمال الرونق وحسن الرواء. واستحكمت هذه المخالفة في
الأمصار إلى أن رفع رايتها ببغداد علي بن مقلة الوزير ثم تلاه في ذلك علي بن هلال،
الكاتب الشهير بابن البواب، ووقف سند تعليمها عليه في المائة الثالثة وما بعدها. وبعدت
رسوم الخط البغدادي وأوضاعه عن الكوفة، حتى انتهى إلى المباينة. ثم ازدادت
المخالفة بعد تلك العصور بتفنن الجهابذة في إحكام رسومه وأوضاعه، حتى انتهت إلى
المتأخرين مثل ياقوت والولي علي العجمي. ووقف سند تعليم الخط عليهم، وانتقل ذلك
إلى مصر، وخالفت طريقة العراق بعض الشيء، ولقنها العجم هنالك، فظهرت مخالفة لخط
أهل مصر أو مباينة. وكان الخط الإفريقي المعروف رسمه القديم لهذا العهد يقرب من
أوضاع الخط المشرقي. وتميز ملك الأندلس بالأمويين، فتميزوا بأحوالهم من الحضارة
والصنائع والخطوط، فتميز صنف خطهم الأندلسي، كما هو معروف الرسم لهذا العهد. وطما
بحر العمران والحضارة في الدول الإسلامية في كل قطر. وعظم الملك ونفقت أسواق
العلوم وانتسخت الكتب وأجيد كتبها وتجليدها، وملئت بها القصور والخزائن الملوكية
بما لا كفاء له، وتنافس أهل الأقطار في ذلك وتناغوا فيه.
ثم لما انحل نظام الدولة الإسلامية وتناقصت تناقص ذلك
أجمع، ودرست معالم بغداد بدروس الخلافه، فانتقل شأنها من الخط والكتابة، بل والعلم
إلى مصر والقاهرة، فلم تزل أسواقه بها نافقة لهذا العهد. وللخط بها معلمون يرسمون
للمتعلم الحروف بقوانين في وضعها. وأشكالها متعارفة بينهم. فلا يلبث المتعلم أن
يحكم أشكال تلك الحروف على أشكال تلك الأوضاع. وقد لقنها حسناً وحلقاً فيها دربة
وكتاباً، وأخذها قوانين عملية فتجيء أحسن ما يكون..."
تعليقات وملاحظات على رأي ابن خلدون رحمه الله:
·
يصف ابن خلدون
خط الصحابة وكتابتهم بالضعف وأنّها لم تبلغ الغاية من الإحكام والإجادة والإتقان بل ولا التوسط حتى، فهي إذاً في أحطّ
المنازل من الركاكة والنقص والضعف، وهو لا يرى في هذا الحكم نقيصة أو ذمّاً
للصحابة الكرام رضي الله عنهم، فجودة الكتابة ليست من الكمال المطلق، إنّما هي من النسبي
لأنّها متعلقة بالحِرَف والصنائع المتوقفة على أسباب المعاش وتوسع العمران وازدهاره...ويعلل
هذا الحكم بمكان العرب عامة والصحابة الكرام
منهم من البداوة
والتحضر والبعد عن الحضارة والعمران... ثمّ يتوسع في بيان مراحل تطور الكتابة
العربية ذاكرا بعض التواريخ وأسماء المناطق والمدن والأشخاص .
·
أما تعليله
لضعف الخط كما زعم بمكان العرب من البداوة والتوحش وبعدهم عمّا سماه بالحضارة والعمران...فهو صحيح في حقّ عرب الجاهلية،
وبذلك تعلّل قلة الكتابة وعدم انتشارها في ربوع الجزيرة العربية اللهمّ إلاّ
حدودها المتاخمة للدول المتحضرة وبعض مدائنها كمكة والطائف ويثرب وخيبر وبعض مناطق
اليمن التي أخذت من الحضارة بنصيب...أمّا الصحابة فكانوا في غاية التحضر، لأنّ
الحضارة في حقيقة أمرها ليست الإنتاج المادي ولا ما يتبعها من انتشار الصنائع
والحرف –كما ذكر- وإنّما هي تلك الاستعدادات المادية والمعنوية التي يعمل المجتمع
على توفيرها للفرد حتى يمكّنه من الإنتاج والإبداع... ولأجل هذا كان مجتمع النبي
صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة في غاية التحضر رغم أنّ مظهره كان أساسه
الخيمة والناقة والحصيرة،لأنّه وفّر هذه الاستعدادات من علم وكتابة وتدبّر وتفكّر
وحب للبحث والاطلاع وتقديم الأقرأ وتفضيل الأعلم الأنفع ... بينما نرى بعض
المجتمعات العربية الحالية في غاية التخلف والبعد عن الحضارة والعمران رغم ما
يتوفر فيها من الإنتاج المادي ومن انتشار الصنائع والحرف... بسبب كون هذا الزخم
المادي لم يقم على تلك الاستعدادات والإمكانات التي يوفرها المجتمع لأفراده وإنّما
هي مجرد تملك آني وكسب مادي محض... والصحابة رضوان الله عليهم تعلموا الكتابة
العربية، وبعضهم كزيد بن حارثة الذي تولى كتابة المصحف تعلّم مختلف اللغات والخطوط
فأتقنها واستعان بقواعدها وأسسها، ووظفها في كتابة المصحف الشريف، وهذه من أسمى
معالم الحضارة والعمران...
·
إنّ الصحابة
في فنّ الخطّ وصناعة الكتابة لم يبدؤوا من
الصفر، بل أخذوا كتابة أقرب شعب متحضرٍ فتعلموها وفق مبادئها وقواعدها الأصلية ثم
تبنّوها واستعملوها في لغتهم... وكذلك صنعت الشعوب كلّها أخذت كتابات من قبلهم ثم تبنوها
وطوّروها، ألم يكن الفنقيون أصحاب أوّل
أبجدية في التاريخ مقلدين للفراعنة... وقد مرّت كتابتهم وأبجديتهم بثلاثة أطوار من
حيث الإجادة والإتقان... فهل يقال إنّ الفنقيين بعيدون عن الحضارة والعمران بسبب
تقليدهم للفراعنة أوّلا وبسبب ضعف خطّهم في مرحلته الأولى مقارنة مع مراحله
المتأخرة ؟... طبعا لا...
·
إنّ من مظاهر
تحضّر الصحابة ما أضافوه للكتابة العربية خاصة والبشرية عامة من قواعد محكمة
وضوابط في غاية الإجادة والإتقان هي اليوم في حسّ العارفين والمتخصصين أهمّ قواعد
الكتابة على الإطلاق... ولعلّ من أهمّ هذه القواعد (رسم الكلمات باعتبار الابتداء
بها والوقف عليها) وهي كما سيتبيّن لك في محور تاريخ الكتابة من إبداع الصحابة رضي
الله عنهم ... وهو أعظم وأهمّ إبداع في تاريخ قواعد الكتابة... فهل يعدّ مكتشفوه
متوحشون بعيدون عن الحضارة والعمران؟
·
تعليل ابن
خلدون حكمه هذا بكون الصحابة خالفوا أقيسة الكتابة وقواعدها المتعارف عليها عند
أهل الاختصاص بعيد كلّ البعد من جهتين اثنين :
أ.
إنّ هذه
الأخطاء التي لزمت من مخالفة قواعد الكتابة هي ما يعرف بمظاهر الرسم العثماني أو
الاصطلاحي من حذف، وزيادة، وإبدال، ووصل ما حقّه الفصل، وفصل ما حقّه الوصل... هذه
الأخطاء –كما زعم- موجودة في الكتابات كلّها... في كتابات أرقى الأمم وأكثرها
تحضّرا قديما وحديثا... فهل نصف أصحاب الكتابات كلّهم بالتوحش والبداوة والبعد عن
الحضارة والعمران لأنّ كثيرا من كتابات كلماتهم
تخالف لفظها...
ب.
إنّ هذه
القواعد والمبادئ التي يزعمها ابن خلدون محدثة وُجِدت بعد عهد الصحابة رضي الله
عنهم فكيف نحاسب الأوّل على ما صنع الآخر وكيف نقيّم القديم بالحديث؟
·
رفض ابن خلدون
توجيهات وتعليلات الرسم العثماني واعتبر القائلين بها "مغفلين" مستدلا
وممثلا لذلك ببعض التوجيهات الإشارية
والصوفية كقولهم في زيادة الألف في {لأاذبحنه} إشارة إلى أنّ الذبح لم يقع والياء
في {بأييد} إلى كمال قوة الله ومباينتها لقوة البشر...وقد جانب ابن خلدون الصواب
في هذه المسألة من حيثيتين اثنتين
أ.
الأولى:
تعميمه للحكم انطلاقا من جزئية خاصة، إذ حكم العام كلّه لا يؤخذ من بعض أفراده
وجزئياته... وإذا كان أصحاب التعليلات والتوجيهات التي ساقها قد جانبهم الصواب فلا
ينبغي سحب هذا الحكم وتعميمه على كلّ توجيه وتعليل...
ب.
ما المانع من
اعتماد بعض التعليلات المعنوية والإشارية إذا كانت لا تخالف أصلاً شرعيا أو مبدأ
صناعيا فنيا، ولا يدّعي أصحابها أنّها هي
الحق وما دونها كلّه باطل مردود...
·
يبدو أنّ ابن
خلدون –رحمه الله- قد التبس عليه الأمر بين الجانب الصناعي العلمي في الكتابة
وجانبها الفنّي الجمالي... بدليل أنّه حصر تطور الكتابة – فيما ذكره وساقه- في
جانبها الجمالي فقط... فكأنّه يعتقد أنّ من مظاهر ضعف الكتابة في أوّل الإسلام
إضافة إلى قواعد الرسم الاصطلاحي ضعفها الجمالي... وهذا الجانب وإن كان حقّا
وصوابا إلاّ أنّه غير متعلق بهذا العلم، والأمة غير ملزمة به. ومعلوم أنّ كتابة
المصحف في شقها الفني الجمالي قد عرفت تطوّرا وتغيرا مستمرا عبر التاريخ ولا يزال
هذا التطور والتغير مستمرا إلى يومنا هذا...
4.
باحثون مفكرون
وعلماء معاصرون :
وجلّ إن لم نقل كلّ من انتبذ وتجرّأ
على رسم الإمام – بحسن قصدٍ ونيةٍ أو بسوئهما – كانت عمدته ومنطلقه هذه الأقوال
الثلاثة، وفيما تقدّم من ردود عليها ما يغنينا - في الجملة – لإبطال هذه المزاعم
والأقوال الحديثة...
·
الشوكاني:
يقول عليه رحمة الله في فتح القدير عند تعرضها لتفسير آيات الربا ما نصّه: "...وقد
كتبوه في المصحف بالواو قال في الكشاف : على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة
وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع انتهى قلت : وهذا مجرد اصطلاح لا يلزم المشي
عليه فإن هذه النقوش الكتابية أمور اصطلاحية لا يشاحح في مثلها إلا فيما كان يدل
به منها على الحرف الذي كانه في أصل الكلمة ونحوه كما هو مقرر في مباحث الخط من
علم الصرف وعلى كل حال فرسم الكلمة وجعل نقشها الكتابي على ما يقتضيه اللفظ بها هو
الأولى فما كان في النطق ألفا كالصلاة والزكاة ونحوهما كان الأولى في رسمه أن يكون
كذلك وكون أصل هذا الألف واوا أو ياء لا يخفى على من علم الصرف وهذه النقوش ليست
إلا لفهم اللفظ الذي يدل على بها عليه كيف هو في نطق من ينطق به لا لتفهيم أن أصل
الكلمة كذا مما لا يجري به النطق فاعرف هذا ولا تشتغل بما يعتبره كثير من أهل
العلم في هذه النقوش ويلزمون به أنفسهم ويعيبون من خالفه فإن ذلك من المشاححة في
الأمور الاصطلاحية التي لا تلزم أحدا أن يتقيد بها فعليك بأن ترسم هذه النقوش على
ما يلفظ به اللافظ عند قراءتها فإنه الأمر المطلوب من وضعها والتواضع عليها وليس
الأمر المطلوب منها أن تكون دالة على ما هو أصل الكلمة التي يتلفظ بها المتلفظ مما
لا يجري في لفظه الآن...."[41]
·
الشيخ رشيد
رضا: حيث يقول في الفتاوى
: "...مست الضرورة لطبع مصحف مفسر بالرسم
العرفي ليقرأه الجماهير قراءة صحيحة غير محرفة ويفهموه إذ علم بالتجربة أن أكثر
الناس يخطئون في القراءة في هذه المصاحف إلا من تلقاها من القراء وقليل ما هم وسئلنا
عن ذلك فأجبنا عنه . مما رأيتموه في الجزء الثاني من منار هذه السنة من الجواز
وتعليله "[42]
·
الشيخ طاهر الجزائري 1338هـ
·
الشيخ الزرقاني: له رأي خاص في
مناهل العرفان استنبطه واستقاه انطلاقا من فتوى
العز بن عبد السلام بعد أن ركّب ومزج – من
حيث لا يشعر – بينها وبين تعليق الزركشي
عليها، فاهتدى إلى نوع من الازدواجية في كتابة المصحف، الأولى بالتزام رسم الإمام
محافظة على التراث ورسم الأوائل، والثانية كتابته بالرسم الإملائي الحديث تقريبا
وتيسيرا على العامة وتسهيلا لفهمه وقراءته... حيث يقول ما نصّه: "وهذا الرأي
يقوم على رعاية الاحتياط للقرآن من ناحيتين: ناحية كتابته في كلّ عصر بالرسم
المعروف فيه، إبعاداً للناس عن اللبس والخلط في القرآن، وناحية إبقاء رسمه الأوّل
المأثور، يقرؤه العارفون ومن لا يخشى عليهم الالتباس. ولا شكّ أنّ الاحتياط مطلب
ديني جليل، خصوصا في جانب حماية التنزيل."[43]
·
الشيخ المراغي في تفسيره جرى على مذهب
العزّ بن عبد السلام حيث يقول: "وقد جرينا على الرأي الذي أوجبه العز بن عبد
السلام في كتابة الآيات أثناء التفسير للعلة التي ذكرها، وهي في عصرنا أشدّ حاجة
إليها من تلك العصور، على أنّ الخلاف بينهم في المصحف لا في القرآن ولو أثناء
التفسير كما فعلنا."[44]
اهـ
·
مجلة العربي في العدد 54 الصادر في ذي
الحجة عام 1382هـ نشرت بحثاً حول رسم
المصحف استحسنت فيه تغييره عما هو عليه في المصاحف العثمانية، معتمدة في ذلك على
أمرين:"أحدهما": أن خط المصحف العثماني ليس خط جبريل ولا خط محمد صلى
الله عليه وسلم حتى يمنع من تغييره. "الثاني": أن هذا الخط يوقع
الكثيرين في الخطأ لعدم اتفاقه مع قواعد الإملاء
وقد ردّ على المجلة الشيخ العلامة مفتي الحجاز الشيخ ابن
إبراهيم بفتوى مطوّلة ومعلّلة ننقلها كاملة لأهمّيتها ولتعلقها الشديد والمباشر
بموضوعنا
" الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد
وآله وصحبه أجمعين. فقد كتبت مجلة العربي في العدد 54 الصادر في ذي الحجة عام
1382هـ بحثاً في رسم المصحف استحسنت فيه تغييره عما عليه المصاحف العثمانية،
معتمدة في ذلك على أمرين:
"أحدهما": أن خط المصحف العثماني ليس خط جبريل ولا خط محمد صلى الله عليه وسلم حتى يمنع من تغييره.
"الثاني": أن هذا الخط يوقع الكثيرين في الخطأ لعد اتفاقه مع قواعد الإملاء وقد رفع إلينا سؤال عما استحسنته المجلة المذكورة،وعما اعتمدت عليه، كما نشرت جريدة عكاظ في عددها 159 الصادر في 12/2/1383 سؤال عن رسم المصحف أيضاً؛ فأجبنا بالتالي:
(حكم تغيير رسم المصحف):
أما تغيير رسم المصحف عما عليه المصاحف التي وزعها الخليفة الراشد عثمان بن عفان على الأمصار فلم يرخص فيه السلف الصالح، وممن نص على منع منهم الإمامان مالك وأحمد.
أما الإمام مالك فقد قال: الإمام أبو عمر والداني في "المقنع": حدثنا أبو محمد عبد الملك بن الحسن بن عبد العزيز بن علي، حدثهم قال: حدثنا المقدام بن تليد، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الحكم قال: قال أشهب: سئل مالك فقيل له: أرأيت من استكتب مصحفاً اليوم أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء؟ فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى: قال الداني أيضاً: حدثني أبو محمد عبد الملك بن الحسن، أن عبد العزيز بن علي حدثهم، قال: حدثنا المقدام بن تليد: قال: حدثنا عبد الله بن عبد الحكم، قال أشهب: سئل مالك عن الحروف تكون في القرآن مثل الواو والألف، أترى أن تغير من المصحف إذا وجدت فيه كذلك؟ قال: لا، قال أبو عمرو: ويعني الواو والألف الزائدتين في الرسم لمعنى المعدومتين في اللفظ نحو الواو في "أولئك" و"أولي" و"الاوت" و"سأوريكم" "الربوا" وشبهه. ونحو الألف في "لن ندعوا" و"ليبلوا" و"لا أوضعوا" و"أولا أذبحنه" "ومائة" و"مائتين" و"لا تايسوا" و"لا يايئس" و"أفلم يايئس" و"يبدءوا" و"تفتئوا" و"يعبؤا" وشبهه، وكذلك الياء في نحو من "نبأي المرسلين" و"ملائه" و"أفان مت" وما أشبهه. اهـ.
وأما الإمام أحمد فقد ذكر ابن مفلح في "الآداب الشرعية" الجزء الثاني ص295 والزركشي في "البرهان" والسيوطي في "الإتقان" أنه قال: تحرم مخالفة خط عثمان في واو وياء وألف وغير ذلك. اهـ.
وهذا الذي نصف عليه هذان الإمامان مالك وأحمد ذكر الجعبري في "شرح منظومة الشاطبي" المعروفة بعقيلة أتراب القصائد أنه مذهب باقي الأئمة الأربعة، وأن مستند الجميع مستند الخلفاء الأربعة، وحكى الإجماع على ذلك أو عمرو الداني في "كتاب المقنع" قال: لا مخالف له –أي مالك- في ذلك -أي في منع تغيير رسم المصحف- من عملاء الأمة. اهـ. وتبعه العلامة ابن الحاج في "المدخل" قال: يتعين عيه –أي على الناسخ- أن يترك ما أحدثه بعض الناس في هذا الزمان وهو أن ينسخ (الختمة) على غير مرسوم المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة على ما وجدته بخط عثمان رضي الله عنه. اهـ.
قلت: ولهذا نرى أبا عمرو الداني لما ذكر الروايات في أن أول من ألحق الألف في كتاب الله في (سيقلون لله( نصر بن عاصم، والقول بأن أول من ألحقها عبيد الله بن زياد، تعقب جميع ذلك بقوله: هذه الأخبار عندنا لا تصح لضعف نقلتها واضطرابها وخروجها عن العادة، إذ غير جائز أن يقدم نصر وعبيد الله هذا الإقدام على الزيادة في المصاحف مع علمهما بأن الأمة لا تسوغ لهما ذلك بل تنكره وترده وتحذر منه ولا تعمل عليه، وإذا كان ذلك بطل إضافة هاتين الألفين إليهما، وصح أن إثباتها من قبل عثمان والجماعة رضوان الله عيهم حسبما نزل به من عند الله وما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم،وقال أبو عمرو الداني أيضاً بعدما ذكر أنه رأى في بعض المصاحف كتابة "حتى" بالألف قال: لا عمل على بذلك لمخالفة الإمام ومصحف الأمصار" اهـ.
ومما ذكروه من أدلة المنع ما يلي:
1- أن ذلك الرسم الذي كتبت به المصاحف العثمانية هو الذي كان كتاب الوحي يكتبون الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بهن ثم استكتب به الخليفة عثمان رضي الله عنه عدة مصاحف ووزعها على الأمصار ليكون كل مصحف منها إمام للمصر الذي وصل إليه، واستمر ذلك الرسم في عهد الصحابة لم يحاول واحد منهم تغييره، وفقا أثرهم التابعون وتابعوهم بإحسان، فلا يجوز العدول عن رسم خطي بالإقرار في زمن الوحي الذي لا يقر فيه على ما يتنافى مع حفظ القرآن وبعمل الخلفاء الراشدين وبإجماع الصحابة وبالتابعين لهم بإحسان إلى غيره مما سيجعل القرآن عرضة للتلاعب به فيما بعد:
2- أن في تغيير رسم المصحف عما كانت عليه المصاحف العثمانية استدراكاً على السلف وهو غير لائق، ولهذا قال: البيهقي في "شعب الإيمان": ومن يكتب مصحفاً فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا –أي الصحابة- به تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيه، ولا يغير مما كتبوا شيئاً، فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق لساناً وأعظم أمانة فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم، ومر إلى أن قال: واتباع حروف المصاحف عندنا كالسنن القديمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها. اهـ.
وما أحسن ما قاله الزمخشري في كتابه "الكاشف" تعقيباً على من زعم أن نصب (والمقيمين الصلاة( لحن من خطأ الكتاب قال بعد توجيه نصبها أحسن توجيه، إن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم، خرقا يرفوه من يلحق بهم، ونعتقد مع هذا أن كتابتهم المصحف على تلك الهيئة لم تكن كيفما اتفق؛ بل كانت عن أمر متحقق عندهم يجب الاعتناء به كما صرح به البرهان للزركشي.
3- أن في إبقاء الرسم الأول بأولوية ما عليه السلف الصالح، وفي ذلك يقول السخاوي: الذي ذهب إليه مالك –أي من منع التغيير- هو الحق؛ إذ فيه إبقاء الحالة الأولى إلى أن تعلمها الطبقة الأخرى بعد الأخرى، ولا شك أن هذا هو الأحرى، إذ في خلاف ذلك تجهيل الناس بأولوية ما في الطبقة الأولى.
الجواب عما اعتمدت عليه مجلة العربي
أما قولها: بأن خط المصحف لا مانع من تغييره ما دام ليس بخط جبريل أو الرسول.
فالجواب عليه: أن رسم المصحف العثماني وإن لم يكن بيد جبريل ولا بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان الوحي يكتب به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هناك ما يوجب تغييره لنزل الوحي بذلك وما كان ربك نسيا، ثم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أجمع الصحابة على تلك الكيفية، وقفا أثرهم التابعون وتابعو التابعين فصار ذلك إجماعاً، فما كان بهذه المثابة لا يغير كما تقدم.
وأما وقوع الجهال في الخطأ.
فالجواب عنه بأمرين:
"أحدهما": ما ذكره الزركشي في "البرهان" بعدما ذكر عن العز بن عبد السلام أنه مال غلى تغيير رسم المصحف نظراً إلى هذا، وهو أن ما أحكمته القدماء لا يترك مراعاة لجهل الجاهلين وأن تخلو الأرض من قائم لله بحجة.؟
"الثاني": أن تلقي القرآن من أفواه الرجال يذهب الغموض من الرسم كائناً ما كان،وهو المعول عليه، حتى عد العلماء من حكم الرسم على تلك الكيفية التي رسمت بها المصاحف العثمانية أن لا يعتمد القارئ على المصحف بل يأخذ القرآن من أفواه الرجال، قال صاحب "نثر المرجان": ذكر صاحب الخزانة عن الكسائي أنه قال: في خط المصحف عجائب وغرائب تحيرت فيها عقول العقلاء، وعجزت عنها آراء الرجال البلغاء، وكما أن لفظ القرآن معجز فكذلك رسمه خارج عن طوق البشر، والحكمة ي الرسم أن لا يعتمد القارئ على المصحف بل يأخذ القرآن من أفواه الرجال الآخذين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند العالي. وقال ابن الحاج في "المدخل" ج3 ص92 بعد ذكر فتوى مالك بمنع تغيير سم المصحف ما نصه: لا يلتفت إلى اعتلال من خالف بقوله: أن العامة لا تعرف مرسوم المصحف ويدخل عليهم الخلل في قرائتهم في المصحف إذا كتب على المرسوم فيقرأون مثلا "وجاء" "وجاى" لأنه بألف قبل الياء، ومن ذلك قوله تعالى: (فأنى يؤفكون(. (فأنى تصرفون(. فإنهم يقرأون ذلك وما أشبهه بإظهار الياء إما ساكنة وإما مفتوحة، وكذلك قوله تعالى: (وقالوا مالِ هذا الرسول( مرسوم المصحف فيها بلام منفصلة عن الهاء، فإذا وقف عليها التالي وقف على اللام. وكذلك قوله تعالى: (أولا أذبحنه( (ولا أوضعوا خلالكم(. مرسومها بألف بعد لا، فإذا قرأهما من لا يعرف قراءتهما بمدة بينهما إلى غير ذلك وهو كثير، وهذا ليس بشيء، لأن من لا يعرف المرسوم من الأمة يجب عليه أن لا يقرأ في المصحف إلا بعد أن يتعلم القراءة على وجهها، أو يتعلم مرسوم المصحف، فإن فعل غير ذلك فقد خالف ما اجتمعت عليه الأمة، وحكمه معلوم في الشرع الشريف.
فالتعليل المقدم ذكره، وهو أن مرسوم المصحف يدخل الخلل على العامة في القراءة، مردو على صاحبه، لمخالفته للإجماع المتقدم، قال ابن الحاج: وقد تعدت هذه المفسدة إلى خلق كثير من الناس في هذا الزمان، فليحتفظ من ذلك في حق نفسه وحق غيره، والله الموفق. اهـ.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في "العارضة" ص268 الجزء الحادي عشر في الكلام على جمع القرآن بمناسبة رواية الترمذي للأحاديث المتعلقة به في أبواب التفسير: هذه المصاحف إنما كانت تذكر لئلا يضيع القرآن، فأما القراءة فإنما أخذت بالرواية لا من المصاحف. اهـ.
ولابن كثير في "فضائل القرآن" كلام جيد في هذا الموضوع نصه: فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن، لأن الكتابة لا تدل على الأداء، كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه، وإذا أدى الحال إلى هذا منع منه إذا وجد شيخاً يوقفه على ألفاظ القرآن، فأما عند العجز عما يلقن فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية، فإذا قرأ في المصحف والحالة هذه فلا حرج عليه،ولو فرض أنه قد يحرف بعض الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه فقد قال الإمام أبو عبيد: حدثني هشام بن إسماعيل الدمشقي، عن محمد ابن شعيبن عن الأوزعي: أن رجلاً صحبهم في سفر، قال: فحدثنا حديثاً ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا قرأ فحرف أو أخطأ كتبه الملك كما أنزل وحدثنا حفص بن غياث، عن الشيباني، عن بكير بن الأخنس، قال كان يقال: إذا قرأ الأعجمي والذي لا يقيم القرآن كتبه الملك كما أنزل. اهـ.
((خاتمة))
استحسنا أن نختم هذا البحث بقصة لها صلة بالموضوع رواها القرطبي في تفسيره في الكلام على قول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون( روى بسنده إلى يحيى بن أكثم، قال كان للمأمون وهو أمير إذ ذاك مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام، قال: فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال نعم. قال: اسلم حتى أفعل لك وأصنع، ووعده، فقال: ديني ودين آبائي، وانصرف. قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مسلماً، قال فتكلم على الفقه فأحسن الكلام، فلما تقوض المجلس دعاه المأمون وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان وأنت تراني حسن الخط فعمدت غلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها إلى الوراقين فاشتريت مني، وعمدت غلى القرآن فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الوراقين فتصفحوها فلما وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي، قال يحيى بن أكثم، فحججت تلك السنة فلقيت سفيان ابن عيينة فذكرت له الخبر، فقال: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل. قال: قلت في موضع. قال: في قول تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل: (بما استحفظوا من كتاب الله). فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال عز وجل: (إن نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضع. اهـ. تم الجواب. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(نشرت في جريدة عكاظ 26/2/1383)
"أحدهما": أن خط المصحف العثماني ليس خط جبريل ولا خط محمد صلى الله عليه وسلم حتى يمنع من تغييره.
"الثاني": أن هذا الخط يوقع الكثيرين في الخطأ لعد اتفاقه مع قواعد الإملاء وقد رفع إلينا سؤال عما استحسنته المجلة المذكورة،وعما اعتمدت عليه، كما نشرت جريدة عكاظ في عددها 159 الصادر في 12/2/1383 سؤال عن رسم المصحف أيضاً؛ فأجبنا بالتالي:
(حكم تغيير رسم المصحف):
أما تغيير رسم المصحف عما عليه المصاحف التي وزعها الخليفة الراشد عثمان بن عفان على الأمصار فلم يرخص فيه السلف الصالح، وممن نص على منع منهم الإمامان مالك وأحمد.
أما الإمام مالك فقد قال: الإمام أبو عمر والداني في "المقنع": حدثنا أبو محمد عبد الملك بن الحسن بن عبد العزيز بن علي، حدثهم قال: حدثنا المقدام بن تليد، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الحكم قال: قال أشهب: سئل مالك فقيل له: أرأيت من استكتب مصحفاً اليوم أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء؟ فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى: قال الداني أيضاً: حدثني أبو محمد عبد الملك بن الحسن، أن عبد العزيز بن علي حدثهم، قال: حدثنا المقدام بن تليد: قال: حدثنا عبد الله بن عبد الحكم، قال أشهب: سئل مالك عن الحروف تكون في القرآن مثل الواو والألف، أترى أن تغير من المصحف إذا وجدت فيه كذلك؟ قال: لا، قال أبو عمرو: ويعني الواو والألف الزائدتين في الرسم لمعنى المعدومتين في اللفظ نحو الواو في "أولئك" و"أولي" و"الاوت" و"سأوريكم" "الربوا" وشبهه. ونحو الألف في "لن ندعوا" و"ليبلوا" و"لا أوضعوا" و"أولا أذبحنه" "ومائة" و"مائتين" و"لا تايسوا" و"لا يايئس" و"أفلم يايئس" و"يبدءوا" و"تفتئوا" و"يعبؤا" وشبهه، وكذلك الياء في نحو من "نبأي المرسلين" و"ملائه" و"أفان مت" وما أشبهه. اهـ.
وأما الإمام أحمد فقد ذكر ابن مفلح في "الآداب الشرعية" الجزء الثاني ص295 والزركشي في "البرهان" والسيوطي في "الإتقان" أنه قال: تحرم مخالفة خط عثمان في واو وياء وألف وغير ذلك. اهـ.
وهذا الذي نصف عليه هذان الإمامان مالك وأحمد ذكر الجعبري في "شرح منظومة الشاطبي" المعروفة بعقيلة أتراب القصائد أنه مذهب باقي الأئمة الأربعة، وأن مستند الجميع مستند الخلفاء الأربعة، وحكى الإجماع على ذلك أو عمرو الداني في "كتاب المقنع" قال: لا مخالف له –أي مالك- في ذلك -أي في منع تغيير رسم المصحف- من عملاء الأمة. اهـ. وتبعه العلامة ابن الحاج في "المدخل" قال: يتعين عيه –أي على الناسخ- أن يترك ما أحدثه بعض الناس في هذا الزمان وهو أن ينسخ (الختمة) على غير مرسوم المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة على ما وجدته بخط عثمان رضي الله عنه. اهـ.
قلت: ولهذا نرى أبا عمرو الداني لما ذكر الروايات في أن أول من ألحق الألف في كتاب الله في (سيقلون لله( نصر بن عاصم، والقول بأن أول من ألحقها عبيد الله بن زياد، تعقب جميع ذلك بقوله: هذه الأخبار عندنا لا تصح لضعف نقلتها واضطرابها وخروجها عن العادة، إذ غير جائز أن يقدم نصر وعبيد الله هذا الإقدام على الزيادة في المصاحف مع علمهما بأن الأمة لا تسوغ لهما ذلك بل تنكره وترده وتحذر منه ولا تعمل عليه، وإذا كان ذلك بطل إضافة هاتين الألفين إليهما، وصح أن إثباتها من قبل عثمان والجماعة رضوان الله عيهم حسبما نزل به من عند الله وما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم،وقال أبو عمرو الداني أيضاً بعدما ذكر أنه رأى في بعض المصاحف كتابة "حتى" بالألف قال: لا عمل على بذلك لمخالفة الإمام ومصحف الأمصار" اهـ.
ومما ذكروه من أدلة المنع ما يلي:
1- أن ذلك الرسم الذي كتبت به المصاحف العثمانية هو الذي كان كتاب الوحي يكتبون الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بهن ثم استكتب به الخليفة عثمان رضي الله عنه عدة مصاحف ووزعها على الأمصار ليكون كل مصحف منها إمام للمصر الذي وصل إليه، واستمر ذلك الرسم في عهد الصحابة لم يحاول واحد منهم تغييره، وفقا أثرهم التابعون وتابعوهم بإحسان، فلا يجوز العدول عن رسم خطي بالإقرار في زمن الوحي الذي لا يقر فيه على ما يتنافى مع حفظ القرآن وبعمل الخلفاء الراشدين وبإجماع الصحابة وبالتابعين لهم بإحسان إلى غيره مما سيجعل القرآن عرضة للتلاعب به فيما بعد:
2- أن في تغيير رسم المصحف عما كانت عليه المصاحف العثمانية استدراكاً على السلف وهو غير لائق، ولهذا قال: البيهقي في "شعب الإيمان": ومن يكتب مصحفاً فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا –أي الصحابة- به تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيه، ولا يغير مما كتبوا شيئاً، فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق لساناً وأعظم أمانة فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم، ومر إلى أن قال: واتباع حروف المصاحف عندنا كالسنن القديمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها. اهـ.
وما أحسن ما قاله الزمخشري في كتابه "الكاشف" تعقيباً على من زعم أن نصب (والمقيمين الصلاة( لحن من خطأ الكتاب قال بعد توجيه نصبها أحسن توجيه، إن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم، خرقا يرفوه من يلحق بهم، ونعتقد مع هذا أن كتابتهم المصحف على تلك الهيئة لم تكن كيفما اتفق؛ بل كانت عن أمر متحقق عندهم يجب الاعتناء به كما صرح به البرهان للزركشي.
3- أن في إبقاء الرسم الأول بأولوية ما عليه السلف الصالح، وفي ذلك يقول السخاوي: الذي ذهب إليه مالك –أي من منع التغيير- هو الحق؛ إذ فيه إبقاء الحالة الأولى إلى أن تعلمها الطبقة الأخرى بعد الأخرى، ولا شك أن هذا هو الأحرى، إذ في خلاف ذلك تجهيل الناس بأولوية ما في الطبقة الأولى.
الجواب عما اعتمدت عليه مجلة العربي
أما قولها: بأن خط المصحف لا مانع من تغييره ما دام ليس بخط جبريل أو الرسول.
فالجواب عليه: أن رسم المصحف العثماني وإن لم يكن بيد جبريل ولا بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان الوحي يكتب به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هناك ما يوجب تغييره لنزل الوحي بذلك وما كان ربك نسيا، ثم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أجمع الصحابة على تلك الكيفية، وقفا أثرهم التابعون وتابعو التابعين فصار ذلك إجماعاً، فما كان بهذه المثابة لا يغير كما تقدم.
وأما وقوع الجهال في الخطأ.
فالجواب عنه بأمرين:
"أحدهما": ما ذكره الزركشي في "البرهان" بعدما ذكر عن العز بن عبد السلام أنه مال غلى تغيير رسم المصحف نظراً إلى هذا، وهو أن ما أحكمته القدماء لا يترك مراعاة لجهل الجاهلين وأن تخلو الأرض من قائم لله بحجة.؟
"الثاني": أن تلقي القرآن من أفواه الرجال يذهب الغموض من الرسم كائناً ما كان،وهو المعول عليه، حتى عد العلماء من حكم الرسم على تلك الكيفية التي رسمت بها المصاحف العثمانية أن لا يعتمد القارئ على المصحف بل يأخذ القرآن من أفواه الرجال، قال صاحب "نثر المرجان": ذكر صاحب الخزانة عن الكسائي أنه قال: في خط المصحف عجائب وغرائب تحيرت فيها عقول العقلاء، وعجزت عنها آراء الرجال البلغاء، وكما أن لفظ القرآن معجز فكذلك رسمه خارج عن طوق البشر، والحكمة ي الرسم أن لا يعتمد القارئ على المصحف بل يأخذ القرآن من أفواه الرجال الآخذين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند العالي. وقال ابن الحاج في "المدخل" ج3 ص92 بعد ذكر فتوى مالك بمنع تغيير سم المصحف ما نصه: لا يلتفت إلى اعتلال من خالف بقوله: أن العامة لا تعرف مرسوم المصحف ويدخل عليهم الخلل في قرائتهم في المصحف إذا كتب على المرسوم فيقرأون مثلا "وجاء" "وجاى" لأنه بألف قبل الياء، ومن ذلك قوله تعالى: (فأنى يؤفكون(. (فأنى تصرفون(. فإنهم يقرأون ذلك وما أشبهه بإظهار الياء إما ساكنة وإما مفتوحة، وكذلك قوله تعالى: (وقالوا مالِ هذا الرسول( مرسوم المصحف فيها بلام منفصلة عن الهاء، فإذا وقف عليها التالي وقف على اللام. وكذلك قوله تعالى: (أولا أذبحنه( (ولا أوضعوا خلالكم(. مرسومها بألف بعد لا، فإذا قرأهما من لا يعرف قراءتهما بمدة بينهما إلى غير ذلك وهو كثير، وهذا ليس بشيء، لأن من لا يعرف المرسوم من الأمة يجب عليه أن لا يقرأ في المصحف إلا بعد أن يتعلم القراءة على وجهها، أو يتعلم مرسوم المصحف، فإن فعل غير ذلك فقد خالف ما اجتمعت عليه الأمة، وحكمه معلوم في الشرع الشريف.
فالتعليل المقدم ذكره، وهو أن مرسوم المصحف يدخل الخلل على العامة في القراءة، مردو على صاحبه، لمخالفته للإجماع المتقدم، قال ابن الحاج: وقد تعدت هذه المفسدة إلى خلق كثير من الناس في هذا الزمان، فليحتفظ من ذلك في حق نفسه وحق غيره، والله الموفق. اهـ.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في "العارضة" ص268 الجزء الحادي عشر في الكلام على جمع القرآن بمناسبة رواية الترمذي للأحاديث المتعلقة به في أبواب التفسير: هذه المصاحف إنما كانت تذكر لئلا يضيع القرآن، فأما القراءة فإنما أخذت بالرواية لا من المصاحف. اهـ.
ولابن كثير في "فضائل القرآن" كلام جيد في هذا الموضوع نصه: فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن، لأن الكتابة لا تدل على الأداء، كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه، وإذا أدى الحال إلى هذا منع منه إذا وجد شيخاً يوقفه على ألفاظ القرآن، فأما عند العجز عما يلقن فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية، فإذا قرأ في المصحف والحالة هذه فلا حرج عليه،ولو فرض أنه قد يحرف بعض الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه فقد قال الإمام أبو عبيد: حدثني هشام بن إسماعيل الدمشقي، عن محمد ابن شعيبن عن الأوزعي: أن رجلاً صحبهم في سفر، قال: فحدثنا حديثاً ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا قرأ فحرف أو أخطأ كتبه الملك كما أنزل وحدثنا حفص بن غياث، عن الشيباني، عن بكير بن الأخنس، قال كان يقال: إذا قرأ الأعجمي والذي لا يقيم القرآن كتبه الملك كما أنزل. اهـ.
((خاتمة))
استحسنا أن نختم هذا البحث بقصة لها صلة بالموضوع رواها القرطبي في تفسيره في الكلام على قول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون( روى بسنده إلى يحيى بن أكثم، قال كان للمأمون وهو أمير إذ ذاك مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام، قال: فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال نعم. قال: اسلم حتى أفعل لك وأصنع، ووعده، فقال: ديني ودين آبائي، وانصرف. قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مسلماً، قال فتكلم على الفقه فأحسن الكلام، فلما تقوض المجلس دعاه المأمون وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان وأنت تراني حسن الخط فعمدت غلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها إلى الوراقين فاشتريت مني، وعمدت غلى القرآن فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الوراقين فتصفحوها فلما وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي، قال يحيى بن أكثم، فحججت تلك السنة فلقيت سفيان ابن عيينة فذكرت له الخبر، فقال: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل. قال: قلت في موضع. قال: في قول تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل: (بما استحفظوا من كتاب الله). فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال عز وجل: (إن نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضع. اهـ. تم الجواب. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(نشرت في جريدة عكاظ 26/2/1383)
·
رجاء النقاش رئيس تحرير مجلة الهلال
كتب في أحد أعدادها التي خُصصت للقرآن الكريم سنة 1970م [45]
مقالا تحت عنوان "حرروا القرآن من هذه القيود " :"إن من واجبنا و
لا شك أن نحتفظ بالمصحف القديم بخطه المعروف فذلك أثر عزيز من آثارنا لا يجوز أن
نهمل في المحافظة عليه ولكن يجب أن تكون لدينا (الشجاعة الدينية) الكافية لكي نطبع
مصحفا خاليا من هذه الحروف التي تجعل قراءته صعبة بل ومستحيلة إلا عند المتخصصين
.."
·
ابن الخطيب في كتابه (الفرقان): تابع
هذا المفكر ابن خلدون في وسم رسم المصحف بالسقم والخطأ واللحن قائلا: "ولما
كان أهل العصر الأوّل قاصرين في فنّ الكتابة، عاجزين في الإملاء لأميتهم وبداوتهم
وبُعدهم عن العلوم والفنون، كانت كتابتهم المصحف الشريف سقيمة الوضع، غير محكمة
الصنع، فجاءت الكتابة الأولى مزيجا من أخطاء فاحشة ومناقضة متباينة في الهجاء
والرسم."[46]
وبعد نشر الكتاب سنة 1948م أصدر شيخ الأزهر محمد مأمون الشناوي
قرارا بتكوين لجنة من ثلاثة من علماء الأزهر الشريف لدراسة الكتاب ومناقشة ما جاء
فيه وتقديم تقريرا مفصّلا نشر مسلسلا في مجلة الأزهر في المجلد العشرين ، وقرّر
الأزهر الشريف على إثر ذلك مصادرة الكتاب ومنع تداوله[47]...
·
عبد العزيز ومن معه من المطالبين
بكتابة العربية عموما والمصحف الكريم من جملتها بالحروف اللاتينية: فقد وصف كتابة
المصحف ورسمه في كتابه (الحروف اللاتينية لكتابة العربية) بأنّها "بدائية
سقيمة قاصرة" ووصل به الحقد أو الجهل إلى وسمه بـ "السخف"[48]
مصادر علم رسم المصحف
الشريف[49]:
أوّلا
الرواية الشفوية
ثانيا:
رؤية المصاحف العتيقة
ثالثا:
المدونات والمصنفات في علم الرسم
يتبع إن شاء الله
أبو إسماعيل فتحي بودفلة
[1] معجم مقاييس
اللغة. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار
الفكر بيروت1399هـ - 1979م، ج2 ص 393
[2] الحيران على مورد الظمآن في فنّي الرسم والضبط.
إبراهيم المارغني، دار الكتب العلمية بيروت 1415هـ 1995م ص25 . سمير الطالبين في
رسم وضبط الكتاب المبين. علي بن محمد الضبّاع، المكتبة الأزهرية للتراث القاهرة 1420هـ 1999م ص20
[3] دليل الحيران ص25
[4] سمير الطالبين ص 20
[5] دليل الحيران ص25
[6] المرجع السابق
[7] سمير الطالبين ص73
[8] المرجع السابق ص22 دليل الحيران 25
[9] سمير الطالبين ص110 ، هذا وإن كان الشيخ في
الصفحة 23 عند بيانه لقواعد الرسم قد أدرج الهمز في قواعده وأضافها إلى كلٍّ من
الحذف والزيادة والإبدال والفصل والوصل وما فيه قراءتان فكتب على إحداها.
[10] دليل الحيران ص25
[11] نحو كتابة هدى يالياء والصلوة بالواو
[12] الوقف بالتاء في نحو رحمت ونعمت على لغة قريش
وحذف الياء في نحو يات لغير جازم على لغة هذيل
[13] كنحو (أم من يكون عليهم وكيلا) و(أمن يمشي) فإنّ
فصل (أم) عن (من) يفيد معنى: بلى بخلاف وصلها
[14] هكذا في الأصل.
[15] المرجع السابق
[16] الدليل 26 سمير الطالبين 15
[17] الإتقان في علوم القرآن. السيوطي، تحقيق دراسة
ونشر مركز الدراسات مجمع الملك فهد لطباعة المصحف 6\2199-2200
[18] سمير الطالبين ص15-16
[19] الدكتور عبد الهادي حميتو. (جهود الأمة
الإسلامية في رسم القرآن الكريم) قدّمه في المؤتمر العالمي الأوّل للباحثين في
القرآن الكريم، ص17
[20] المرجع نفسه
[21] ذيل مصحف الجماهيرية برواية قالون عن نافع ص (ز)
وانظر : مزايا الرسم العثماني وفوائده، د. طه عابدين، مجلة البحوث والدراسات
القرآنية، العدد الثاني، السنة الأولى 1427هـ 2006م ص21
[22] انظر (رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات
الحديثة) للدكتور شعبان محمد إسماعيل، دار السلام مكة ط2، 2001م ص63
[23] مزايا الرسم العثماني وفوائده، د. طه عابدين،
مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد الثاني، السنة الأولى 1427هـ 2006م ص59
[24] أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن إلاّ النسائي عن
العرباض بن سارية رضي الله عنه
[25] ذكر الباحث أنّه نقله عن ابن عاشر في التحرير
والتنوير 1\53
[26] رسم المصحف. غانم قدوري الحمد ص232
[27] ممّا يشترط
في موضوع التواتر ومادته أن يقع على المحسوسات دون المعقولات والقول بتواتر الحكم
يفتقر لهذا الشرط دون القول بتواتر عين الرسم وذاته _ والله أعلم بالحق والصواب -
[28] الانتصار للقرآن. أبو بكر الباقلاني، تحقيق: د.
محمد عصام القضاة، دار ابن حزم بيروت بالاشتراك مع دار الفتح عمان، 1422هـ 2001م
2\547-548-549
[29] المرجع نفسه
547
[30] هذه النصوص
أوردها الدكتور عبد الهادي حميتو في بحثه (جهود الأمة الإسلامية في رسم القرآن)
ص39 وما بعدها ... وقد عدت إلى أصلها ونقلتها منه (الانتصار)
[31] الانتصار
2\550
[32] المرجع نفسه
2\551-552
[33] الانتصار
2\560
[34] رسم المصحف
دراسة لغوية تاريخية. غانم قدوري الحمد، نشر اللجنة الوطنية العراقية للاحتفال
بمطلع القرن الخامس عشر الهجري، الطبعة الأولى، هامش الصفحة 200
[35] انظر تقديم
الدكتور أيمن سويد لكتاب (رسم المصحف ونقده) للدكتور عبد الحي الفرماوي، دار نور
المكتبات بجدة 1425هـ مجلة البحوث والدراسات القرآنية العدد الثاني 1427هـ بحث:
مزايا الرسم العثماني وفوائده للدكتور طه عابدين. [ص42 نسخة مصورة]
[36] صرّح بذلك
على موقع أهل التفسير في مناقشة موضوع فتوى العز بن عبد السلام رحمه الله...
[37] البرهان
1\379
[38] جهود الأمة
الإسلامية في رسم القرآن الكريم، ص45
[39] فتاوى العز
بن عبد السلام. إخراج عبد الرحمن عبد الفتاح، دار المعرفة بيروت 1406هـ ص145 نقلا
عن جهود الأمة الإسلامية في رسم القرآن الكريم ص46
[40] عبد الهادي
حميتو، 46
[41] فتح القدير
الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير. محمد بن علي الشوكاني، نسخة
الموسوعة الشاملة سورة البقرة الآية 275
[42] فتاوى رشيد
رضا 6\2541-2542 [من الشبكة]
[43] مناهل
العرفان. محمد عبد العظيم الزرقاني، دار الكتاب العربي بيروت، 1415هـ 1995م
ج1\ص316
[44] تفسير
المراغي. أحمد مصطفى المراغي، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده القاهرة،
الطبعة الأولى 1365هـ 1946م ج1\ص15
[45] عبد الهادي حميتو ص 46. انظر الموقع الخاص بمجلة الهلال، وانظر ترجمة
رجاء النقاش على الشبكة
[46] عبد الهادي
حميتو ص48 نقلا عن الفرقان، طبعة دار الكتب المصرية القاهرة 1948م ص57
[47] المرجع نفسه،
وأحال على: كتاب المتحف في رسم المصحف للدكتور عبد الكريم إبراهيم عوض صالح ص77-78
[48] عبد الهادي
حميتو، نقلا عن كتاب الحروف اللاتينية لكتابة العربية مطبعة مصر القاهرة 1944م
ص23-31 وكتاب المتحف في رسم المصحف 76-77
[49] انظر رسم
المصحف دراسة لغوية تاريخية. غانم قدوري الحمد ص163 وما بعدها . جهود الأمة
الإسلامية في رسم القرآن الكريم. عبد الهادي حميتو ص49 وما بعدها.
ممكن نسخة من هذا البحث بصيغة الوورد
ردحذفماشاء الله
ردحذفأريد عنوان بحث يكون في علم الضبط ارجو الرد بسرعة
ردحذفماشاء الله
ردحذف