الأربعاء، 18 يناير 2012

مدخل إلى علوم القرآن (تعريفه، تاريخه، ومصادره)

خطة البحث


مقدمة

المبحث الأوّل: تعريف علوم القرآن

المطلب الأوّل: تعريف علوم القرآن باعتبار تفكيك التركيب الإضافي

تعريف العلم لغة واصطلاحا

تعريف القرآن لغة واصطلاحا

المطلب الثاني: تعريف علوم القرآن باعتبار التركيب الإضافي

المطلب الثالث: تعريف علوم القرآن باعتباره التدويني اللقبي الخاص

المطلب الرابع: الفرق بين علوم القرآن بمعناه الواسع العام وبين علوم القرآن بمعناه اللقبي التدويني الخاص

المطلب الخامس: تعداد علوم القرآن وتبويبها

المطلب السادس: علاقة التفسير وأصوله بعلوم القرآن

المبحث الثاني: تاريخ علوم القرآن

تنبيهات بين يدي هذه البحوث

المطلب الأوّل: المراحل التي مرّ بها علوم القرآن

المطلب الثاني: أوّل من ألّف فيه

المبحث الثالث: مصادر علوم القرآن

المطلب الأوّل: المصادر القديمة

المطلب الثاني: المصادر الحديثة والمعاصرة

المطلب الثالث: تفصيل القول في بعض المصادر المهمة

الخاتمة

قائمة المصادر والمراجع

المصادر والمراجع:

1. البرهان في علوم القرآن. بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي 794هـ تحقيق أبي الفضل الديمياطي دار الحديث القاهرة 1427هـ 2006م

2. الإتقان في علوم القرآن. جلال الدين السيوطي 911هـ تحقيق مركز الدراسات القرآنية مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف

3. تهذيب وترتيب الإتقان في علوم القرآن. لمحمد بن عمر بن سالم بازمول، دار الهجرة الرياض بالاشتراك مع دار ابن عفان القاهرة 1426هـ 2005م

4. مختصر الإتقان في علوم القرآن للسيوطي. صلاح الدين أرقه دان، دار النفائس بيروت الطبعة الثانية 1407هـ - 1987م

5. فنون الأفنان في عيون علوم القرآن. عبد الرحمن بن الجوزي 597هـ تحقيق الدكتور حسن ضياء الدين عتر، دار البشائر الإسلامية بيروت 1408هـ 1987م

6. جمال القراء وكمال الإقراء. أبو الحسن علم الدين علي بن محمد السخاوي 643هـ تحقيق: مروان العطية ومحسن خرابة، نشر دار المأمون للتراث دمشق 1418هـ 1997م

7. المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز. شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بابن شامة المقدسي (665هـ) تحقيق: طيار آلتي قولاج، نشر دار صادر بيروت سنة 1395هـ 1975م

8. مناهل العرفان في علوم القرآن. الشيخ عبد العظيم الزرقاني تحقيق الدكتور نواف الجرّاح دار صادر بيروت 1429هـ 2008م

9. لطائف البيان في علوم القرآن. الدكتور مصطفى آكرور ، دار الإمام مالك الجزائر 1424هـ 2004م

10. مباحث في علوم القرآن. الدكتور محمد الدراجي، دار قرطبة الجزائر 1431هـ 2010م

11. محاضرات في علم التفسير ومناهج المفسرينز الدكتور محمد دراجي. منشورات غبريني الجزائر 2006م

12. محاضرات في علوم القرآن. د. غانم قدوري الحمد، دار عمار عمان، 1423هـ 2003م

13. علوم القرآن بين البرهان والإتقان دراسة موازنة. الدكتور حازم سعيد حيدر؛ مكتبة دار الزمان المدينة المنورة الطبعة الثانية 1427هـ 2006م

14. علوم القرآن تاريخه ...وتصنيف أنواعه . الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار ؛ مجلة معهد الإمام الشاطبي للدراسات القرآنية العدد1 ربيع الآخر 1427هـ

15. مباحث في علوم القرآن. مناع القطان ، مكتبة وهبة القاهرة، الطبعة الحادية عشر 2000م

16. المدخل لدراسة القرآن الكريم . الأستاذ الدكتور محمد أبو شهبة. دار اللواء للنشر والتوزيع الرياض الطبعة الثالثة: 1407هـ 1987م

17. الواضح في علوم القرآن. د.مصطفى ديب البغا و الأستاذ محيي الدين ديب متو، دار العلوم الإنسانية بدمشق بالاشتراك مع دار الكلم الطيب بدمشق 1418هـ 1998م

18. لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير. الدكتور محمد بن لطفي الصّباغ، المكتب الإسلامي بيروت الطبعة الثالثة سنة 1410هـ 1990م

19. دراسات في علوم القرآن. د. محمد بكر إسماعيل، دار المنار القاهرة الطبعة الثانية 1419هـ 1999م

20. بحوث منهجية في علوم القرآن. موسى إبراهيم لإبراهيم، دار عمّار عمان، الطبعة الثانية 1416هـ 1996م

21. علوم القرآن من خلال مقدمات التفسير. الدكتور محمد صفا شيخ إبراهيم حقي، مؤسسة الرسالة بيروت 1425هـ 2004م

22. المقدمات الأساسية في علوم القرآن. عبد الله بن يوسف الجُدَيْع،مركز البحوث الإسلامية ليدز بريطانيا توزيع دار الريان سنة 1422هـ 2001م

23. دليل كتب علوم القرآن المسندة المطبوعة حتى عام 1427هـ . للأستاذ فؤاد بن عبده أبو الغيث مسؤول وحدة المعلومات بمركز الدراسات والمعلومات القرآنية ، مجلة معهد الإمام الشاطبي للدراسات القرآنية العدد 2 ذو الحجة 1427هـ

24. موسوعة علوم القرآن. الدكتور عبد القادر منصور، دار القلم العربي حلب سنة 1422هـ 2002م

25. تحقيق ودراسة كتاب التحبير في علم التفسير. رسالة لنيل درجة الماجستير في الكتاب والسنة إعداد الطالب: زهير عثمان علي نور إشراف الدكتور محمد شوقي خضر 1404هـ - 1983م جامعة أم القرى كلية الشريعة والدراسات الإسلامية

26. مقدمة في أصول التفسير. شيخ الإسلام ابن تيمية 728هـ ، دار الفجر الجزائر1422هـ 2001م

27. شرح مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية. الشيخ محمد بن صالح العثيمين، تخريج تحقيق وتعليق إسلام منصور عبد الحميد، دار البصيرة الإسكندرية 2003م

28. التفسير والمفسرون. محمد حسين الذهبي، مكتبة وهبة القاهرة. الطبعة السابعة 2000م

29. الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256هـ) تحقيق محب الدين الخطيب ترقيم وفهرست محمد فؤاد عبد الباقي المكتبة السلفية القاهرة الطبعة الأولى 1400هـ

30. صحيح مسلم. أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري 261هـ طبعة بيت الأفكار الدولية الرياض 1419هـ 1998م

31. جامع البيان عن تأويل القرآن المعروف بتفسير الطبري. أبو جعفر محمد بن جرير الطبري 310هـ بتحقيق محمود محمد شاكر مكتبة ابن تيمية القاهرة

32. الرسالة. أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي 204هـ تحقيق وتعليق أحمد شاكر (بدون بيانات)

33. الأضداد. محمد بن القاسم الأنباري 327هـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم المكتبة العصرية لبنان 1411هـ 1991م

34. مختار الصحاح. زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي، ترتيب: محمود خاطر، تحقيق: حمزة فتح الله، مؤسسة الرسالة1414هـ 1994م

35. المصباح المنير.أحمد بن محمد الفيومي المقرئ، مكتبة لبنان بيروت 1990م

36. مقاييس اللغة. أبو الحسين أحمد بن فارس، تحقيق شهاب الدين أبو عمر، دار الفكر بيروت

37. مجمل اللغة. أبو الحسين أحمد بن فارس، تحقيق شهاب الدين أبو عمر، دار الفكر 1414هـ 1994م أساس البلاغة. جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، دار الفكر بيروت 1426هـ - 1427هـ 2006م

38. كتاب العين. الخليل بن أحمد الفراهيدي، دار إحياء التراث العربي بيروت 1426هـ 2005م

المبحث الأوّل: تعريف علوم القرآن

 تعريف علوم القرآن من خلال تفكيك تركيبه الإضافي

1. تعريف العلوم :

• تعريف العلوم في اللغة : جمع عِلْمٍ من عَلِمَ يَعْلَمُ علمًا. قال ابن فارس في المقاييس يبيّن أصل معاني هذه المادة: "العين واللام والميم أصلٌ صحيح واحد، يدلّ على أثرٍ بالشيء يتميّز به عن غيره" وقد ذكروا من معاني هذه الكلمة التي لا تخرج في مجملها عن الأصل الذي ذكره ابن فارس المعرفة واليقين والشعور والإتقان والإخبار والشقّ والبروز واللاّفت والأثر والمنار والجبل الطويل والعلامة . وأكثر ما تستعمل هذه المادة في المعنيين الأولين: المعرفة واليقين ولهذا وقالوا أيضا في تعريفه هو نقيض الجهل....

• تعريف العلم في الاصطلاح: أما في الاصطلاح فقد اختلفت تعريفات العلم والعلوم تبعا لاختلاف التخصصات التي ينطلق منها المعرِّف، فهي من اختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات.

عرّفه علماء الشريعة بقولهم: "العلم بالله تعالى وما يتعلق به من جليل صفاته وحكيم أفعاله، ومعرفة حلاله وحرامه." يلاحظ في هذا التعريف أنّ أصحابه إنّما عنوا في تعريفهم ما يتعلق بعلوم الدين الإسلامي بشقيه العقدي العلمي والتشريعي العملي، لأنّه مجال اختصاصهم وميدان عملهم.

وعرّفه المتكلمون بقولهم " صفة تنكشف بها الأشياء لما قامت به"

بينما هو عند الفلاسفة والحكماء: "صورة الشيء الحاصلة في العقل"

وهو عند الماديين والتجريبيين: "خصوص اليقينيات التي تستند إلى الحسّ"

فانظر كيف حصر الفلاسفة العلم بما يحصل في العقل لأنّ سبيل العلم والمعرفة عندهم نختص به دون غيره من الوسائل بينما خصّه المادّيون بالحسّ دون سواه فلا يقع مسمى العلم عندهم إلاّ على ما تدركه الحواس ويخضع للتجريب والاختبار والمعاينة ولم يخصّه المتكلمون بوسيلة دون أخرى فهو يقع عندهم بالوحي والعقل والحواس ...

وقد يطلق العلم ويقصد به الملكة التي بها تدرك وتحصّل المسائل أو ملكة إدراكها أو استرجاعها واستحضارها...

والذي يعنينا ويهمنا من هذه التعريفات كلّها هو اصطلاح العلم عند علماء الجمع والتدوين، وهو عندهم "جملة من المسائل المضبوطة بجهة واحدة" سواء كانت هذه الجهة مادة العلم أو غايته أو منهجه ...



2. تعريف القرآن:

• تعريف القرآن في اللغة اختلف فيه أهل العلم من جهات عدّة أوّلا من جهة كونه مهموزا أو لا ومن جهة كونه مصدرا أو صفة ومن جهة كونه جامدا أو مشتقا وقد تعدّدت المذاهب فيه والآراء انطلاقا من هذه الجهات والحيثيات الثلاث حتى وصلت إلى ما يقارب العشرة وها هنا تفصيل بعض هذه المذاهب منسوبة إلى أصحابها

 الِّحياني والجوهري والراغب الأصفهاني وابن الأثير يرون بأنّه مهموز وأنّه مصدر من قرأ قرأت قرآنا سُمِّي به المقروء من باب تسمية اسم المفعول بالمصدر يشهد لهم قوله تعالى {وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودا}[الإسراء 87] فقد ذكر غير واحد من المفسرين أنّ المقصود بالقرآن ها هنا القراءة ومثله قول حسان في عثمان رضي الله عنهم أجمعين:

ضحَّوا بأَشْمَطَ عُنْوانُ السُّجود بهِ يُقَطِّعُ الليل تسبيحا وقُرآناً (أي قراءةً)

 بينما يرى الزجاج وأبو عبيدة ورواية عن قطرب وذكره الماوردي في تفسيره والراغب في مفرداته أنّه مهموز ولكنه وصف على وزن فُعْلان وليس مصدرا وهو عنده مشتق من القُرء بمعنى الجمع ، قال أبو إسحاق القُرء في اللغة بمعنى الجمع. قال الماوردي ولهذا سمي قُرء العِدّة قرءاً؛ لاجتماع دم الحيض في الرحم، وعن قطرب: قرأت الماء في الحوض: أي جمعته، وقرأت القرآن: لفظت به مجموعا . وقال أبو عبيدة: سمي بذلك لأنّه جمع السور بعضها إلى بعض. وقيل لأنّه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض وعن الراغب قول بعضهم: سمي قرآنا لكونه جامعاً لثمرات الكتب بل لجمعه ثمرة جميع العلوم.

 وقال قطرب في روايته الثانية بالهمز كذلك ولكنه عنده من الإظهار والبيان أخذه من قول العرب (ما قرأتْ الناقة سلاً قطّ) أي ما ألقت ولا رمت بولدٍ ووجه التشبيه بين الإطلاقين والتعبيرين (أنّ قارئ القرآن يلفظه ويلقيه من فمه، فسمي قرآناً)

 نسب للأشعري قوله بأنه غير مهموز وأنّه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إليه ونسب الزركشي للجوهري أنّه غير مهموز ومشتق من القَرْي وهو الجمع ومنه قولهم قريتُ الماءَ في الحوضِ إذا جمعته فيه قال السمين الحلبي: "وهو غلط لأنّهما مادتان متغايرتان."

 ونسب للفراء والقرطبي قولهم بعدم الهمز وبالاشتقاق من القرائن؛ لأنّ الآيات يصدق بعضها بعضا وتتشابه قال الزجاج معترضا على القول بعدم الهمز : "هذا سهو، والصحيح أنّ ترك الهمزة فيه من باب التخفيف ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها."

 ومذهب الإمام الشافعي أنّ لفظ القرآن مرتجل جامد غير مشتق فهو اسم علم غير مهموز خاص بكلام الله مثل التوراة والإنجيل وليس مأخوذا من لفظ قرأ لا مصدرا ولا وصفا بدليل أنّه لا يسمى كلّ مقروء قرآنا إلاّ كلام الله وقد اختار الإمام السيوطي هذا الرأي. قال الأستاذ محمد صفاء معلقا ومتعقبا مذهب الشافعي رحمه الله: "ويعترض على هذا الرأي بأنّ العَلَم المرتَجل نادر جداً، وأنّ الغالب في الأعلام أنّها منقولة، بل ذهب سيبويه إلى أنّ الأعلام كلّها منقولة، كما يعترض عليه بأنّ معظم القراء السبعة قرأوا لفظ (القرآن) بالهمز."

 الخلاصة: من خلال هذه الأقوال جميعها وترجيحات جلّ من ناقش المسألة فإنّ الراجح في لفظ القرآن أنّه مشتق سواء قلنا بالوصف أو المصدرية وأصل اشتقاقه مادة (ق ر أ) التي من أهمّ معانيها التلاوة والجمع. ثمّ غلب على كلام الله عزّ وجلّ المتواتر المجموع بين دفتي المصحف حتى صار كالعَلَم عليه، إذا أطلق اللفظ توجّه إليه دون سواه، أما مسألة الهمز من عدمه فالأمر متعلق والله أعلم بلغات العرب فبعضهم يحقق الهمز على الأصل وبعضهم الآخر يسهّله للتخفيف، ونقل الهمز في لفظ القرآن الكريم من هذا التسهيل وهو لغة الحجاز والشافعي عليه رحمة الله مكي حجازيّ كما هو معلوم... والله أعلم بالحق والصواب...



• تعريف القرآن في الاصطلاح :

 التعريف العقدي والشرعي للقرآن الكريم: نظر علماء الإسلام إلى القرآن من جهتين اثنتين الأولى منهما عقدية حيث نظروا إلى القرآن من جهة كونه كلام الله تعالى الصادر منه فقال أهل السنة والجماعة: "هو كلام الله تعالى على الحقيقة، لا التأويل والمجاز، فهو على خلاف مذهب المعتزلة غير مخلوق، وعلى خلاف مذهب الأشاعرة، ليس كلاما نفسيا فقط، بل صفة ذات وفعل مقدسة وأنّ الصوت واللفظ والتغني إنّما هو للقارئ وأنّ الكلام المقروء المتلو هو للبارئ سبحانه وتعالى. وهو منسوب لله سبحانه وتعالى لفظا ومعنى .....

أما الثانية فنظروا إليه من جهة كونه مصدرا للشريعة الإسلامية وحافظا لأسمى كلام العرب وأرقى تراكيبهم وفنونهم تستنبط الأحكام من ألفاظه، لهذا اهتم الأصوليون والفقهاء واللغويون والبلاغيون ... بالجانب اللفظي في القرآن دون جانبه العقدي المتقدم...

 اختلاف أهل العلم في تعريف القرآن: فبعضهم أحجم عن تعريفه أصلاً وآخرون وهم الجمهور عرّفوه، والذين أحجموا اختلفوا بدورهم في سبب ووجه الإحجام والذين عرّفوه اختلفوا كذلك في منهج التعريف وطريقته أوّلاً و في التعريف ذاته ثانياً...

 أحجم بعضهم عن تعريف القرآن لأنّه علم شخصي والتعريفات إنّما تكون للكليات

 وأحجم آخرون لأنّ القرآن أعرف من أن يعرّف وهو متميّز غير مجهول فلا حاجة إذاً للتعريف

 وأحجم آخرون عن تعريفه اللفظي وقالوا بالتعريف الحسي والذهني : "الحدّ الحقيقي له هو استحضاره معهوداً في الذهن أو مشاهداً بالحسّ كأن تشير إليه مكتوباً في المصحف أو مقروءا باللسان فتقول: هو ما بين هاتين الدفتين، أو تقول هو من {بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين} ...إلى قوله {من الجنّة والنّاس}

 بعض المعرفين له انتقدوا القواعد والضوابط المنطقية وقالوا إنها غير قادرة على تعريف القرآن أو إنّها تزيده غموضا وتشويشا أو إنّ تعريف القرآن في غير حاجة إليها

 أمّا باقي المعرفين فإنّما اعتمدوا في تعريفاتهم على خواص ومميزات وأوصاف القرآن فبعضهم توسع في تعريف القرآن بتعداد أوصافه وخصائصه كالإنزال، والكتابة في المصاحف، والنقل بالتواتر، والإعجاز، أو التعبّد بتلاوته، أو الحفظ في الصدور. واقتصر بعضهم على صفتي الإنزال على النبي صلى الله عليه وسلم والإعجاز لتحقق القرآن بهما ودون سواهما في زمن النبوة ومن زاد على الوصفين إنما قصد تعريفه لمن لم يحضر عصر النبوة وترك بعضهم ذكر صفة الإعجاز معلّلا ذلك بأنّه خاصية لا يعلمها إلاّ خواص العارفين بأسرار العربية وأساليبها وبكونه غير شامل لكلّ أجزاء القرآن لأنّ المعجز – حسب ما ذكر – إنما هو السورة أو مقدارها بينما يرى آخرون أنّ الاقتصار على وصف وخاصية الإعجاز أتمّ وأوجز لأنّه "وصف ذاتي للقرآن إذ هو الآية العظمى المثبِتة لرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم" ولبيان وجه الاختلاف في تعريف القرآن انطلاقا من تعدد أوصافه ما قدم به الأستاذ فهد الرومي في مبحث تعريف القرآن الاصطلاحي حيث قال : "اختص القرآن الكريم بخصائص كثيرة، ولعل هذه الخصائص سبب الاختلاف في تعريف القرآن بين العلماء، فكل تعريف يذكر خاصية للقرآن يعرفه بها لا يذكرها الآخر، ولهذا تعددت التعريفات." ثمّ يضرب لذلك مثلاً فيقول: "فإذا كان هناك رجل طويل ويلبس ثوبا أبيض ورداء أحمر، وحوله أشخاص أقصر منه قامة ويلبسون ثيابا ملونة وأردية بيضاء، فإن قلت : فلان هو الطويل فقد عرفته، وإن قلت: إنه الذي يلبس الثوب الأبيض فقد عرفته، وإن قلت: الذي يلبس الرداء الأحمر فقد عرفته. والمقصود في الكل واحد وإن اختلفت التعريفات." ومن نماذج وأمثلة هذه التعريفات ما يلي:

 أبو حامد الغزالي (ت:505هـ) المستصفى 1\101 (وحدُّ الكتاب ما نقل إلينا بين دفتي المصحف على الأحرف السبعة نقلاً متواتراً)

 الشيخ موفق بن قدامة (ت:620ه) (وكتاب الله هو [علوم القرآن بين البرهان والإتقان ص23]كلامه ...وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلاً متواتراً) [روضة الناظر 60-61] ولعل اقتصاره على هذين الصفتين لأنهما أقلّ ما يقع به التمييز

 الشوكاني (1205ه) (وأمّا حدُّ الكتاب اصطلاحا فهو الكلام المنزل على الرسول المكتوب في المصاحف المنقول إلينا متواتراً) وقال أيضا: (هو كلام الله المنزل على محمد المتلوّ المتواتر) [إرشاد الفحول 29-30]

 هو اسم لهذا المنزّل العربي إذا عرِّف باللام

 اللفظ المنزّل على النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس

 كلام الله تعالى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته

 هو الكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته

 كلام الله المعجز المتعبد بتلاوته المنزّل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام والمنقول إلينا بالتواتر والموجود بين دفتي المصحف.

 الخلاصة: إذا كان المقصود من التعريف مطلق التعريف أي العلم والمعرفة فإنّ القرآن معلوم وكما قالوا أعرف من أن يعرّف وإذا كان القصد هو التمييز فإنّ جميع هذه التعريفات - والله أعلم - يحصل بها التمييز، فإذا كان الأمر كذلك فأقلّ ما يحصل به المقصود هو الراجح والمطلوب ومن أراد التوسع والتفصيل فليس في باب التعريف وإنما في أبواب المسائل والمباحث والأحكام....

 تسميته كتابا وقرآنا : قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (فإنّ مقصودهم بالتغاير تغاير المفهوم، لا تغاير المصدوق، فإنّ ما يصدق عليه القرآن هو ما يصدق عليه الكتاب) [مذكرة أصول الفقه ] وقال الدكتور محمد عبد الله دراز (هذا بيان لوجه الصلة فيهما بين المعنى المنقول إليه، وهو مبني على ما اشتهر من استعمال القراءة في خصوص التلاوة، وهي ضم الألفاظ بعضها إلى بعض في النطق، واستعمال الكتابة في خصوص الرسم، وهو ضم بعضها إلى بعض في الخطّ، فإذا رجعنا إلى أصلهما الأصيل في اللغة وجدنا مادتي (ك ت ب) و(ق ر أ) تدوران على معنى الجمع والضم مطلقا. وبلمح هذا الأصل الأول يكون كل واحد من اللقبين ملاحظا فيه وصف الجمع، إمّا على معنى اسم الفاعل، أو على اسم المفعول، فيكون معناه (الجامع) أو (المجموع) وهذا اللقب لا يعني فقط أنّ هذا المسمى جامع للسور والآيات أو أنّه مجموع تلك السور والآيات، من حيث هي نصوص مؤلفة على صفحات القلوب، أو من حيث هي نقوش مصفوفة في الصحف والألواح، أو من حيث هي أصوات مرتلة منظومة على الألسنة، بل يعني شيئا أدقّ من ذلك كلِّه، وهو أنّ هذا الكلام قد جمع فنون المعاني والحقائق، وأنّه قد حُشدت فيه كتائب الحكم والأحكام، فإذا قلت الكتاب أو القرآن، كنت كأنما قلت:"الكلام الجامع للعلوم" أو "العلوم المجموعة في كتاب". وهكذا وصفه الله تعالى إذ أخبر بأنّه {تبيانا لكلّ شيء} [النحل 89] وكذلك وصفه النبيّ صلى الله عليه وسلم حيث قال: "فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم." رواه الترمذي)

 الاشتراك في لفظ القرآن: يطلق لفظ القرآن على ما قلّ منه وكثر فجعله بعضهم من باب الاشتراك اللفظي على مجموع القرآن

بلغ

 تعريف علوم القرآن باعتباه العام أو تعريفه اللغوي أو باعتبار إضافة جزأيه بعضهما لبعض:

(أما معنى "علوم القرآن" بمعناه الإضافي، أي المتركب من لفظتي "علوم" و "قرآن"، فيراد به شمول الإضافة من هاتين المفردتين المتضايفتين، إذ يقصد منه: كلّ علم يخدم القرآن الكريم أو يستند إليه. فهو بهذا الشمول والإحاطة يندرج فيه علم التفسير، وغريب القرآن، وقراءته، ورسمه, وإعجازه، وعلم العقيدة, واللغة, وغيرها. " من النصوص الدّالة على أنّ علوم القرآن بمفهومها اللغوي أو بمفهومها القديم الذي سبق المفهوم الاصطلاحي اللقبي الخاص والحادث بعد ذلك ما رواه البيهقي 458هـ في شعب الإيمان عن الحسن البصري رحمه الله 110هـ قال: "أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ثمّ أودع علومَ التوراة والإنجيل والزبور الفرقان، ثم أودعَ علومَ القرآن المُفَصَّلَ، ثم أودع علوم المفصّلَ فاتحة الكتاب، فمن عَلِمَ تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة." [شعب الإيمان 2\450] قال الأستاذ مساعد الطيار معلقا على هذا الأثر: "وهذا المثال يظهر منه أنّ المراد بعلومِ القرآن أعمُّ من المرادِ به في مصطلح المتأخرينَ، فهو يشمل كلّ المعلومات التي يشملها القرآن، وهي من صميمه، فكلّ معلومةٍ حواها فهي من علومِه ..."

 عرّف الدكتور مصطفى آكرور علوم القرآن بهذا الاعتبار بقوله: (كل علم يخدم القرآن الكريم ويتصل به، ويستند إليه وينتظم ذلك علم التفسير، وأسباب النزول، وعلم إعجاز القرآن، وعلم القراءات، وعلم الرسم العثماني، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم إعراب القرآن، وسائر علوم الدين واللغة والبلاغة وغير ذلك من زاوية دراسة القرآن الكريم.)

 أدخل الإمام السيوطي في العلوم المستنبطة من القرآن: علم الطب والهندسة والجبر والهيئة والنِّجامة من العلوم التطبيقية وأدخل أيضا أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها.

 وتوسع أهل التصوف فقال الغزالي أنّ القرآن يحتوي على (سبعة وسبعين ألف علم ومائتي علم) وذكر ابن العربي أنّهم قالوا: (إنّ علوم القرآن خمسون علما وأربعمائة علم وسبعة آلاف وسبعون ألف علم، على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة، إذ لكل كلمة منها ظاهر وباطن وحدّ ومطلع.) [إحياء علوم الدين 1\296 قانون التأويل 540]

 د حازم ص26 (فالمعنى الإضافي لعلوم القرآن فيه توسع؛ إذ يشمل العلوم المساندة والخادمة للقرآن الكريم، وليس شرطا أن يكون القرآن هو محورها وموضوعها.)

 تعريف علوم القرآن باعتباره التدويني الخاص أي باعتباره أحد علوم الشريعة ....:

1. ملحوظة: يرى بعض الباحثين أنّ المتقدمين لم يعرّفوا هذا العلم تعريفا اصطلاحيا ولم يتعرضوا له بل هي محاولات واجتهادات المعاصرين فقط ، والحقّ والله أعلم أنّ المتقدمين لم يعرفوه بالاعتبار المنطقي أو بالاعتبارات العلمية المنهجية الحديثة ، أما مطلق التعريف الذي يتميّز به عن غيره من العلوم، فلا نسلم لهم بهذا الطرح، لأنّ المتقدمين عرّفوا علوم القرآن بالتشبيه بما هو متميّز معروف، كما فعل الإمام السيوطي في الإتقان حيث شبّهه بعلوم الحديث وفي التحبير شبهه بمصطلح الحديث والشيء نفسه صنعه قبله جلال الدين البُلقيني في مواقع العلوم من مواقع النجوم والزركشي في البرهان كما عرّفوه بالتعداد أو التمثيل لمباحثه ومسائله ، ولا أظنّ أنّ هناك شيئاً يميّز المعرَّف أكثر وأوضح من تعداد مباحثه واستقرائها. ولا يردّ - بحال من الأحوال- هذه التعريفات ولا يبطلها زعم المناطقة أنّها واقعة في عيب الدور والتطويل، لأنّ القول بالدور هنا قائم على أساس أنّ تصور الشيء غير ممكن إلاّ من خلال حدّه، وهو زعم فاسد سيأتي قريبا ردّه وإبطاله. وأما التطويل فليس بناقض للتعريف، لأنّ العيوب التي يذكرها المناطقة بعضها يبطل التعريف وينقضه كعيب انتفاء الطرد (الجمع) والعكس (المنع) وعيب الوقوع في الدّور؛ لأنّ مقصود التعريف وهو معرفة أو تمييز المعرَّف لا يحصل مع وجود هذه العيوب. بينما بعض العيوب الأخرى تعدّ نقيصة في عرفهم ولكنها لا تبطل وتنقض التعريف، ومن ذلك عيب التطويل؛ لأنّ مقصود التعريف حاصل رغم وجوده. والله أعلم بالحق والصواب.



2. تعريف الشيخ الزرقاني: (مباحثُ تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله، وترتيبه، وجمعه، وكتابته، وقراءته، وتفسيره، وإعجازه، وناسخه ومنسوخه، ودفع الشبه عنه، ونحو ذلك) [مناهل العرفان 1\20] ونحوه ذكر الدكتور أبو شبهة [المدخل لدراسة القرآن الكريم 24-25] وقال صاحب علوم القرآن من خلال مقدمات التفسير :"وهو تعريف لم يَرُق لثُلَّة من الباحثين من أهل الاختصاص في هذا الفنّ..." بعضهم من جهة جعل التفسير قسيما لباقي العلوم وسيأتي الحديث على هذه المسألة مستقلا إن شاء الله، وبعضهم من جهة محاولة حصر هذا الإطلاق في مفهوم علوم القرآن فالدكتور فاروق حمادة يرى أنّ الأصناف التي تندرج في علوم القرآن لا ينبغي إطلاقها بلا شرط ولا قيد فيندرج فيها ما وجد وما سيوجد، بل لا بدّ من تقييدها...

3. وعرّفه الأستاذ عبد السلام الكفافي بقوله: "علوم القرآن بالمعنى هو كلّ ما يتّصل بالقرآن الكريم من دراسات" ذكر الأستاذ محمد صفاء حقي هذا التعريف في خضم حديثه ومناقشته للتعريف الاصطلاحي لعلوم القرآن والذي يبدو والله أعلم أنّ صاحبه إنّما أراد به تعريف علوم القرآن بمعناه اللغوي العام لا بمعناه اللقبي التدويني، ولعلّ ما يؤكّد هذا استعماله لفظة (بالمعنى) وهي قرينة قوية تشير إلى إرادته الجانب اللغوي من تركيب (علوم القرآن)، ثم لاحِق كلامه الذي قيّد فيه هذا الإطلاق حيث قال: ّإنّ كثيرا من هذه العلوم أصبح مستقلا بذاته، لوفرة ما كتب من مؤلفات، ولغزارة المادة التي أصبحت عبارة (علوم القرآن) في مفهومها الخاص تطلق على جانب معين من هذه الدراسات، لقد أصبح مجالها مقتصراً على أبحاث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وترتيبه وجمعه وكتابته وقراءته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ونحو ذلك ." اهـ

4. الشيخ مناع القطان: (العلم الذي يتناول الأبحاث المتعلقة بالقرآن من حيث معرفة أسباب النزول، وجمع القرآن وترتيبه، ومعرفة المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، إلى غير ذلك ممّا له صلة بالقرآن) [مباحث في علوم القرآن 15-16]

5. تعريف الدكتور مصطفى آكرور : الشيخ حفظه الله اختار تعريف الأستاذ عبد العظيم الزرقاني ولكن في تقديمه لهذا التعريف أورد كلاما مهما يصلح أن يكون تعريفا مستقلا حيث قال: "وأما المعنى الثاني[يقصد المعنى الخاص بعد أن تعرض للمعنى العام] فيراد به أن لفظ (علوم القرآن) نقل من هذا المعنى الإضافي وجعل اسما وعلما يطلق على فن خاص يختلف عن المدلول السابق لأنّه يختص بأنّه يجمع ضوابط تلك العلوم المتصلة بالقرآن من ناحية كلية إجمالية لا تفصيلية جزئية." ثم اختار تعريف الشيخ الزرقاني. ففي قوله: (يجمع ضوابط ... العلوم المتصلة بالقرآن من ناحية كلية إجمالية لا تفصيلية جزئية) تعريف في غاية الدقة والتحقيق لعلوم القرآن والله أعلم.

6. تعريف الدكتور محمد دراجي حفظه الله: نقل مجموعة من التعريفات ثم انتهى من هذا المطلب بقوله : "وخلاصة هذه التعريفات أنّ علوم القرآن هي جملة من المباحث الكلية الجامعة المتعلقة بالقرآن الكريم."

7. ولعلّ من أحسن التعريفات ما عرّفه به الدكتور حسن ضياء الدين عتر في تحقيقه لفنون الأفنان فهو عنده "علم يضم أبحاثا كلية هامة تتصل بالقرآن العظيم من نواحي شتى يمكن اعتبار كل منها علما متميزاً [انظر علوم القرآن من خلال التفاسير 49 فنون الأفنان المقدمة 71] وقد انتقض هذا التعريف من جهة أنّه "عرّف العلم بلفظة العلم، وتعريف الشيء بنفسه غير دقيق" لأنّه يُوقع في الدور، ولهذا السبب عدل الأستاذ محمد صفاء عن هذا التعريف إلى تعريف آخر نصه: " أبحاث (مباحث) كلية تتصل بالقرآن الكريم من نواحي شتى، يمكن اعتبار كل مبحث منها فنّا مستقلاً متميزاً ." قال: "وبذلك نكون قد دفعنا ما يعترض على التعريف السابق من تعريف العلم بالعلم."

الخلاصة : يبدو أنّ الكاتبين في علوم القرآن قد سلكوا طريقتين في تعريف هذا العلم، الطريقة الأولى: هي مسلك جمهورهم القائمة على تعداد هذه العلوم أو بعبارة أدق القائمة على التمثيل لهذه العلوم، وهذه الطريقة وإن انتقدت من جهة عدم انضباطها بقواعد المناطقة، وأعلوها بالوقوع في الدور؛ فهم يزعمون أنّ الأحكام لا ينبغي أن تذكر في التعريفات لأنّ ذلك يقتضي توقف معرفة الشيء على معرفة أحكامه وأحكام الشيء لا تعرف إلاّ بعد تعريفه وبيان حدّه. وهو زعم باطل ونتيجة فاسدة لأنّها مبنية على مقدمة خاطئة وهي كون الشيء لا يعرف ولا يتصور إلاّ بحدّه وهذا غير صحيح وغير مسلم به؛ لأنّ الحدّ أوّلا قد يقصد به مطلق التمييز لا التعريف الذي يقصد به ويطلب به رفع الجهالة ولعلّ أوضح مثال على ذلك ما تقدم معنا في تعريف القرآن فإنّهم قصدوا بتعريفه تمييزه عن باقي الكتب السماوية وعن مطلق الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم ممّا ليس قرآنا وعن الحديث القدسي وغير ذلك... ولم يعرّفوه ليرفعوا الجهالة عنه فهو معلوم معروف عند الكافر قبل المسلم...ولأنّ الشيء قد يعرف بغير حدّه كأن يعرف بالمقابل كتعريف الأعمى بأنّه الذي لا يبصر أو بالمثال كما فعل النحاة المتقدمون في تعريفهم للضمائر وللأفعال الخمسة وغيرها أو بذكر علاماته وأماراته كما فعلوا مع الفعل والاسم أو باستقراء أفراده أو بالتشبيه أو قد يكون أعرف من أن يعرّف ولن يزيده تعريفه إلاّ غموضا وتعقيدا ومثال هذا الأخير تعريف الماء والنار والهواء... وقد استدلّ الأستاذ مساعد الطيار – حفظه الله - على صحة التعريف بالمثال بكونه يؤدي المطلوب ويتأتّى به المقصود حيث قال: "الذي يبدو –والله أعلم- أنّ هذا التعريف قد وضّح المراد بعلوم القرآن، وذلك لسلوكه التمثيل لبعض مفردات هذا العلم التي يستعان بها على معرفة غيرها، فإذا كان ذلك كذلك فإنّ مثل هذا التعريف الذي يقوم على بيان أمثلة للعلم معتبرٌ في التعريف؛ لأنّ المراد بالتعريف معرفة جنس العلم عن غيره.

ولو قيل معرفة العالي والنازل، والمتواتر والآحاد والصحيح والشاذ من أيّ العلوم؟ لكان الجواب: من علم الحديث.

ولو قيل: معرفة أنّ الأمر يقتضي الوجوب، وأنّ النهي يقتضي الفساد، وأنّ الأحكام التكليفية خمسة: الفرض والواجب [والحرام] والمندوب والمكروه والمباح، وأنّ الأخبار لا تنسخ، من أيّ العلوم؟ لكان الجواب: من علو أصول الفقه.

فأنت تتعرف على العلم بمعرفة أفراده، وهذا كافٍ في التعريف الذي يراد به تعريف المعرَّف."اهـ

الطريقة الثانية : التعريف بذكر الأوصاف المميزة لعلوم القرآن عن غيره من العلوم، دون اللجوء إلى تعداد مباحثه أو التمثيل لها، وهي الطريقة التي اعتمدها بعض المؤلفين وقد تقدم ذكر بعضهم كالدكتور حسن ضياء الدين عتر والدكتور محمد صفاء حقي والأستاذ عبد السلام كافي والدكتور محمد دراجي وأشار الدكتور مصطفى آكرور . ويبدو أنّهم اعتمدوا في تعريفاتهم أربعة أوصاف هي: أنّ مسائل هذا العلم هي أبحاث وعلوم. أنّ دراسة هذه الأبحاث والعلوم دراسة كلية عامة وليست دراسة تفصيلية . أنّ تناول هذه العلوم إنّما يكون على طريقة الجمع، أنّ هذه الأبحاث والعلوم متعلقة بالقرآن الكريم. ويبدو والله أعلم أنّهم وفقوا غاية التوفيق في ضبط علوم القرآن وتعريفه وتمييزه عن غيره من الفنون والعلوم ، ولا وجه لانتقاد هذا التعريف إلاّ من جهة تطويل بعضهم، أو من جهة ذكر بعض الأوصاف دون بعض أو استعمال ألفاظ توقع في الدور (كلفظ العلم)، أو ألفاظا تعوزها الدقّة (كوصف علوم القرآن بالفنّ) ... وهي انتقادات يمكن تجاوزها واستدراكها...

تسميات علوم القرآن : ذكر الأستاذ مساعد الطيار تحت عنوان (نظائر مصطلح علوم القرآن) تسميات أخرى لهذا العلم بمفهومه اللقبي التدويني فهو علوم القرآن وعلم القرآن وعلوم التنزيل وعلم التنزيل وعلوم الكتاب وعلم الكتاب وذكر غيره أصول التفسير وقواعد التفسير وغيرها من الأسماء "لكن الذي استأثر بهذا العلم من بينها هو مصطلح (علوم القرآن)"



المطلب الرابع: الفرق بين علوم القرآن بمعناها العام الواسع وبين علوم القرآن بمعناه اللقبي التدويني الخاص

1. إنّ علوم القرآن بمعناها العام موضوع كلّ علم مضاف إلى جهة معينة وحيثية خاصة من القرآن الكريم فرسم القرآن إنّما يضاف للرسم من القرآن لا لمطلق القرآن وكذلك يقال في علم ضبطه وغريبه وتفسيره ... وعلوم القرآن على تعددها وتنوعها يختلف موضوعها من علم لآخر ، بينما علوم القرآن بمعناه الخاص موضوعه القرآن الكريم من جميع جوانبه وحيثياته ونواحيه



2. من الناحية التاريخية علوم القرآن بمعناها العام أقدم نشوءا من علوم القرآن بمعناه التدويني الخاص، ولهذا السبب يفرق الأستاذ محمد صفاء بين الاستعمالين لعلوم القرآن بقوله الاستعمال القديم والحديث

3. من الناحية اللغوية فإنّ علوم القرآن بمعناها العام جمعٌ ومؤنثٌ بينما علوم القرآن بمعناه التدويني الخاص مفردٌ ومذكرٌ

4. للكاتب والمؤلِّف في علوم القرآن بمعناها العام أن يتوسّع ما طاب له ذلك، وما شاء، وله أن يبسط القول في تعريف العلم وبيان حكمه وأحكامه وعليه أن يتوسّع في بحث مسائله والكشف عن دقائقه وأسراره توسعا استقرائيا وكشفا استقصائيا... بينما الكتابة في علوم القرآن بمعناه اللقبي الخاص مقيّدة بالاختصار وبيان أصول العلم والتعريف به لا غير .

5. يمكننا القول - والله أعلم – إنّ علوم القرآن بمعناه العام أصل علوم القرآن بمعناه الخاص فهو رافده ومصدره ، كما يمكننا القول إنّ علوم القرآن بمعناه الخاص كالمدخل والمقدِم أو المختصر لعلوم القرآن بمعناه العام...



المطلب الخامس: تعداد علوم القرآن وتبويبها

 اختلف تعداد علوم القرآن وفنونه من كتاب لآخر فبعضهم توسّع وبعضهم ضيّق وبعضهم الآخر توسط فابن حبيب النيسابوري حصرها في خمسة وعشرين علماً أوقف فهم كتاب الله على معرفتها والتمييز بينها وقال لا يحلّ التكلم في كتاب الله إلاّ بعد معرفتها. [علوم القرآن من خلال المقدمات 49 عن التنبيه على فضل علوم القرآن لابن حبيب النيسابوري 307 ضمن مجلة المورد العراقية العدد7 مجلد17 عام 1405هـ ] وجعلها الزركشي في البرهان سبعة وأربعين علماً وأوصلها السيوطي إلى ثمانين وقال لو توسعت فيها لبلغت الثلاثمائة وناف بها عن المائة في تحبيره ووصلت في (الزيادة والإحسان) لابن عقيلة المكي مائة وأربعة وخمسين وهو كما سيأتي بيانه إن شاء الله أبلغ وأكبر تعداد وصل إليه كتاب في علوم القرآن هذا مع أنّه قال في خطبة كتابه: "هذا على سبيل الإدماج والإجمال، ولو فصلتها؛ لزادت على أربعمائة نوع" . وإذا أردنا الوقوف على أسباب هذا الاختلاف في التعداد نلاحظ أنّ القصد المطلوب من وراءه هو أوّل أسبابه فإذا كان قصد الجمهور هو استقراء الموجود من العلوم والفنون المتعلقة تعلقا مباشرا بالقرآن الكريم فإنّ بعضهم إنّما قصد التمثيل فقط وبعضهم حاول إبداع وإحداث و"استخراج أنواع لم يسبق إليها" . السبب الثاني والله أعلم الذي يقف وراء هذا الاختلاف في التعداد هو تنوع المنهجية وتعدد التنظيم واختلاف التصنيف من كتاب لآخر فبعضهم يرى مثلاً أنّ أسباب النزول ألصق بعلم التفسير منه بتاريخ القرآن وبعضهم يقرن بين متشابه القرآن وبين ردّ المطاعن بينما يرى آخر أنّ المتشابه والغريب والفرائد والنظائر كلّها من تفسير القرآن؛ ما نتج عنه تنوع في ترتيب علوم القرآن. سبب آخَر كان له دوره في اختلاف التعداد وتنوعه هو تداخل هذه العلوم والفنون؛ إذ بين كثير منها علاقة عموم وخصوص، بل إنّ علم التفسير يندرج تحته أكثر هذه العلوم . وآخِر ما نذكره من الأسباب أنّ بعض علوم القرآن تنسب لعلوم أخرى كعلوم اللغة مثلاً ولهذا تجد كثيرا من المعاصرين أعرض عن إدراج بعضها كعلم الغريب والمتشابه والمبهم ...

 اختلفت أراء ومناهج الكاتبين في تبويب وتصنيف علوم القرآن فبعضهم أوردها كيفما اتفق وبعضهم قسّمها و أوردها وفق تنظيم خاص. فالناظر في برهان الزركشي _ مثلاً _ يلاحظ كيف أنّه فرّق بين أنواع من العلوم هي في حقيقة الأمر من جنس واحد فأسباب النزول هو النوع الأوّل في كتابه والمكي والمدني جعله تاسعاً والناسخ والمنسوخ في المرتبة الرابعة عشر رغم أنّ هذه العلوم الثلاث كلّها متعلق بالجانب التاريخي للقرآن الكريم وكذلك فعل مع علوم التفسير وما يتعلق به كالغريب والمتشابه والتفسير والتأويل وهكذا... وكتاب الإتقان للإمام السيوطي انتدب بعض الباحثين لتهذيبه لما رآه فيه من "الاستطراد والإطناب" ولترتيبه لما رآه فيه من [بُعد المأخذ وصعوبة الوصول للمطلب ]وانتدب آخرون لاختصاره "ليسهل على كل باحث تناول فصوله واستيعابها" ولم يدرك هذا الهدف إلاّ من خلال إعادة ترتيبه . أمّا الذين اعتمدوا منهجية خاصة في ترتيب علومه فقد اختلفت نظراتهم واجتهاداتهم ولكنّهم متفقون على أصل التصنيف والتنظيم والترتيب وسنذكر ها هنا بعض هذه الاجتهادات النظرية أو التطبيقية

 يرى الأستاذ الدكتور فاروق حمادة في مدخل إلى دراسة القرآن الكريم أنّ علوم القرآن أصبحت اليوم تنحصر في شعبتين اثنتين: أولاهما تاريخ القرآن الكريم، وما ينضوي تحته من نزوله وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ... إلخ. وثانيهما: الوسيلة الصحيحة لفهمه على الوجه الحق، وينضوي تحت ذلك علوم اللغة والإعجاز والمحكم والمتشابه...إلخ. وعلى ذلك فعرض علوم القرآن ينبغي أن يتناسب مع هذا التخريج والتصنيف حتى تكون مرتبة ومنظمة يسهل تناولها وفهمها.

 يرى الشيخ عبد العظيم الزرقاني أنّ مصادر علوم القرآن "دينية" و "عربية" أي لغوية وأنّ مزيج تلك العلوم "قد أنجبت...وليدا جديدا...وسليلا لها جميعاً، فيه مقاصدها وأغراضها وخصائصها وأسرارها، والولد سرّ أبيه. وقد أسموه (علوم القرآن)" هذا ما ذكره في مقدمة كتابه، وقد جرى في تبويبه وترتيبه وفق نسبة علوم القرآن لهذين المصدرين والأصلين فبدأ بما ينسب للعلوم الدينية ابتداء من المبحث الثالث (في نزول القرآن) واستمر إلى غاية المبحث الرابع عشر (في النسخ) لينتقل بعد ذلك إلى المصدر والأصل الثاني وهي علوم العربية فذكر ثلاث مباحث الخامس عشرو السادس عشر والسابع عشر(في محكم القرآن ومتشابهه) (في أسلوب القرآن الكريم) و(في إعجاز القرآن الكريم وما يتعلق به) .

 يرى الأستاذ محمد صفاء حقي أنّ علوم القرآن يمكن تصنيفها في محاور ثلاث الأوّل: "ما يتعلق بالجانب التاريخي، كعلم أسباب النزول، وجمع المصحف، والمكي والمدني، وغير ذلك. المحور الثاني: ما يتعلق بجانب الأداء، كعلم القراءات، والوقف والابتداء، وغير ذلك. المحور الثالث:ما يتعلق بالنص القرآني مباشرة ويعين على فهمه، وهي بقية العلوم"

 يرى الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد في كتابه (محاضرات في علوم القرآن) أنّ علوم القرآن على اختلافها وتنوعها إنّما تتناول مواضيع أساسية أربعة حيث يقول: "تعني عبارة (علوم القرآن) المباحث التي كتبت حول القرآن الكريم، وهي تتناول أربعة موضوعات أساسية، الأول: مصدر القرآن أو كيفية إنزاله وتلقي النبي صلى الله عليه وسلم له، الثاني: كتابةُ القرآن ونسخه في المصاحف، والثالث: تلاوة القرآن وقراءاته، الرابع: تفسير القرآن وكيفية فهم آياته. ويتألف كلّ موضوع من هذه الموضوعات من عدد من المباحث التي يتكون من مجموعها ما يٌعرف بعلوم القرآن." ووفق هذا المنهج بوّب كتابه إذ جعله أربعة محاور هي :

1- نزول القرآن الكريم

2- تدوين القرآن الكريم

3- قراءة القرآن الكريم

4- تفسير القرآن الكريم

تناول في كلّ محور من هذه المحاور عدداً من علوم القرآن ففي الأوّل ذكر مثلاً : الوحي، تنجيم القرآن، أسباب النزول، عربية القرآن وعالمية الرسالة... وفي المحور الثاني: كتابة القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، جمع القرآن، توحيد المصاحف، تأليف القرآن، علم الرسم، علم النقط والشكل، علم العدد القرآني...وفي المحور الثالث تناول: أهداف وفضائل وآداب قراءة القرآن الكريم، أصل القراءات القرآنية وتحدث فيه عن الأحرف السبعة، القراء السبعة وأصول قراءتهم، علم التجويد. وذكر في المحور الأخير: نشأة التفسير، دراسة أشهر التفاسير، خلاصة في أصول التفسير، إعجاز القرآن.

 يرى الأستاذ عبد الله بن يوسف الجُدَيْع أنّ علوم القرآن ينبغي أن تدرج في ستّ مقدمات هي:

1- مقدمة في نزول القرآن

2- مقدمة في حفظ القرآن

3- مقدمة في نقل القرآن

4- مقدمة في النسخ في القرآن

5- مقدمة في تفسير القرآن

6- مقدمة في أحكام قراءة القرآن

ثم ذكر أنّ كلّ علم لا يندرج في هذه المقدمات فهو ألصق بعلوم أخرى كأصول الفقه والتفسير [واللغة] منه بعلوم القرآن أو أنّها علوم إنشائية أدبية لا تصلح أن تدرج في علوم القرآن ومثّل لذلك بإعجاز القرآن . وقد بوّب كتابه المقدمات الأساسية في علوم القرآن وفق هذه المقدمات الستّ.

 يرى كثير من الباحثين، يأتي في مقدمتهم الأستاذ عدنان زرزور أنّ علم التفسير لا ينبغي أن يقرن مع باقي علوم القرآن؛ لأنّ جلّ هذه العلوم من مقدماته ووسائله وآلياته خادمة له فلا ينبغي أن يكون قسيما لها ، بل قسيم علوم القرآن ذاته...ولهذا السبب - والله أعلم - ترك بعض الآخذين بهذا الرأي ذكر علم التفسير في مؤلفاتهم ومصنفاتهم في علوم القرآن، كما صنع الأستاذ محمد دراجي في مباحث في علوم القرآن ، وكذلك صنع الأستاذ عدنان زرزور في كتابه علوم القرآن وإعجازه وتاريخ توثيقه، فقد قسّمه إلى جزأين أوّلهما تاريخ القرآن وعلومه وثانيهما ملامح التفسير وإعجاز القرآن.

المطلب السادس: علاقة التفسير بعلوم القرآن

من حيث إشكالية جعل علم التفسير قسيم باقي علوم القرآن رغم كون جلّ هذه العلوم ما هي إلاّ مقدمات أو خادمة ووسيلة له . ومن جهة جعل بعضهم علوم القرآن بمثابة مقدمة لعلم التفسير أو كأصوله وقواعده .

يرى الدكتور عدنان زرزور أنّ عدّ التفسير من علوم القرآن وجعله قسيما أو نوعا كبقية الأنواع، مسألة فيها نظر وتجوّز؛ لأنّ أغلب (علوم القرآن) إنما أريد منها تيسير شرح القرآن وفهمه وقد استوقف هذا الإشكال كلّ من الدكتور محمد الدراجي والدكتور حازم سعيد حيدر ومحمد صفاء حقي وغيرهم من الباحثين والدارسين انطلاقا من نص الأستاذ زعرور، وقد تقدّم أنّ هذه النظرة قد كوّنت منهجا معيّنا في تحديد علوم القرآن – أوّلاً – وتنظيمها– ثانياً - .

هذا وقد توسّع الأستاذ الدكتور مساعد الطيار في بيان الفرق بين علم التفسير وبين علوم القرآن في فصل خاص بدأه بالنتيجة التي انتهينا إليها حيث قال: "لا شكّ أنّ اختلاف الإضافات تدلُّ على اختلاف المصطلحات، إلاّ إذا كان المضاف إليه له أكثر من نظير في معناه؛ كالذي سبق في مصطلح (علوم التنزيل) ومصطلح (علوم الكتاب)، وأمثالها. لكن الأمر هنا يختلف فالتفسير غير القرآن، لذا فعلوم التفسير ليست علوم القرآن، وأصول التفسير ليست هي علوم القرآن. وإذا تأمّلت الأمر وجدت أنّ التفسير جزء من علوم القرآن، بل هو أكبر علومه. فعلوم القرآن تشمل التفسير – الذي هو بيان القرآن وشرحه وإيضاحه – من علوم القرآن، وتشمل غيره من الأنواع؛ كالمكي والمدني، والقراءات، والناسخ والمنسوخ...الخ."

ثمّ يذكر حفظ الله أنّ بعض علوم التفسير ومباحثه قد تُفرد في علوم القرآن بباب خاص ويُجعَل منها علم مستقل بذاته منفصل عن علم التفسير قال: "وقد يكون إفراد هذه العلوم بعناوين مستقلة في كتب علوم القرآن مظنّة الخلط الذي يقع بين المصطلحين."

وختم الأستاذ مبحثه هذا بمنهجية محدّدة وضعها للتفريق بين علوم القرآن وعلم التفسير حيث يقول:

"ولسائل أن يسأل: إذا كانت بعض العلوم الموجودة في كتب علوم القرآن هي من علوم التفسير، فكيف أستطيع التفريق بينهما؟ والجواب عن ذلك فيما يلي:

أولاً: هناك معلومات نظرية مرتبطة بالتفسير، فهو كأي علمٍ آخر لا ينفكُّ عن هذه المعلومات النظرية؛ كالبحث في طبقات المفسرين، ومناهج المفسرين، وتاريخ التفسير، فإنّ هذه العلوم تدخل في علم التفسير العام؛ لأنّ البحث عن التفسير يجرُّ إلى مثل هذه الموضوعات العلمية النظرية.

ثانياً: هناك معلومات لا تؤخذ إلاّ من التفسير، وهي تمثل جزءًا من علومه، وهي على قسمين: القسم الأول: أن يكون العلم مما لا أثر له في التفسير؛ كعلم مبهمات القرآن. القسم الثاني: أن يكون العلم مما له أثر واضح جدًّا؛ كعلم أسباب النزول.

ثالثا: إذا كان النظر إلى ماهيَّةِ التفسير الذي هو بيان لمعاني القرآن الكريم، فإنَّ أي معلومة لها أثر في بيان المعنى فإنّها تدخل في علم التفسير.

وعلوم القرآن تنقسم إلى أقسام بالنسبة إلى هذه الفكرة:

الأوّل: أن يكون أصل العلم من العلوم التي لها أثر في التفسير؛ كعلم غريب القرآن ، وعلم أسباب النزول، فوجوده في كتب علوم القرآن على أنه من علومه، لا يعني أنه ليس من علوم التفسير، فالعلاقة واضحة بينه وبين التفسير.

الثاني: أن يكون العلم لا علاقة له بالتفسير، لأنّه لا أثر له فيه؛ كعلم (عدد الآي)، وعلم (تلاوة القرآن)، وعلم (فضائل القرآن)، فالأصل في هذه العلوم أنّها لا أثر لها مباشر في التفسير.

الثالث: أن يكون أصل العلم لا علاقة له بالتفسير، لكن قد يوجد فيه بعض المسائل العلمية التي يكون فيها مساس مباشر دون غيرها من مسائل ذلك العلم، ومن ذلك علم (المكي والمدني)، فإنّ ما يرتبط بتاريخ النُّزول يفيد المفسر في الترجيح بين الأقوال، وفي معرفة الناسخ من المنسوخ، أما ما عدا ذلك من مباحث ذلك العلم فإنّ الغالب عليها أنّها مما لا أثر له في التفسير، فهي من علوم القرآن، لا التفسير."

وبهذه الطريقة المحكمة حاول الأستاذ حفظه الله أن لا يقف عند مجرد الإقرار بعلاقة العمومية والخصوصية القائمة بين علمي التفسير وعلوم القرآن وإنّما بحث في حقيقة وطبيعة هذا العموم والخصوص واستطاع أن يحلّله ويفصل القول فيه بحيث لم يترك للخلط واللبس بين العلمين مجالا يرتع فيه ...



 علاقة علوم القرآن بأصول التفسير :

ينبغي الإشارة ابتداء إلى أنّ مصطلح (أصول التفسير) أوّل ما ظهر - بحسب الأستاذ محمد صفاء حقي - ظهر على يد شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ) رحمه الله في رسالته (مقدمة في أصول التفسير) ثم جاء بعده ولي الله الدهلوي (1176هـ) وصنّف كتابه (الفوز الكبير في أصول التفسير) ثمّ تتابع التأليف والتصنيف في هذا الباب . والحق والله أعلم أنّ سليمان بن عبد القوي الطوفي (ت:716هـ) قد يكون متقدما على شيخ الإسلام ابن تيمية في التأليف من خلال كتابه (الإكسير في قواعد التفسير) وقبل ولي الله الدهلوي يمكننا إدراج كتاب (التيسير في علوم التفسير) لمحيي الدين الكافِيَجي (ت:879هـ) فالمسألة تحتاج إلى تتبع عميق واستقراء دقيق.

أمّا مصطلح علوم القرآن كلفظ فهو قديم قدم القرآن والله أعلم، ولا يبعد أن يكون مستعملا في زمن النبوة والخلافة الراشدة، خاصة وأنّ الاصطلاحين (علم) و(قرآن) كانا كثيري التداول في الزمن الأوّل. ولكن أوّل نصٍّ يصلنا فيه ذكر هذا الاصطلاح هو النّص المتقدم للإمام الشافعي رحمه الله، وعلى فرضية ضعفه وتلفيقه كما يرى الأستاذ عدنان زرزور فإنّ ابن المرزبان (ت: 309هـ) هو أوّل من استعمل هذا المصطلح بدلالته اللغوية عنوانا لكتابه (الحاوي في علوم القرآن). أما كمصطلح على فنّ وعلم خاص إنّما ظهر نهاية القرن الرابع وبداية الخامس، كما سيأتي قريبا إن شاء الله.

ولبيان العلاقة الوطيدة بين علوم القرآن وعلم التفسير يقول الدكتور حازم حيدر :"وكان الغرض الأساس والغاية المنشودة لمعظم (علوم القرآن) يدور حول تفسير القرآن الكريم، وتسهيل فهمه، وشرح معانيه؛ لذلك جرت عادة كثير من مصنَّفات التفاسير أن تحتوي على مقدِّمة، أو مقدمات تتضمن أهمّ هذه العلوم." من أشهر مقدمات التفاسير التي حوت جملة من علوم القرآن مقدمة تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن ومقدمة تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن ومقدمة تفسير الراغب الأصبهاني المطبوعة مع كتاب تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبار ومقدمتي تفسير ابن عطية المحرر الوجيز وتفسير المباني وقد نشرهما المستشرق آرثر جيفري في كتاب واحد بعنوان مقدمتان في علوم القرآن.

يرى بعض المهتمين بعلوم القرآن أنّ أصول التفسير هو نفسه علوم القرآن وأنّ الاصطلاحين مترادفين. فالشيخ مناع القطان مثلا يذكر أنّ علوم القرآن يمكن أن تسمى بأصول التفسير ؛ لأنه يتناول المباحث التي لا بدّ للمفسر من معرفتها. ويستدل بعضهم على هذا الترادف باستعمال الكثير من الكاتبين أحدهما موضع الآخر ، ويرى الأستاذ محمد صفاء حقي أنّ تعريف ابن تيمية لأصول التفسير يصلح أن يكون تعريفا لعلوم القرآن و أنّ "ما ذكره [أي شيخ الإسلام] فيه من الفنون والعلوم هي من جملة الفنون التي كان السابقون يوردونها في مؤلفات علوم القرآن ، وهي التي بقي المتأخرون كالزركشي والسيوطي وابن عقيلة والزرقاني وغيرهم يوردونها في مؤلفاتهم الخاصة في علوم القرآن." وسنحاول الوقوف على هذه الاستدلالات لنبحث في حقيقتها ووجه الاستدلال بها :

أمّا تعريف ابن تيمية رحمه الله فنصّه: "قواعد كلّية تعين على فَهم القرآنِ، ومعرفة تفسيره ومعانيه، والتمييز – في منقول ذلك ومعقوله – بين الحق وأنواع الأباطيل، والتنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل." ولو قارنا بين هذا التعريف وبين تعريفات علوم القرآن على اختلافها وتنوعها لوجدنا بينهما فرق واسع وبون شاسع، ولعلّ أوّل مظهر من مظاهر الاختلاف موضوع العلمين فموضوع أصول التفسير هو تفسير القرآن بينما موضوع علوم القرآن هو القرآن ذاته وفرق بين القرآن وبين تفسيره ...أمّا قول الأستاذ "ما ذكره من الفنون والعلوم هي من جملة الفنون التي كان السابقون يوردونها في مؤلفات علوم القرآن، وهي التي بقي المتأخرون....يوردونها.." فإن كان قصد الأستاذ التسوية المطلقة بين هذه العلوم فالأمر غير مسلم به ولو قارنا بين مباحث وفصول مقدمة ابن تيمية في التفسير وبين العلوم والأنواع التي ذكرها الزركشي أو السيوطي في كتابيهما في علوم القرآن يلاحظ الفرق، فمقدمة ابن تيمية بجميع فصولها وأبحاثها لا تخرج عن موضوعين وأصلين اثنين: أوّلهما: تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وتفسير السلف رضي الله عنهم للقرآن الكريم ثانيهما: اختلاف المفسرين وبيان أسبابه ووجه الحقّ فيه. فأين هذا من الثمانين نوعا التي ذكرها الإمام السيوطي. وإن كان الأستاذ يقصد أنّ قواعد التفسير وأصوله هي بعض علوم القرآن فهذا صحيح، ولكن هذا الحكم لا يسمح لنا بالتسوية بين العلمين بالاعتبار الاصطلاحي. وحتى هذا الاشتراك اللفظي وهذا التداخل في الاستعمال بين العنوانين إنّما هو من جهة الاستعمال اللغوي لا الاستعمال الاصطلاحي الفني الخاص. والله أعلم بالحق والصواب.

أمّا الاستدلال بكون علوم القرآن يحتاج إليه المفسر أو أنّها كالمقدمة لعلم التفسير، فالكلام نفسه قد يقال في حقّ علم القراءات، وقد قيل؛ فالإمام السخاوي ألّف كتابه جمال القراء وكمال الإقراء كالمقدمة لعلوم القراءات ومثله صنع تلميذه أبي شامة في المرشد الوجيز وممّا جاء في مقدمة هذا الكتاب: "وبعد فهذا تصنيف جليل يحتاج إليه أهل القرآن خصوصا من يعتني بعلم القراءات السبع" . وعلوم اللغة هل خرجت إلاّ من بوتقة علوم القرآن؟ وأصول الفقه قد يدّعي مدّعٍ أنّ الناسخ والمنسوخ وأنواع عموم القرآن وخصوصه ومحكمه ومتشابهه وغيرها من مباحث علوم القرآن هي أصل بداية التدوين في هذا العلم الشريف، والأمر كما قال بدليل مباحث أوّل كتاب يصلنا في أصول الفقه الرسالة للإمام الشافعي... إنّ هذا التداخل بين العلوم الإسلامية طبيعي لأنّه من مصدر واحد، ولا ينبغي الاعتماد على شيء من هذا التداخل للتسوية بين هذه الفنون والعلوم... والله أعلم.

و يرى الأستاذ محمد صفاء أنّ بين العلمين ترادف وفق منهج وطريقة المتقدمين [أي في علوم القرآن بمعناه العام ]وبينهما عموم وخصوص وفق منهج وطريقة المتأخرين [أي في علوم القرآن بمعناه اللقبي الخاص]، حيث يقول: "...ولهذا نؤكد أنّ المتقدمين كانوا يستعملون المصطلحين (أصول التفسير وعلوم القرآن) لغرض واحد، يقصدون به كلّ القواعد والأبحاث التي تخدم كتاب الله وتعين على فهمه. غير أنّ المتأخرين قصدوا من هذا المصطلح أمراً أخصّ من الذي أراده المتقدمون منه إذ حصروه على: الأسس والقواعد التي يعرف بها تفسير كتاب الله ويرجع إليها عند الاختلاف فيه.ويكوّن محور هذا الفن [أي أصول التفسير] أمران: الأول: كيف فُسِّر كتاب الله. والثاني: كيف نفَسِّرُ كتاب الله. وعليه يكون بين المصطلحين خصوص وعموم، فعلوم القرآن مصطلح عام وأصول التفسير مصطلح خاص يطلق على بعض فنون علوم القرآن" والذي يبدو والله أعلم أنّ هذا الاشتراك أو الترادف أو الاتحاد الذي نسبه للمتقدمين إنّما كان قبل ظهور علوم القرآن كعلم خاص مستقل عن غيره من العلوم ، فقد كان اصطلاح علوم القرآن قبل المائة الخامسة يطلق لا على قواعد التفسير فقط – كما أشار الأستاذ – بل على التفسير ذاته يقول الدكتور حازم سعيد حيدر : "ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ مصطلح (علوم القرآن) قبل المائة الخامسة من الهجرة، كان يراد منه التفسير، وليس المعنى الاصطلاحي المتأخر الذي يدلّ على المباحث الكلية المجموعة المتعلقة بالقرآن الكريم، بمعزل عن النصّ القرآني." واستدلّ على هذا الطرح بأمورٍ منها "...فمثلا نجد أبا الحسن الأشعري – رحمه الله – (324هـ) قد ألّف كتاب (المختزن في علوم القرآن) وهو كتاب في التفسير بلغ فيه سورة الكهف قال ابن العربي: وانتدب أبو الحسن إلى كتاب الله فشرحه في خمسمائة مجلد، وسماه بالمختزن...اهـ ونجد أبا بكر محمد بن علي الأُذفوي 388هـ ألّف تفسيرا سمّاه (الاستغناء في علوم القرآن) صنفه في ثنتي عشرة سنة ....) اهـ . أمّا بعد استقلال هذا العلم واستقرار اصطلاحه وتحدّد مسائله ومباحثه فلا مجال للترادف والاشتراك بين العلمين والاصطلاحين بل بينهما عموم وخصوص كما جزم به الدكتور محمد الدراجي والصّباغ فأصول التفسير وقواعده كلّها من علوم القرآن ولكن في علوم القرآن ما ليس من أصول التفسير ويمثلون بالرسم والضبط والعدّ ونحو ذلك.













المبحث الثاني: تاريخ علوم القرآن

تمهيد:

التنبيه الأوّل: القصد بالتدوين في قولنا: (مرحلة التدوين) و(مرحلة ما قبل التدوين) تدوين العلوم وجمعها في الكتب لا مطلق التدوين في الصحائف وغيرها، والذي كان موجودا من زمن النبوة ولم ينقطع قط بل زاد وتوسع حتى أنّ أصول جلّ العلوم كانت مدوّنة ولكن متفرقة من جهة وغير محدّدة ومرتبة ومنوعة باعتبار أنواع العلوم التي ستعرف فيما بعد

إذاً لا بدّ من التفريق بين مطلق الكتابة في علوم القرآن الذي لم يتوقف قطّ منذ أوّل نزول القرآن إلى يوم النّاس هذا، وبين التدوين المتأخر عنها. والكتابة في اللغة لها معانٍ عدّة ودلالات شتّى لكن أصل هذه الدلالات والمعاني كما قال ابن فارس في المقاييس هو جمع الشيء إلى الشيء ويقول السمين الحلبي: الكتابة عرفاً: ضم بعض حروف الهجاء إلى بعض. أمّا التدوين فمن مادة (دون) وأصلها تقريب الشيء وتذييله، وقيل التدوين في اللغة الجمع، جمع الصحف والكتب ، ومنه الديوان يطلق على المـُنْشَأَة العمرانية والإدارية بمعنى مجمع الصحف والكتب كما يطلق على الوسيلة الإدارية التي هي كتاب يجمع فيه أسامي الجيش وأهل العطية من بيت المال وسواء حملنا الديوان على معنى التذييل والتقريب أو جمع الصحف والكتب فإنّه في حالتيه تلك أخصّ من مطلق الكتابة لأنّه ليس جمع حروف الهجاء بل جمعٌ أخصّ هو جمع ما كُتِب، أو هو جمعٌ مقترنٌ بالترتيب والتقريب والتذييل... والله أعلم

التنبيه الثاني: هذه المراحل التي نذكرها ونعددها في هذا الفصل، أغلبها ليس محدّدا تاريخيا تحديدا دقيقا بحيث تنتهي هذه المرحلة حيث تبتدئ الأخرى أو أنّها منضبطة من حيث الابتداءُ والانتهاءُ بتواريخ معينة، بل بينها تداخل كبير، فقد تنتهي مرحلة معينة ولكن تجد في التي تليها بعض من خصائصها وشيئا ممّا ميزها ...إذاً هي مراحل تقريبية نحاول من خلالها الوقوف بشكل عام على تاريخ علوم القرآن

التنبيه الثالث: يرى الأستاذ عدنان زرزور أنّ الأَوْلى والأنفع البحث في تاريخ علوم القرآن مفردة كلّ علم على حدة بسبب تضارب الأقوال وتداخلها في تاريخ علوم القرآن كعلم خاص حيث يقول : "وأخيرا، فإنّ هذه العلوم قد أفردت بالتصنيف، كلّ في مؤلفات خاصة، نال بعضها من العناية وتتابع القول في جميع العصور ما يجعل التأريخ له – وحده – ألزم وأكثر ضرورة، وأجدى للقارئ من السير وراء هذه العلوم مجتمعة." وقد تبنى الأستاذ محمد صفاء هذا الرأي في كتابه علوم القرآن من خلال مقدمات التفسير

المطلب الأوّل: المراحل التي مرّ بها علوم القرآن:

1. العهد النبوي : يمكننا اعتبارها مرحلة نشوء علوم القرآن المتوازية مع نزوله وما كان يعتريه من تفسير ونسخ وحفظ ورسم وغير ذلك من الأحداث والمظاهر والأحوال التي ستتحول إلى فنون وأنواع من علوم القرآن ... ولعلّ أهم ما يميز هذه المرحلة أنّ علوم القرآن كانت منطلق ومصدر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما كانت مستقرة في فهوم وأذهان الصحابة رضي الله عنهم انطلاقا من معايشتهم لنزول القرآن وحضورهم لتأويله من قبل الحضرة النبوية صلى الله عليه وسلم وبسبب ما امتازوا به من خصائص العروبة كقوة الحفظ وصفاء القريحة وسرعة الفهم للكلام العربي – والقرآن إنّما نزل به – يقول الأستاذ أبو شهبة [ص 26-27] "وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم من القرآن وعلومه ما لا يعرفه أحد. وذلك بسبب الوحي والفيوضات الإلهية التي كانت تلقى في قلبه. ثم بلغ الرسول ما أنزل عليه لأصحابه فقرأه على مكث. ليحفظوا لفظه ويفهموا معناه. ويقفوا على أسراره. وشرحه لهم بأقواله وأفعاله وتقريراته وأخلاقه – أي بسنته الجامعة لكل ذلك – قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}[النحل 44] وقال : {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } [النساء105]. وكان الصحابة – رضوان الله عليهم – يحرصون غاية الحرص على حفظ ما ينزل من القرآن على حسب ما يتيسر لكل واحد منهم وتفاوتهم في الحفظ قلّة وكثرة. كما كانوا يعرفون من معاني القرآن وعلومه وأسراره الشيء الكثير، لكونهم عربا خلصا متمتعين بمزايا هذه العروبة ومن صفاء القلوب، وذكاء العقول، وسيلان الأذهان، وقوة الحافظة ولأنّهم شاهدوا الوحي والتنزيل، وعلموا من الظروف والملابسات ما لم يعلمه غيرهم، وسمعوا من النبي – صلى الله عليه وسلم – ما لم يسمعه غيرهم، ورأوا من أحواله ما لم يره غيرهم ..." . ويمثّل الأستاذ مساعد الطيار لتلازم نزول القرآن الكريم وظهور علومه بأوّل ما نزل من القرآن قائلا: "...فإنّ بداية ظهور علوم القرآن مرتبطة ببداية نزوله، فلما نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وتلا عليه قوله تعالى:{اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربّك الأكرم. الذي علّم بالقلم. علّم الإنسان ما لم يعلم.} [العلق1-5] بدأت العلوم المرتبطة بالقرآن بالظهور شيئاً فشيئاً. ويمكن أن يُستنبط من نزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء جملة من أنواع علوم القرآن، ففيه من العلوم: علم نزوله، خصوصا أوّل ما نزل. علم قراءته. علم الوحي. ثم ما لبث القرآن ينزل مرةً بعد مرة، ويحدثُ من علومه غير هذه الثلاثة على حسب موضوعات الآيات وما يتعلق بها."

ولم يحتاجوا – رضي الله عنهم - إلى كتابة شيء من هذه العلوم المتنوعة والمتعددة بشكل منفرد ومنفصل عن نصّ القرآن الكريم . بسبب إتباعهم لسنن العرب من الاعتماد على الرواية والحفظ دون الكتابة والخطّ ولعل من أسباب ترك تدوين هذه العلوم كذلك بمحاذاة تدوين القرآن الكريم نهيَه صلى الله عليه وسلم عن كتابة شيء عنه غير القرآن – في بداية الأمر – فقال "لا تكتبوا عنّي غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه..." [رواه أحمد ومسلم وغيرهما]

2. في عهد الخلافة الراشدة ومرحلة ما قبل التدوين: أهمّ ما يميّز هذه المرحلة هي أوّلا انتشار الصحابة في الأمصار يعلمون الناس، وأوّل ما كانوا يعلمونه علوم القرآن فعبد الله بن عباس (ت:68هـ) الذي قال عنه ابن مسعود(ت:32هـ) - رضي الله عنهم أجمعين –: "نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس" كان في مكة يدرّس علوم القرآن فقد ذكر مجاهد بن جبر (ت:100هـ) أنّه عرض القرآن عليه ثلاثين مرة وفي رواية عرض المصحف ثلاث مرات يقف عند كلّ آية منه ويسأله عنها فيم نزلت ؟ وكيف كانت؟ وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم "من أحبّ أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد" وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع قراءته وقد قال عن نفسه رضي الله عنه "والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلاّ وأنا أعلم فيمن نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم أنّ أحداً أعلم بكتاب الله منّي تناله المطايا لأتيته." ونفس هذا الكلام نُسِب لعلي رضي الله عنه الميزة الثانية لهذه المرحلة هي ظهور علوم وفنون جديدة في القرآن الكريم أهمّها علم رسمه الذي بدأ برسم عثمان رضي الله عنه للمصحف الكريم وعلم إعرابه الذي ابتدعه أبو الأسود الدؤلي (ت:69هـ) بوضعه لنقط الإعراب وعلم ضبطه في عهد عبد الملك بن مروان قام به يحيى بن يعمر (89هـ) .الميزة الثالثة لهذه المرحلة هي وضع علم العربية انطلاقا من القرآن الكريم ومن أجل خدمة القرآن الكريم فالمعروف أنّ هذا علم واضعه الأوّل – على خلاف في المسألة - هو علي رضي الله عنه. وما كتبه تلميذه الألمعي أبو الأسود الدؤلي ما هو إلاّ إتباع لنهج علي رضي الله عنه وسننه التي سنّها له ابتداءً .

بقي أن نشير أنّ من طريف ما يمكننا تسجيله عن هذه المرحلة ممّا له علاقة بعلوم القرآن، الحديث الذي دار بين الإمام الشافعي رحمه الله وبين الخليفة العباسي هارون الرشيد فقد وشى به بعض حساده عند الرشيد وذكروا أنّه تزعم الشيعة في اليمن وأنّه يرى نفسه أولى بالخلافة منه، وذكروا أنّ خطر لسانه وأثره أعظم من وقع السيف فأمر الخليفة بحبسه وجلبه إليه فحمل رحمه الله على بغل مكبّل اليدين بقيود من حديد حتى أدخل على الخليفة ببغداد، فدافع عن نفسه وأبطل التهم المنسوبة إليه ولقد كان لغزارة علمه وانبهار الخليفة بذكائه وحذقه الدور الأكبر في ظهور براءته وفي هذا المجلس ناظر محمد بن الحسن صاحب الإمام الشافعي وظهر عليه، ولما أعجب به الرشيد سأله عن علمه بكتاب الله. فقال الشافعي: عن أيّ كتاب الله تسألني يا أمير المؤمنين؟ فإنّ الله قد أنزل كتبا كثيرة على الأنبياء، إنّ الله تعالى أنزل مائة وأربعة من الكتب، أنزل على آدم خمسين صحيفة، وعلى شيث عشرين، وعلى إدريس عشرين، وعلى إبراهيم عشرة، وأنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى، والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وجمع الله في القرآن كل ما في سائر الكتب. قال تعالى: {تِبياناً لكلِّ شيءٍ وهدىً ورحمةً وبُشرى للمسلمين} [النحل89] وقال تعالى: {كتابٌ أحْكِمتْ آياته ثم فُصِّلت} [هود 1]. فقال الرشيد: أحسنت في تفصيلك، ولكني ما سألت إلاّ عن كتاب الله الذي المنزل على ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الشافعي: إنّ علوم القرآن كثيرة، [فهل] تسألني عن محكمه ومتشابهه؟ أو عن تقديمه وتأخيره؟ أو عن ناسخه ومنسوخه؟ أو عما ثبت حكمه وارتفعت تلاوته؟ أو عما ثبتت تلاوته وارتفع حكمه؟ أو عما ضربه الله مثلاً؟ أو عما جعله الله اعتبارا؟ أو عن أخباره؟ أو عن أحكامه؟ أو عن مكيّه ومدنيّه؟ أو ليليّه أو نهاره؟ أو عن سفريّه أو حضريّه؟ أو تنسيق وضعه، وتسوية سوره؟ أو نظائره؟ أو إعرابه؟ أو وجوه قراءته؟ أو عدد حروفه؟ أو معاني لغاته؟ أو عدد آياته؟... وراح رحمه الله ورضي الله عنه يعدد ويسرد أنواع علوم القرآن حتى قيل أنّه بلغ بها سبعين نوعاً فقال هارون: لقد أوعيت من القرآن عظيما.... يقول الأستاذ محمد أبو شهبة معلقاً على هذه القصة: "وهذه القصة تدل على أنّ مباحث علوم القرآن كانت معلومة للعلماء مركوزة في نفوسهم قبل أن تدون وتقيد في الكتب"

أما الدكتور عدنان زرزور فله رأي آخر مخالف لهذا الرأي حيث يقول معلقا على هذا الأثر: "...وسياق القصة والعلوم التي عددها الإمام الشافعي، تومئ إلى طابع التلفيق المتأخر على هذه الحادثة، فالسؤال عن العلم بكتاب الله عزّ وجلّ لا يجاب عنه بمثل هذه الحذلقة الباردة التي لا يفعلها الإمام – رضي الله عنه – حتى في مثل هذا الموقف، والسؤال في كل عرف وقياس إنما هو عن القرآن الكريم.. كما أنّ سائر عناصر هذه القصة من استحسان الرشيد لجواب الشافعي، والإشارة إلى النبي الكريم بابن عم هارون ..الخ.. كل ذلك يشير إلى أنّ هذه التركيبات لا تليق بالرشيد والإمام الشافعي جميعا..." ومن تعليلاته التي ردّ بها هذه القصة ولها علاقة بمحثنا قوله في نفس الموضع من كتابه : "ونكتفي هنا بالإشارة إلى أنّ من البعيد حقاً أن تكون علوم القرآن مجموعة في صدور المبرّزين من العلماء في القرن الثاني، ثم لا يتنبه أحد إلى الكتابة فيها مجموعة قبل أواخر المائة الرابعة من الهجرة." وموقف الأستاذ عدنان زرزور تعقبه بعض الباحثين بالنقد والردّ فالأستاذ الدكتور محمد صفاء شيخ يرى أنّ هذا الطعن والتشكيك في القصة يقابلها قبول وتنويه بها من قبل طائفة أخرى من أهل العلم ذكر منهم عبد الرحمن بن عمر جلال الدين البُلقيني والذي يبدو أنّه جعلها أصلاً أو منطلقاً لكتابه والإمام السيوطي في مقدمته ذكرها عن البُلقيني ولم يتعقبها أو يعلق عليها وذكرها الشيخ الزرقاني وجملة من أهل العلم... وحتى لو سلّمنا بالمبالغة في تعداد علوم القرآن وتنوعها كما قال الأستاذ محمد صفاء فإنّ هذا لا يعني ردّ الخبر وإبطاله جملة وتفصيلاً

ثمّ إنّ هذه العلوم التي يرفض الأستاذ عدنان أن تكون مرتكزة في أذهان المتقدمين بسبب هذا التفصيل والتعداد في ذكرها، ثبت بالنّصوص الكثيرة والحافلة أنّها كانت كذلك موجودة منتشرة ومعلومة عند السلف، ليس ما ذكره الإمام الشافعي فقط بل أكثر من ذلك وأوسع ولعلها تشمل جلّ علوم القرآن ... ومن هذه النصوص ما يروى عن علي رضي الله عنه أنّه قال في إحدى خطبه: "سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار؟ أم في سهل أم في جبل؟ وهو القائل رضي الله عنه: "والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيم أنزلت، وأين أنزلت..." وعن ابن سيرين عن علي رضي الله عنه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ قال ابن سيرين: فطلبت ذلك الكتاب، وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه. وفي رواية: إنّه كتبه على تنزيله. قال ابن سيرين: لو أصيب ذلك الكتاب لوُجد فيه علم كثير." وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى {يؤتي الحكمة من يشاء} [البقرة269] قال : "المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله.

ثمّ إنّ الإمام الشافعي لا يستبعد في حقّه هذه المعرفة الواسعة لعلوم القرآن خاصة وأنّ التراجم المتنوعة والمختلفة تكاد تجمع على منقبتين وصفتين امتاز بهما الإمام الشافعي رحمة الله عليه أولهما فكره الموسوعي وثانيهما عقليته التجديدية المبدعة ... يقول الشيخ الزرقاني رحمه الله: "ونحن لا نستبعد على الشافعي هذا، فقد كان آية من آيات الله في علمه وذكائه، وفي ابتكاره وتجديده، وفي قوة حجته وتوفيقه. حتى إنه وضع كتابه (الحجة) في العراق يستدرك به على مذاهب بعض أهل الرأي، وألف في مصر كتابا يستدرك بها على مذاهب أهل الحديث. ثم وضع دستوراً للاجتهاد والاستنباط لم يتسنّ لأحد قبله، إذ كان أوّل من صنف في أصول الفقه وهو من علوم القرآن كما علمت."

ثمّ إنّ التأخر في التدوين الذي تحدث عنه الأستاذ إنّما هو تأخر جمعِ علوم القرآن في مصنف واحد أمّا التدوين المتفرق فهو متقدم عمّا ذكره الأستاذ عدنان (أواخر المائة الرابعة) فقد دوّنت علوم القرآن جميعها أو أغلبها تباعا في العهود الأولى بل لعلّ من أقدمهم وأسبقهم في التدوين الإمام الشافعي نفسه فبنظرة بسيطة في كتابه (الرسالة) يتضح لنا أنّ جملة من فصوله وأبوابه ما هي إلاّ بعض علوم القرآن، كحديثه الموسع عن الناسخ والمنسوخ وعن أنواع العام والخاص في القرآن الكريم .

وبالنظر في بعض ما صنّف ودوّن من علوم القرآن في هذه الفترة نتأكد أنّ هذه المعرفة التي استغربها الأستاذ عدنان زرزور كانت متأتية حتى لمن دون الإمام الشافعي في العلم والنبوغ فما بلك بإمام موسوعي ونابغة وعلاّمة كالإمام الشافعي رحمه الله. فقد ألّف يحيى بن يعمر (89هـ) في علم ضبط القرآن ومجاهد (104) في التفسير والحسن البصري (110هـ) في علم نزول القرآن وفي علم عدّ آياته ودِعامة السدوسي (117هـ) في علم الناسخ والمنسوخ وعبد الله بن عامر اليحصبي (118) وغيرهم كثير جميعهم دوّنوا في بعض أصناف علوم القرآن التي كانت معروفة ومشهورة عندهم...وقد استدلّ الأستاذ محمد صفاء شيخ بما ذكره ابن النديم (377هـ) في الفهرست من علوم القرآن على انتشارها وتداولها وتوسع التدوين فيها قبل التاريخ الذي ذكره الأستاذ عدنان. فقد عدّد ابن النديم: التفسير، ومعاني القرآن، ومشكله، ومجازه، وما كتب في لامات القرآن، وفي الوقف والابتداء، وما دون عن اختلاف المصاحف، والمتشابه، وهجاء المصاحف، وفي مقطوع القرآن وموصوله، وفي أجزاء القرآن، وفضائله، وفي عدّ آي القرآن، وناسخه ومنسوخه، ونزوله، وأحكامه...وغيره

كلّ هذا يؤكد أنّ العلم بعلوم القرآن ويتنوعها وتعددها كان معروفا لدى المتقدمين وقد بدأ تدوين مختلف هذه العلوم في العصور المتقدمة ولكن جمعه في علم واحد هو الذي تأخر. والله أعلم.

3. عهد التدوين : وسندرسه على خلاف المراحل المتقدمة في شكل مظاهر مختلفة بالاعتبار الزمني (زمن الكتابة) والمنهجي (منهج الكتابة في علوم القرآن) والمَوْضِعي (مواضع الكتابة في علوم القرآن التي اختلفت باختلاف العلوم)

 بداية تدوين علوم القرآن تزامنت مع بداية تدوين السنة : وببداية تدوين السنة والحديث النبوي الشريف على يد الإمام ابن شهاب الزهري (ت:124ه) بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله بدأ تدوين بعض علوم القرآن كتفسيره وأسباب نزوله وغير ذلك ممّا روي في الأحاديث والآثار...ففي صحيح البخاري (ت:256ه) وفي صحيح مسلم (261هـ) كتابي فضائل القرآن وكتاب التفسير وهكذا بقية كتب السنة جميعها حافلة بمرويات علوم القرآن، ولنضرب مثلا على ذلك بصحيح مسلم فمن أبوابه التي اعتنى فيها بعلوم القرآن : باب فضائل القرآن وما يتعلق به باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن باب فضيلة حافظ القرآن أبواب في فضائل بعض السور والآيات باب ما يتعلق بالقراءات وقد بدأ الإمام البخاري صحيحه بكتاب بدء الوحي واستغرق كتاب التفسير حوالي سبعة وأربعين ومائتين صفحة وتناول في كتاب فضائل القرآن سبعة وثلاثين باباً. إلى جانب كتب السنة فإنّ كتب السير والمغازي قد جمعت أنواعا شتى من علوم القرآن كالناسخ والمنسوخ والمكي والمدني وأسباب النزول والتفسير وغير ذلك. ولهذا يمكننا القول أنّ تدوين علوم القرآن بدأ ببداية التدوين وأنّ المحدثين هم أوّل من دوّن هذه العلوم ولكن ليس على أساس علم خاص مستقل وإنما تدوين جمعي قصد به جمع وحفظ السنن والتي من أهمّها السنن المتعلقة بالقرآن الكريم . يرى بعض الباحثين أنّ نشأة علوم القرآن بدأت هكذا رواياتٍ وأبوابا من سنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ انفصلت وتمّ تجريدها وجمعها جمعاً خاصاً بعيداً عن علوم الحديث والسنّة ويرى الأستاذ الذهبي أنّ الانفصال بين علوم القرآن والسنة حدث في النصف الثاني من القرن الثالث على يد ابن ماجه (ت: 275هـ) أمّا الأستاذ عدنان زرزور فيرى أنّ سبق الانفصال إنّما يعود لبقي بن مخلد الأندلسي (ت: 276هـ) في حين يرى الأستاذ محمد صفاء شيخ إبراهيم حقي أنّ عبد الرزاق بن همام الضنعاني (211هـ) "هو السابق والمجلي في هذا الباب فقد جمع روايات التفسير وأوردها مرتبة حسب ترتيب السور" يقول الأستاذ الذهبي متحدثا عن هذه البداية المشتتركة بين علوم القرآن والحديث ثم عن نقطة الانفصال: "ثمّ بعد عصر الصحابة والتابعين، خطا التفسير خطوة ثانية، وذلك حيث ابتدأ التدوين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أبوابه متنوعةن وكان التفسير بابا من هذه الأبواب التي اشتمل عليها الحديث، فلم يفرد له تأليف خاص يفسر القرآن سورة سورة. وىية آية، من مبدئه إلى منتهاه، بل وجد من العلماء من طوّف في الأمصار المختلفة ليجمع الحديث، فجمع بجوار ذلك ما روي في الأمصار من تفسير منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى الصحابة [رضي الله عنهم أجمعين]، أو إلى التابعين...." وبعد أن ذكر عددا من أئمة الحديث المتقدمين عاد ليقول: "وهؤلاء جميعاً كانوا من أئمة الحديث، فكان جمعهم للتفسير جمعاً لباب من أبواب الحديث، ولم يكن جمعاً للتفسير على استقلاق وانفراد. وجميع ما نقله هؤلاء الأعلام عن أسلافهم من أءمة التفسير نقلوه مسندا إليهم....[إلى أن يقول:]..ثم بعد هذه الخطوة الثانية خطا التفسير خطوة ثالثة، انفصل بها عن الحديث، فأصبح علما قائما بنفسه، ووضع التفسير لكل آية من القرآنن ورتب ذلك على حسب ترتيب المصحف. وتم ذلك على أيدي طائفة من العلماء منهم ابن ماجه المتوفى سنة 273هـ، وابن جرير الطبري المتوفى سنة 310هـ، وأبو بكر بن المنذر النيسابوري المتوفى سنة 318هـ، وابن أبي حاتم المتوفى سنة 327هـ، وأبو بكر بن مردويه المتوفى سنة 410هـ وغيرهم من أئمة هذا الشأن." اهـ هذا ويرى كثير من أهل العلم أنّ لتدوين السنة أثر بالغ وكبير في تدوين علوم القرآن ولكنّ القول بأنّه نشأ في رحمها غير صحيح بل علوم القرآن وتدوين علوم القرآن سابق لعلوم الحديث، وكلّ ما في الأمر أنّ جمع السنة في مؤلف واحد نستطيع تسميته كتابا ومؤلفا بمعناه الاصطلاحي سبق جمع القرآن بهذا الشكل الخاص والله أعلم

 بداية تدوين علوم القرآن بشكل مفرد:

• فألّف يحيى بن يعمر (89ه) كتابا في القراءات قال ابن عطية (جمع فيه ماروي من اختلاف الناس فيما وافق الخط ومشى الناس على ذلك زمانا طويلاً إلى أن ألّف ابن مجاهد في القراءات)

• ومن ذلك (تفسير مجاهد 104ه) رواه عنه عبد الله بن أبي نَجيح (131ه) قال ابن تيمية: (ليس بأيدي أهل التفسير كتاب في التفسير اصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد، إلاّ أن يكون نظيره في الصحة) [انظر مقدمة المحرر الوجيز ومجموع الفتاوى 17\409 ...]

• كتاب الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى لقتادة بن دِعامة السدوسي (117ه) يرويه عنه همام بن يحيى (ت:163هـ) الكتاب طبع بتحقيق الدكتور حاتم الضامن طبعته مؤسسة الرسالة

• كتاب المقطوع والموصول لعبد الله بن عامر اليحصبي (ت:118هـ)

• تنزيل القرآن بمكة والمدينة لمحمد بن شهاب الزهري (ت:124هـ)

• الوجوه والنظائر لمقاتل بن سليمان (ت:150هـ) طبع بتحقيق د عبد الله شحاته باسم الأشباع والنظائر

• كتاب وقف التمام لنافع بن عبد الرحمن أحد القراء السبعة (ت: 169هـ) نقل منه النحاس وذكره الهذلي في كامله

• متشابه القرآن لأبي الحسن علي بن حمزة الكسائي مقرئ الكوفة (ت:183هـ) طبع بتحقيق الدكتور صبيح التميمي نشرته كلية الدعوة الإسلامية بطرابلس الغرب

• غريب القرآن لمؤرج السدوسي اللغوي البصري (ت:195هـ) وهو أحد مصادر الثعلبي في تفسيره ذكره مسندا إلى صاحبه

• تفسير يحيى بن سلاّم (200هـ أو 210هـ) الذي وصلنا مع مختصره لابن أبي زَمَنين (399ه)، وكذلك كتابه (التصاريف) وهو تفسير لما اشتبهت اسماؤه وتصرفت معانيه في القرآن الكريم وهو مطبوع بتحقيق الدكتورة هند شلبي

• فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلاّم (224ه) طبع بتحقيق وهبي سليمان غاوجي طبعته دار الكتب العلمية ببيروت كما حققه أحمد بن عبد الواحد الخياطي نشرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب....

 علوم القرآن في بطون مباحث ومسائل باقي العلوم : تقدم الحديث عن علوم القرآن في كتب الحديث وبكتب المغازي والسير ولنتحدث الآن عن كتب علوم اللغة بمختلف شعبها وأنواعها ولعل أقدم نص يصلنا في الباب سؤلات نافع بن الأزرق الخارجي 65ه لابن عباس في فناء الكعبة يسأله عن مائتي لفظة قرآنية غريبة يسأله عن معانيها وعن شواهد هذه المعاني من شعر العرب فأجابه ابن عباس إجابات مفصّلة [أخرج بعضها ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء 1\76-98 وفي الأضداد 33،44 والطبراني في الكبير 10ش248-256 والمبرد في الكامل 3\1144-1152...] (ص79 ثم بدأت المؤلفات التي تدور حول القرآن الكريم في إطار اللغة العربية تظهر في نهاية القرن الثاني من الهجرة، نحو معاني القرآن ليحيى بن زياد الفراء (207هـ) ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى (210هـ) وكتاب التصاريف ليحيى بن سلاّم (200هـ) وقد تقدم وكتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن المجيد للمبرّد (285هـ) وكتب الفراء والزجاج والأخفش وابن الأنباري في القرآن ومختلف علومه معروفة ومشهورة ........ومن العلوم المدونة قديما وقد حوت على فصول من علوم القرآن أصول الفقه فالإمام الشافعي في كتابيه (الرسالة) و (جماع العلم) تناول بعض مباحث علوم القرآن نحو: ( ما نزل من الكتاب عاما يراد به العام ويدخله الخصوص، ما أنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص، بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كلّه الخصوص، الناسخ والمنسوخ ...[الرسالة 53-56-58-106-113...] ومن مباحث الأصوليين اللصيقة بعلوم القرآن بل هي من صلب علومه : تعريف القرآن، تواتره، قراءاته، الحقيقة والمجاز، الخاص والعام،المطلق والمقيد، المحكم والمتشابه، الناسخ والمنسوخ، حكم تفسير الصحابي...إلخ.

 لكن يبقى أهمّ علم تناول علوم القرآن بالبحث والتفريع والتفصيل هو تفسير القرآن الكريم سواء من خلال التفسير ذاته أو مقدمات كتب التفسير ...فالمفسر لا بدّ وأن يتعرض في تفسيره لأسباب النزول ولبيان مكيه و مدنيه ولناسخه و منسوخه ولأحكامه الفقهية وإعرابه وبلاغته وإعجازه وللحديث عن سوره وآياته وفواصله وعن رسمه وضبطه وعن وقفه وابتدائه وعن مبهمه وغريبه ...وغير ذلك من علوم القرآن المختلفة كما أنّ عادة المفسرين في التقديم لتفاسيرهم بقواعد وضوابط جعلوها أصولا للتفسير كالمبادئ الضرورية للتفسير أو كالعلوم التي يتوجب على المفسر معرفتها قبل الخوض في تفسير كتاب الله [انظر مساعد الطيار ص 85-88] فمن أمثلة ذلك ما قدّم به الإمام الطبري لتفسيره ففي مقدمة جامع البيان [انظر علوم القرآن بين البرهان والإتقان ص84 د حازم] ذكر أبوابا هي من لبّ علوم القرآن أوّلها (القول في البيان عن اتّفاق معاني آي القرآن، ومعاني منطِق مَنْ نزل بلسانه القرآن من وَجْه البيان – والدّلالة على أنّ ذلك من الله تعالى ذكره، هو الحكمة البالغة – مع الإبانةِ عن فضل المعنى الذي به بايَن القرآنُ سائر الكلام) وقصده من هذا المبحث بيان عربية القرآن ووجه الحكمة من عربيته ووجه إعجازه ومباينته لكلام البشر (القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم) وقد خصّ هذا المبحث لمسألة أعجمية بعض الكلمات القرآنية (القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب) تناول في هذا المبحث مسألة الأحرف السبعة وعلاقتها بلغات العرب التي نزل بها القرآن الكريم (القول في الوجوه التي من قبلها يوصَل إلى معرفة تأويل القرآن) وغير ذلك من الأبواب التي فيها كثير من فنون وعلوم القرآن وهكذا فعل جلّ المفسرين ومنهم أبو محمد حامد بن أحمد بن جعفر بن بسطام (425هـ) في مقدمة تفسيره المسمى بالمباني لنظم المعاني حيث جعلها عشرة فصول كلّ فصل يمثل علما من علوم القرآن [(ص85 د حازم) الفصل الأول: في ذكر ترتيب نزول القرآن، وبيان المكي والمدني وما قيل فيه. الفصل الثاني: في كيفية جمع المصاحف، والسبب المؤدي إلى ذلك وما قيل فيه. الفصل الثالث: في بيان أنّ القرآن تكلم الله به على هذا الترتيب الذي هو في أيدينا اليوم، لا على ترتيب النزول. الفصل الرابع: فيما ادّعوا على المصحف من الزيادة والنقصان والغلط والنسيان. الفصل الخامس: في اختلاف نسخ المصحف، والقول في كيفيتها. الفصل السادس: في اختلاف عدد السور وإحصائها. الفصل السابع: في ذكر التفسير والتأويل، والمحكم والمتشابه، وما يحتاج إليه به. الفصل الثامن: في ذكر من تحرّج عن التفسير ومن لم يتحرّج، وجواز استنباط معانيه على الشرائط اللغوية، واجتهاد المجتهدين في أحكام القرآن المختلف في تأويلها. الفصل التاسع: في نزول القرآن على سبعة أحرف، وما قيل في معانيه. (ص86) الفصل العاشر: في ذكر تنزيل الكتب، وأجزاء القرآن، وعدد الآيات والكلمات والحروف.] [مقدمتان في علوم القرآن 6-7] ومثل ذلك صنع الإمام أبو الحسن الماوردي (450هـ) في مقدمة كتابه (النكت والعيون) فجعلها سبعة فصول هي: أسماء القرآن، أقسام السور، معنى السورة والآية، معنى الأحرف السبعة، إعجاز القرآن، استنباط معاني القرآن، أقسام التفسير. [النكت والعيون 1\34-38] والأمر لا يقتصر على المفسرين الأوائل بل جلّ التفاسير القديمة والحديثة اعتمدت هذا المنهج في التقديم للتفسير بالحديث عن علوم القرآن ومن ذلك تفسير القرطبي (671هـ) الجامع لأحكام القرآن والمحرر الوجيز لابن عطية ومحاسن التأويل للقاسمي (1332هـ) وتفسير الشيخ طاهر الجزائري (1338هـ)المسمى بتفسير القرآن الحكيم جعل له مقدمة بعنوان التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن وغيرها بل إنّ أهمّ مرجع في علوم القرآن الإتقان للإمام السيوطي ما هو في حقيقة الأمر إلاّ مقدمة للتفسير الكبير والمسمى بـ (مجمع البحرين ومطلع البدرين) وكان قد شرع فيه ولم يتمّه

4. بداية التأليف في علوم القرآن كعلم مستقل عن باقي علوم الشريعة: ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى مرحلتين الأولى منهما ظهرت في شكل كتب ومصنفات في موضوع من مواضيع علوم القرآن غير أنّها توسعت وتشعبت في مناقشته والبحث فيه حتى تناولته من جهات عدّة وحيثيات شتى فأظهرت بذلك مختلف أنواع علوم القرآن أما المرحلة الثانية فهي التي تناولت علوم القرآن بالتصنيف وفق شكلها النهائي الذي استقرّ عليه الأمر في هذا العلم والفنّ.....فمن أمثلة المرحلة الأولى: [(ص87) كتاب: الانتصار لصحة نقل القرآن للباقلاني 403هـ د حازم (ويقصد المؤلف فيه الدفاع عن القرآن من كلّ الشكوك والشبه التي أثيرت حوله من قبل الملحدين والرافضة، ويستخدم في هذا الردّ سعة علمه في مجال علم الكلام، واللغة والنحو، والتاريخ، مع قوّة العارضة ونصاعة البيان وجزالته. فردّ على هؤلاء الطعنة في عدّة فصول، وبدأ بالقراءات ونَقْلها وما يتعلق بها، ثم تكلم على جمع الناس على مصحف واحد في عهد عثمان رضي الله عنه، ثم تكلم على الادعاء في نقص القرآن وتغيير نظمه وتحريفه، ثم تكلم على الإعجاز، ونزول القرآن على سبعة أحرف، والرأي المختار عنده. قال: "...ونصفُ جملا من مطاعن الملحدين وأتباعهم من الرافضة في (ص88) كتاب الله عز وجل، ونكشف عن تمويه الفريقين بما يوضح الحق، ونذكر في كل فصل من هذه الفصول بمشيئة الله وتوفيقه ما فيه بلاغ للمهتدين، وشفاء وتبصرة للمسترشدين؛ توخيا لطاعة الله جل وعز، ورغبة في جزيل ثوابه، وما توفيقنا إلاّ بالله وهو المستعان." وكما ترى مع أنّ موضوع الكتاب نقضُ شبه الطاعنين بالقرآن إلاّ أنه اشتمل على مباحث بارزة من علوم القرآن مثل: القول في أوّل ما نزل وآخره والاختلاف في عدد الآيات والكلام على المكي والمدني والقول في ترتيب سور القرآن وهل هو توقيف أو اجتهاد؟ والقول في تفسير الأحرف السبعة التي أنزل الله جل وعز القرآن بها، والكلام على الآيات المنسوخة ووجه القول فيها، والكلام على معنى التكرار وفوائده، إلى غير ذلك من المباحث.) كتاب آخر هو (جواهر القرآن ودرره) للغزالي 505هـ وهو من آخر ما ألفه قصد من خلاله بيان( ص88: أنّ في آيات القرآن غايات ومقاصد عالية، نحو التعريف بالخالق، والدعوة إلى الدار الآخرة؛ لذلك بعدما قدم للكتاب بمقدمات وممهدات، عقد فصلين سلك في الأول منهما حشدا من (89) الآيات القرآنية، وسماه "جواهر القرآن" وأراد منه – كما يقول – "اقتباس أنوار المعرفة"، والفصل الثاني سماه "الدرر" وذكر فيه مجموعة من الآيات، قال:" والمقصود من الدرر هو الاستقامة على سواء الطريق بالعمل، فالأول علمي، والثاني عملي، وأصل الإيمان العلم والعمل". ويعتبر الغزالي في هذا الكتاب أوّل من نبّه على التفسير العلمي المستنبط من القرآن الكريم، إذْ عقد فصلاً ذكر فيه عدّة أنواع علمية متشعبة من القرآن، نحو علم الطب والنجوم وهيئة العالم وهيئة بدن الحيوان وتشريح أعضائه، ثم قال عنها: "أما هذه العلوم التي أشرت إليها فهي علوم ولكن لا يتوقف على معرفتها صلاح المعاش والمعاد..." ومع كون هذا مسلك الكتاب ومضمونه، إلاّ أنّه قسّم علوم القرآن إلى قسمين: الأول: علم الصدف والقشر، وجعل منه: علم اللغة، والنحو، والقراءات وتوجيهها، وطريقة الأداء (التجويد)، وعلم التفسير الظاهر. والثاني: علم اللباب، وجعل منه القصص القرآني، وعلم الكلام، والفقه وأصوله، والعلم بالله واليوم الآخر، والعلم بالصراط المستقيم، وطريق السلوك. [جواهر القرآن 18-22-25-52...وانظر بعض انتقادات ابن تيمية على الكتاب في جواب أهل العلم والإيمان لابن تيمية 82-87 ط السلفية] ومن كتب هذه المرحلة كتاب : قانون التأويل لأبي بكر بن العربي الإشبيلي 543هـ ( ص90 وهو كتاب يشمل عدّة مواضيع من العلوم الشرعية، صدّره بذكر طلبه للعلم ورحلته فيه، وقد قسّم علوم القرآن إلى ثلاثة أقسام: توحيد، وتذكير، وأحكام. وتكلم على الباطن من علوم القرآن، وعلى الحروف المقطعة في أوائل السور، وبحث مسألة دخول الاجتهاد في علوم القرآن، وتكلم على التفسير الإشاري وأحسن ما ألّف فيه.) [قانون التأويل 518-526-527-541] ومن كتب هذه المرحلة كذلك كتاب: المجتبى من المجتنى لأبي الفرج بن الجوزي 597هـ (ص90وهو كتاب ضمنه ابن الجوزي عدة مباحث متنوعة في القرآن والحديث والسيرة والتراجم ومناقب الصحابة والمشتبه من الأسماء. ص91 وقد صدّره بالكلام على مباحث تتعلق بالقرآن الكريم، وهي: أنواع الخطاب في القرآن، أقسام الوقف، الآيات التي ورد فيها اسم الله الأعظم حسب ما ارتضاه، فصول في المتشابه اللفظي، إبدال حرف مكان حرف، الزيادة والنقص، التقديم والتأخير.) [المجتبى 17-19-21-23-38] ولأنّ اسمه في دار الكتب المصرية (المجتبى في علوم مختلفة متعلقة بالقرآن) أورده كثير من المعاصرين على أنّه كتاب متمحض ومتخصص في علوم القرآن ( هامش ص90: والصواب أنه ذكر شيئا من مباحث "علوم القرآن" وليس جملة تحتوي على ذلك.)

المطلب الثاني: أوّل من ألّف وكتب في علوم القرآن بمعناه اللقبي الخاص

 [إنّ الجزم والقطع بهذه الأوّلية في حق كاتب دون آخر فيه كثير من المجازفة والتسرع، ولعل هذا هو سبب خطأ الكثير من فضلاء ووجهاء من كتب في هذا الموضوع ...لهذا نشير ابتداء أنّ المسألة ينبغي أن تعرض في شكل طرح للمناقشة والمساجلة ... وأنّ نتيجتها تبقى دائما جزئية باعتبار محدودية الاطّلاع والتنقيب ومؤقتة بسبب الجديد الذي قد يظهر في المكتبة الإسلامية دراسة أو تحقيقا...]

 [إنّ مسألة الأوّلية هذه ليست مبنية أو قائمة على البحث عن أوّل كتاب معنونٍ بعلوم القرآن أو علم القرآن أو فنونه أو بشيء قريب من ذلك بقدر ما هي متعلقة بمادة الكتاب وبمنهجه في عرض هذه المادة...و قد أخطأ الكثير من فضلاء ووجهاء أهل العلم حين جعلوا من البحث في عناوين الكتب منهجا للكشف عن أوّل من ألّف في هذا العلم وصنّف فيه....]يقول الأستاذ الدكتور عدنان زرزور: (ولكننا نشير إلى أنَّ استعراض فهارس الكتب المخطوطة للوقوف على اسم المؤلف الأوّل، أو الثاني الذي وضع على كتابه ذلك العنوان – علوم القرآن – لا يكفي، بل هو إلى الخطأ ومجانبة الصوابِ أقرب‍‍‍؛ لأنّ كثيرين من القدماء استعملوا اللفظ السابق بمعنى "علوم التفسير" على نحو ما أشرنا أو قريبا منه، إلاّ أنّ كتبهم هي في تفسير القرآن، ولكنهم عرضوا من فقرات تفسير الآية أو رتبوا القول في شرح الآية، أو الآيات على فقرات تشتمل على "القراءة، واللغة، والإعراب، والمعنى، والنظم، والأحكام، ونحو ذلك....) [علوم القرآن 125 مقارنة حازم حيدر سعيد 92] (حازم سعيد ص93 مساعد الطيار ص92 ، ص 102 وما بعدها) أمثلة لكتبٍ في التفسير ظاهر عناوينها أنّها في علوم القرآن :

1. الرغيب في علوم القرآن لمحمد الواقدي (ت:207هـ) صاحب المغازي ذكره ابن النديم في الفهرست في طبعة دار المعرفة ص144

2. المختزن في علوم القرآن لأبي الحسن الأشعري 324هـ تفسير من أوّل القرآن إلى سورة الكهف [طبقات المفسرين للداودي 1\391]

3. الأنوار في علوم القرآن لأبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم المقرئ (ت:354هـ) ذكر الثعلبي في مقدمة تفسيره أنّه كتاب قراءات [الفهرست تحقيق ناهد عباس عثمان طبعة دار قطري بن الفجاءة ص69 سير أعلام النبلاء 16/107]

4. الجامع لعلوم القرآن لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي المعتزلي (ت:384هـ) وهو كتاب تفسير يتميز بمنهج خاص قائم على السؤال والجواب وهو مصدر من مصادر المعتزلة

5. الشارة في تلطيف العبارة في علم القرآن لأبي الفرج محمد بن أحمد الشنبوذي المقرئ (ت:387) [معجم الأدباء 6/2327]

6. الشافي في علم القرآن ليونس بن محمد بن إبراهيم الوفراوندي النحوي (عاش في القرن الرابع) [الفهرست طبعة دار المعرفة ص128]

7. الأمد في علوم القرآن لعبيد الله بن محمد بن جِرْو الأسدي المعتزلي 387هـ قال عنه ياقوت : (لا أدري هل تمَّ أم لا؟ لأنه قال في كتاب "الموضح في العروض": وقد شرعنا في كتاب "الأمد في علوم القرآن" ثم وجدت في فوائد نقلت عن أبي القاسم المغربي أنّ كتابه في تفسير القرآن لم يتم، وأنه ذكر في {بسم الله الرحمن الرحيم} مائة وعشرين وجها.) [معجم الأدباء 4\1578 ط دار الغرب معجم المفسرين 341 ذكر الكتاب في بغية الوعاة 2\128 وفي طبقات المفسرين للداودي بعنوان الأمد في علوم القراءات وجعلاه كتابا آخر غير كتابه في التفسير ...]

8. الاستغناء في علوم القرآن لأبي بكر محمد بن علي الأُدْفوي 388هـ وهو تفسير اتبّع فيه ترتيبا ومنهجا مطردا قائما على ذكر الإعراب والقراءات (ص94) والمعنى والتفسير والوقف والتمام. ويعتبر تفسير الهداية لمكي مختصرا له [غاية النهاية 2\199 طبقات المفسرين للداودي 2\195 رسالة الأدفوي مفسرا 1\226...]

9. التنبيه على فضل علوم القرآن لأبي الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب (ت: 406هـ) الكتاب حقّقه محمد بن عبد الكريم الراضي مجلة المورد المجلد 17 العدد4 سنة 1408هـ 1988م الصفحة 305...322

10. الكافي في علم القرآن لأبي محمد إسماعيل بن أبي إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن السرخسي ثم الهروي القرَّاب (ت:414هـ) قال أبو عمرو بن الصلاح : "رأيت كتاب أبي محمد القرّاب المسمى بالكافي في علم القرآن في عدّة مجلدات، وهو كتاب ممتع مشتمل على علم كثير..."اهـ [سير أعلام النبلاء 17/379-381]

11. الكامل في علم القرآن، لأبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (ت:427هـ) صاحب تفسير الكشف والبيان [معجم الأدباء 4/1663]

12. التفصيل الجامع لعلوم التنزيل لأحمد بن عمار المهدوي(ت نحو 440هـ ) وهو تفسير كبير اختصره في كتاب سماه "التحصيل" ومنهجه في التحصيل أنّه يذكر الآية فيبدأ بتفسيرها ثم يذكر ما ورد فيها من القراءات ثم يذكر أوجه إعرابها وكتب في آخر مصنفه قواعد القراءات [كشف الظنون 1\462...]

13. المحيط بعلم القرآن لأحمد بن علي بن جعفرك البيهقي (ت:544هـ) [معجم الأدباء1/399]

14. المغني في علوم القرآن لابن الجوزي 597هـ قال عنه (وقد ألّفت كتابا في التفسير سميته بالمغني في التفسير) [تذكرة الحفاظ 4\1343 طبقات المفسرين للداودي 1\271 معجم المؤلفين 5\157 نواسخ القرآن لابن الجوزي 74]

وعلى ذكر كتب التفسير التي تسمت بعلوم القرآن، يرى الأستاذ محمد صفاء أنّ هناك فرقا بين كتب التفسير مطلقاً وبين كتب التفسير التي عنونها أصحابها بعلوم القرآن، والنوع الثاني عنده أخصّ "فقد أراد أولئك أن تشتمل تفاسيرهم على بعض تلك العلوم، ولم يكونوا يقصدون التفسير وحده، بمعنى أنّهم لم يعنوا ببيان معان الألفاظ والكلمات القرآنية وما يستنبط من الآيات من أحكام فحسب، وإنما قصدوا بيان كل ما يتعلق بالكلمة القرآنية والآية والجملة من الآيات والسورة، بل والاهتمام ببيان كل ما يحيط بالوحي المنزل..." والحقّ والله أعلم أنّ هذا الكلام غير دقيق، لأنّ التفاسير على تعدادها وتنوعها تختلف من حيث المنهج إلى تفسير إجمالي، تفسير موضوعي، تفسير مقارن، وتفسير تحليلي وهذا النوع الأخير أكثرها انتشارا وتصنيفا حتى قال الأستاذ مساعد الطيار أنّه يمثل حوالي 99% من تفاسير القرآن الكريم والمقصود بالتفسير التحليلي تناول الآية والسورة بالبحث التفصيلي من جميع جوانبها ومحاولة الوقوف على ما أمكن من أحكامها وفوائدها وهذا عينه ما ذكره الأستاذ في حق التفاسير التي عنونها أصحابها بعلوم القرآن أما المنهج الإجمالي فهو ذاته المنهج الذي نسبه للتفاسير - مطلقا أو غالبا - التي لم تتسمى بعلوم القرآن والتي تكتفي بالبحث في معاني الآيات والكلمات. فلا يصحّ والحل كذلك أن نفرق بين مطلق التفاسير وبين التفاسير التي تسمت بعلوم القرآن وفق هذا الأساس الذي ذكره الأستاذ والله أعلم.

1. رأي الأستاذ حازم سعيد حيدر ص95 (وأوّل كتاب أراه – والله أعلم – أبرز هذا المصطلح من حيث الاسم والمضمون هو كتاب "التنبيه على فضل علوم القرآن" لأبي القاسم الحسن بن محمد النيسابوري المشهور بابن حبيب 406هـ؛ إذ تكلم [فيه] على نزول القرآن، وعدّ خمسة وعشرين وجهاً من أنواع تنزلات القرآن’ كأول ما نزل من القرآن بمكة، وما نزل بالطائف، وغير ذلك. ثم تكلم على أنواع الخطاب في القرآن وقسمها إلى خمسة عشر نوعا، ثم تكلم على أنواع الخطاب في القرآن وقسمها إلى خمسة عشر نوعا، ثم تكلم على آية لقمان {ألم تروا أنّ الله سخّر لكم ما في السموات وما في الأرض.... ولا هدىً ولا كتابٍ منير} من حيث مكيتها وسبب نزولها ) (في الهامش: كما سماه الزركشي 1\279-280 والسيوطي 1\22 وسماه الروداني "كتاب التنزيل وترتيبه" في صلة الخلف 166، وهو كتاب – فيما يظهر كبير – الموجود منه قطعة عن التنزيل وترتيبه – وهكذا وردت في المخطوط – وباب عن وجوه الخطاب في القرآن، نشره: محمد عبد الكريم كاظم الراضي بعنوان "كتاب التنبيه على فضل علوم القرآن" في مجلة المورد، العدد الرابع سنة 1408هـ عن نسخة الظاهرية، ونشرته الدكتورة نورة الورثان بعنوان "التنزيل وترتيبه". ومنه قطعة في مكتبة كوبرلي زاده بإستنبول برقم 15\2 انظر الفهرس الشامل – التفسير:73 ) هذا مع العلم أنّ للأستاذ حازم رأي خاص في التفريق بين أوّل من دوّن في علوم القرآن دون استعمال اصطلاح علوم القرآن وهو عنده الحارث بن أسد المحاسبي (ت: 243هـ) في كتابه "فهم القرآن" وبين من دوّن في علوم القرآن واستعمل هذا الاصطلاح وهو عنده كما تقدم ابن حبيب النيسابوري 406هـ

2. رأي الشيخ محمد أبو شهبة : ينسب الشيخ رحمه الله سبق الأوّلية في تدوين علوم القرآن بمعناه الخاص لكتاب المباني في نظم المعاني لمؤلفٍ مجهول بدأ كتابته سنة أربعمائة وخمس وعشرين (425هـ) حيث يقول:"كان المعروف لدى الكاتبين في هذا الفنّ أنّ ظهور هذا الاصطلاح كان في القرن السادس الهجري، على يد (أبي الفرج بن الجوزي) استنتاجا مما ذكره السيوطي في مقدمة الإتقان. ولكني وقفت على مؤلف بعنوان (مقدمتان في علوم القرآن) طبع في عام 1954، ووقف على التصحيح والطبع الأستاذ المستشرق (آرثر جفري) وإحدى هاتين المقدمتين لمؤلف لم يعرف، لفقدان الورقة الأولى من المخطوطة التي نقل عنها الطابع، إلاّ أنه ذكر في الصفحة الثانية منها: أنه بدأ في تأليف كتابه في سنة أربعمائة وخمس وعشرين، وسماه (كتاب المباني في نظم المعاني) ، وهو تفسير للقرآن الكريم وقد صدره بهذه المقدمة، وهي تقع في عشرة فصول، وهي إحدى المقدمتين المنشورتين، والأخرى: مقدمة التفسير للإمام عبد الحق بن أبي بكر المعروف بابن عطية المتوفى سنة 543هـ. وقد ذكر صاحب كتاب (المباني) في فصول هذه المقدمة العشرة : المكي والمدني، ونزول القرآن، وجمع القرآن وكتابة المصاحف، واختلافها، وردّ الشبه الواردة على الجمع والمصاحف وبيان عدد السور والآيات والتفسير والتأويل، والمحكم والمتشابه، ونزول القرآن على سبعة أحرف إلى غير ذلك من مباحث علوم القرآن. وقد بلغت هذه المقدمة مائتين وخمسين صحيفة من هذا الكتاب المطبوع وتمتاز هذه المقدمة بإشراق اللفظ ونصوع البيان وقوة الحجة مما يلقي ضوءا على أنّ المؤلف من علماء الأندلس كما استنتج المصحح، وعسى أن يتاح لي، أو لأحد الباحثين الوقوف على مؤلف هذا الكتاب – إن شاء الله - وإنّ أغلب ما ذكره السيوطي في مقدمة الإتقان من الكتب المؤلفة في هذا الفنّ، لا يداني هذه المقدمة، بل بعضها لا يزيد عن فصل من فصولها فهي جديرة بأن تذكر في كتب هذا الفن، وهي –بحق – تعتبر محاولة جدية في التأليف في هذا العلم...." ويردّ هذا الرأي ويبطله أمران الأوّل منهما تاريخ كتابته فإنّ في كتب علوم القرآن ما سبق ذلك التاريخ كما سيأتي بيانه وثانيهما أنّه مقدمة لكتاب في علم التفسير وليس خالصا في فن علوم القرآن وقد حاول الشيخ رحمه الله إبطال هذه الشبهة بقوله: "ولا يغض من قيمتها أنها مقدمة لتفسير، فكتاب الإتقان الذي هو عمدة كتب الفنّ، قد جعله مؤلفه مقدمة لتفسيره الكبير كما ذكر." والحقيقة أنّ الإتقان قد استقلّ عن هذا التفسير الذي لم يكتمل ولم يخرجه الإمام السيوطي للنساخ فصار كتابا في علوم القرآن خاصة، لا مقدمة لكتاب لا وجود له في الواقع، ولو تتبعنا مقدمات كتب التفسير لوجدناها تحفل بعلوم القرآن فجميعها أو أكثرها على الأقلّ قد انتهجت هذا النهج وقدمت للتفسير بذكر ضوابط ومبادئ وقواعد هي لبّ وأغلب علوم القرآن، والناظر في أوّل تفسير يصلنا، تفسير ابن جرير الطبري (ت:310هـ) يتأكد من ذلك وهذا ما أشار إليه الشيخ نفسه بقوله: "ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أذكر: أنّ المفسرين في القديم والحديث صدروا كتبهم بمقدمات قيمة في علوم القرآن لتكون مفتاحا لهذه التفاسير ولا تزال إلى يومنا هذا مرجعا للكاتبين في هذا الفنّ..." ولا يهمّ طول هذه المقدمة وقصر تلك ما دامت تابعة لعلم التفسير غير منسوبة لعلم خاص هو موضوع بحثا والمسمى بـ: (علوم القرآن) والله أعلم بالحق والصواب.

3. [رأي أبو عبد الله محيي الدين الكافِيَجيّ 879هـ شيخ الإمام السيوطي : كان يرى أنّه أوّل من ألّف في علوم القرآن وكان يسميه علوم التفسير، وذلك في كتابه (التيسير في علوم التفسير) . فقد نقل عنه تلميذه جلال الدين السيوطي قوله "قد دوَّنْتُ في علوم التفسير كتابا لم أسبق إليه" وهو ادّعاء مردود على صاحبه من جهتين اثنتين : أوّلهما أنّه قد وجد قبله كتاب في معناه من حيث العنوان والمضمون هو كتاب "الإكسير في قواعد التفسير" لسليمان بن عبد القوي الطوفي 716هـ وثانيهما تعليق وحديث تلميذه السيوطي عن الكتاب وعن ادّعاء صاحبه الأوّلية في التصنيف في هذا الشأن قال: (فكتبته عنه فإذا هو صغيرُ الحجمِ جدّاً، وحاصلُ ما فيه بابان: الأوّل: في ذكر معنى التفسير والتأويل والقرآن والسورة والآية. والثاني في شروط القول فيه بالرأي. وبعدهما خاتمةٌ في آداب العالم والمتعلم..." فظاهر من خلال هذا الوصف أنّ الكتاب بمواضيعه القليلة وأبوابه الزهيدة لا يرتقي إلى درجة كتب علوم القرآن التي ينبغي أن توصف أوّل ما توصف به بمحاولة استقصاء علوم القرآن وفنونه، ولهذا السبب علّق عليه الإمام السيوطي قائلاً: (فلم يشفِ لي ذلك غليلاً، ولم يهدني إلى المقصود سبيلاً) وهو يقصد بالغليل والمقصود ها هنا ما ذكره من استغرابه وتعجبه من عدم التصنيف في علوم القرآن كما ألّف في علوم الحديث مصنفات خاصة حيث قال: (ولقد كنت في زمان الطلبِ أتعجبُ من المتقدمين، إذْ لم يدوِّنوا كتابا في أنواع علوم القرآن، كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث، فسمعت شيخَنا، أستاذَ الأستاذين...) ثمّ ذكر مقولة شيخه الذي نسب لنفسه هذه الأوّلية المزعومة ...] [علوم القرآن بين البرهان والإتقان ص96 الإتقان ط مجمع الملك فهد ص4-5]

4. [رأي الإمام السيوطي: يرى الإمام جلال الدين السيوطي أنّ أوّلى المصنفين بأوّلية الكتابة في علوم القرآن هو عبد الرحمن بن عمر بن رسلان أبو الفضل جلال الدين البُلْقِيني الشافعي 824هـ ذكر ذلك في كتابه التحبير في علوم التفسير وفي مقدمة الإتقان حيث يقول: (وإنّ ممّا أهمل المتقدمون تدوينه، حتى تحلّى في آخر الزمان بأحسنِ زينةٍ، علمَ التفسير الذي هو كمصطلح الحديث، فلم يُدَوِّنْه أحدٌ لا في القديم ولا في الحديث، حتى جاء شيخ الإسلام عُمْدَةُ الأنام، علاّمة العصر، قاضي القضاة، جلال الدين البُبْقيني رحمه الله، فعمل فيه كتابه "مواقع العلوم من مواقع النجوم"، فنقَّحه وهذّبه، وقسَّم أنواعه ورتّبه، ولم يُسْبقْ إلى هذه المرتبةِ، فإنّه جعلهً نَيِّفا وخمسين نوعاً منقسمةً إلى ستة أقسامٍ، وتكلم في كلّ نوع منها بالمتين من الكلام، لكن كما قال الإمامُ أبو السعداتِ بنُ الأثير في مقدمة "نهايته" : "كلُّ مبتدئٍ بشيءٍ لم يسبق إليه، ومبتدعٍ أمراً لم يُتقدَّم فيه عليه، فإنّه يكون قليلاً ثمّ يكثُرُ، وصغيراً ثم يكبُرُ."...) [الإتقان ط مجمع الملك فهد ص8] ولأنّ كتاب الإمام جلال الدين البلقيني في حكم المفقود ننقل ها هنا بعض ما ورد في مقدمة هذا الكتاب وخطبته بحسب ما ذكره الإمام السيوطي حتى يتبيّن لنا موقعه من علوم القرآن من حيث مادته منهجه وتبويبه. يقول الإمام جلال الدين البلقيني في خطبة كتابه : (قد اشتهر عن الإمام الشافعي – رضي الله عنه – مخاطبةٌ لبعض خلفاء بني العبّاس، فيها ذكرُ بعض أنواع القرآن، يحصلُ منها لمقصدنا الاقتباس. وقد صنّف في علوم الحديث جماعةٌ في القديم والحديث وتلك الأنواعُ في سنده دون متنه وفي مُسْنديه وأهل فنِّه، وأنواع القرآن شاملةٌ وعلومُهُ كاملةٌ، فأردتُ أنْ أذكرَ في هذا التصنيفِ ما وَصَلَ إلى علمي، ممّا حواه القرآنُ الشريفُ، منْ أنواعِ علمِهِ المُنيفِ، وينحصرُ في أمور: الأول: مواطن النزول وأوقاته ، ووقائعه، وفي ذلك اثنا عشر نوعا: المكيّ، المدنيّ، السّفريّ، الحضريّ، الليليّ، النهاريّ، الصيفيّ، الشتائيّ، الفراشيّ، أسباب النزول، أول ما نزل، آخر ما نزل. الأمر الثاني: السند، وهو ستة أنواع: المتواتر، الآحاد، الشاذّ، قراءاتُ النبي صلى الله عليه وسلم، الرواةُ، الحُفاظُ. الأمر الثالث: الأداءُ، وهو ستة أنواعٍ: الوقف، الابتداء، الإمالةُ، المدُّ، تخفيفُ الهمزة، الإدغامُ. الأمر الرابع: الألفاظُ، وهو سبعةُ أنواعٍ: الغريبُ، المعربُ، المجازُ، المشتركُ، المترادفُ، الاستعارةُ، التشبيهُ. الأمر الخامسُ: المعاني المتعلقة بالأحكام، وهو أربعة عشر نوعا: العامُّ الباقي على عمومه، الخاص المخصوص، العام الذي أريد به الخصوص، ما خصّ فيه الكتابُ السنّةَ، ما خصّصت فيه السنّةُ الكتابَ، المجملُ، المبَيَّنُ، المؤَوَّلُ، المفهومُ، المطلَقُ، المقيَّدُ، الناسخُ، المنسوخٌ، نوعٌ من الناسخِ والمنسوخ وهو ما عمل به من الأحكام مدّةً معيّنةً، والعاملُ به واحدٌ من المكلَّفين. الأمر السادس: المعاني المتعلقة بالألفاظ، وهو خمسة أنواع: الفصلُ، الوصلُ، الإيجازُ، الإطنابُ، القصرُ. وبذلك تَكَمَّلَتِ الأنواع خمسينَ، ومن الأنواعِ، ما لا يدخلُ تحتَ الحصرِ: الأسماء, الكنى, الألقابُ، المبهماتُ، فهذا نهاية ما حضرَ من الأنواعِ) [الإتقان ط المجمع ص6-7] والغريب في الأمر أنّ الإمام السيوطي قد اطّلع على كتب في علوم القرآن بالوصف الذي ذكره سبقت كتاب جلال الدين البلقيني ككتاب فنون الأفنان لابن الجوزي وجمال القراء للسخاوي والمرشد الوجيز لأبي شامة وغيرها ولكنّه خصّ كتاب البلقيني بالأوّلية دونها ولعل يبب ذلك وعلّته أحد أمرين الأوّل منهما أن يكون لمنهج الكتاب ووصفه دور وأثر في اختياره له دون سواه وهذا الذي رجحه الدكتور حازم حيدر سعيد حيث قال:(لكن لعلّ له رأياً في أهمية هذا الكتاب واعتباره أوّل ما ألِّف) [علوم القرآن بين البرهان والإتقان ص96] ثانيهما أنّه ربما أصدر هذا الحكم قبل اطّلاعه على باقي الكتب ثم لم يصحح مذهبه أو أنّ التصحيح لم تثبته النسخ المحققة والمطبوعة ... ولعلّ ما يؤيد هذا الطرح ويؤكّده ظاهر ما جاء في مقدمة الإتقان مِن أنّ الإمام السيوطي في تأليفه لعلوم القرآن واطّلاعه على مصنفاته مرّ بمراحل أوّلها استغرابه وتعجبه من عدم كتابة المتقدمين في علوم القرآن ...ثانيا اطّلاعه على كتاب شيخه الكافيجي الذي زعم صاحبه أنّه فاتحة بابه غير أنّ هذا الكتاب لم يشف غليله كما قال في وصفه والتعليق عليه ...ثم اطّلاعه على كتاب جلال الدين البلقيني وكان قد أرشده إليه أخُ المصنف شيخه علم الدين البلقيني (879هـ) فأعجب به ووصفه بالأوّلية ثم نقّحه وزاد عليه في مصنفه "التحبير في علوم التفسير" ثمّ أراد أن يتوسع في الباب من خلال كتاب أراد أن يجعله مقدمة لتفسيره الكبير الذي شرع فيه ولم يتمّه وسماه "مجمع البحرين ومطْلع البدرين، الجامع لتحرير الرواية وتقرير الدراية" وهذه المقدمة هي كتابه المشهور والمعروف "الإتقان في علوم القرآن" غير أنّه في هذه المرحلة وقبل البدء في الكتابة اطّلع على كتاب البرهان للإمام الزركشي حيث يقول في ذات المقدمة: (...هذا آخر ما ذكرته في خُطبة التحبير". وقد تمَّ هذا الكتابُ ولله الحمدُ من سنة اثنتين وسبعين، وكتَبَه منْ هو في طبقةِ أشياخي من أولي التحقيق. ثم خَطَرَ لي بعد ذلك أنْ أؤَلِّفَ في هذا المعنى كتاباً مبسوطاً ومجموعاً مضبوطاً، أسلُكُ فيه طريقَ الإحصاءِ وأمشي فيه على منهاج الاستقصاء، هذا كلُّه، وأنا أظنُّ أني متفرِّدٌ بذلك غيرُ مسبوقٍ بالخوض في هذه المسالك. فبينما أنا أُجيلُ في ذلك فِكراً، أقدِّمُ رجلا وأؤخر أخرى، إذ بَلَغني أنّ للشيخ الإمام بدرِ الدين محمد بن عبد الله الزركشي أحد متأخري أصحابنا الشافعيين كتاباً في ذلك حافلاً يسمى "البرهان في علوم القرآن" فتطلّبته حتى وقفتٌ عليه...) [الإتقان ط المجمع ص11-12] فكلامه هذا في غاية الوضوح أنّ حكمه بالأوّلية للإمام جلال الدين البلقيني إنما كان في كتاب التحبير وأنّ اطّلاعه على برهان الزركشي إنّما كان بعد ذلك لما شرع في كتاب الإتقان ...

5. رأي الإمام الزركشي وهو ذاته رأي الأستاذ محمد أبي الفضل إبراهيم محقق كتاب الإتقان في مقدمته 1\7[طبعة مكتبة دار التراث القاهرة الطبعة الثالثة 1405هـ ] وممّن قال بهذا الرأي الدكتور عبد العزيز إسماعيل صقر في رسالته للدكتوراه المعنونة بـ: "الزركشي ومنهجه في علوم القرآن" ص6 يرى هؤلاء أنّ الإمام الزركشي هو أوّل من صنّف في علوم القرآن ولعل ما يؤكّد هذا الزعم قول الإمام الزركشي نفسه في خطبة كتابه: (...ولما كانت علوم القرآن لا تنحصر، ومعانيه لا تستقصى، وجبت العناية بالقدر الممكن. ومما فات المتقدمين وضعُ كتاب يشتمل على أنواع علومه، كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث؛ فاستخرت الله تعالى – وله الحمد – في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلّم النّاس في فنونه، وخاضوا في نكته وعيونه، وضمنته من المعاني الأنيقة، والحكم الرشيقة، ما يهزّ القلوب طربا، ويبهر العقول عجباُ، ليكون مفتاحا لأبوابه، عنوانا على كتابه؛ معينا للمفسّر على حقائقه، ومطلعا على بعض أسراره ودقائقه؛ والله المخلّص والمعين، وعليه أتوكل، وبه أستعين، وسميته "البرهان في علوم القرآن" .) [ص9 البرهان في علوم القرآن تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم؛ مكتبة دار التراث القاهرة] وقد ردّ هذا القول من وجهين أوّلهما أنّ كتاب البرهان كتابٌ مكتمل من حيث منهجه شامل من حيث مادته وهذا بعيد غير مستساغ في حقّ كتاب يزعم صاحبه وآخرون أنّه فاتحة التأليف في هذا العلم الجليل يقول الأستاذ حازم حيدر سعيد : (وهو رأي بعيد النجعة؛ لأنّ العلوم لا يمكن أن تكون في بداية التأليف بهذه السعة التي عند الزركشي ص99) وهذا التعليل وإن كان في غاية الوجاهة إلاّ أنّه لا يخلو من مقال وذلك أنّ التأليف في علوم القرآن إلى عهد الإمام الزركشي كان قد مرّ بمراحل وخطى خطوات وأشواطا مهمة من شأنها أن تبلغ بمن تتبعها هذا المبلغ من الجودة والإتقان الذي بلغه كتاب البرهان للإمام الزركشي...لكن الوجه الثاني الذي ردّ به هذا الرأي في غاية التحقيق والتقرير وهو أنّ واقع التأليف ينفيه ويأباه فقد ثبت بما لا مجال للشك فيه أنّه سُبِقَ بغيره في التأليف كما سيأتي قريبا إن شاء الله ...

6. رأي الشيخ عبد العظيم الزرقاني (ت: 1367هـ): يرى الشيخ عبد العظيم الزرقاني وقد تابعه على هذا الرأي كلّ من الدكتور مصطفى ديب البغا والأستاذ محيي الدين ديب متو والدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ مناع القطان أنّ أوّلية التأليف في علوم القرآن ترجع إلى علي بن إبراهيم الحَوْفي (ت:430هـ) بكتابه "البرهان في علوم القرآن" حيث يقول: "ولقد كان المعروف لدى الكاتبين في تاريخ هذا الفن أن أول عهد ظهر فيه هذا الاصطلاح أي اصطلاح علوم القرآن هو القرن السابع.لكني ظفرت في دار الكتب المصرية بكتاب لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي المتوفى سنة 430 هـ اسمه البرهان في علوم القرآن. وهو يقع في ثلاثين مجلدا والموجود منه الآن خمسة عشر مجلدا غير مرتبة ولا متعاقبة من نسخة مخطوطة. وإذن نستطيع أن نتقدم بتاريخ هذا الفن نحو قرنين من الزمان أي إلى بداية القرن الخامس بدلا من القرن السابع. ولقد كنت مشغوفا أن أقرأ مقدمة كتابه هذا لآخذ اعترافا صريحا منه بمحاولته إنشاء هذا العلم الوليد. ولكن ماذا أصنع والجزء الأول مفقود غير أن اسم الكتاب يدلني على هذه المحاولة. وكذلك استعرضت بعض الأجزاء الموجودة فرأيته يعرض الآية الكريمة بترتيب المصحف ثم يتكلم عليها من علوم القرآن خاصا كل نوع منها بعنوان فيسوق النظم الكريم تحت عنوان: القول في قوله عز وجل. وبعد أن يفرغ منه يضع هذا العنوان: القول في الإعراب ويتحدث عنها من الناحية النحوية واللغوية: ثم يتبع ذلك بهذا العنوان القول في المعنى والتفسير ويشرح الآية بالمأثور والمعقول. ثم ينتقل من الشرح إلى العنوان الآتي: القول في الوقف والتمام مبينا تحته ما يجوز من الوقف وما لا يجوز. وقد يفرد القراءات بعنوان مستقل فيقول القول في القراءة. وقد يتكلم في الأحكام الشرعية التي تؤخذ من الآية عند عرضها ففي آية {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} من سورة البقرة يذكر أوقات الصلاة وأدلتها وأنصبة الزكاة ومقاديرها. ويتكلم على أسباب النزول وعلى النسخ وما إلى ذلك عند المناسبة. فأنت ترى أن هذا الكتاب أتى على علوم القرآن ولكن لا على طريقة ضم النظائر والأشباه بعضها إلى بعض تحت عنوان واحد لنوع واحد بل على طريقة النشر والتوزيع تبعا لانتشار الألفاظ المتشاكلة في القرآن وتوزعها. حتى كأن هذا التأليف تفسير من التفاسير عرض فيه صاحبه لأنواع من علوم القرآن عند المناسبات. وأيا ما يكن هذا الكتاب فإنه مجهود عظيم ومحاولة جديرة بالتقدير في هذا الباب. جزى الله مؤلفه خير الجزاء.) ورغم هذا الجزم والقطع من قِبل الشيخ الزرقاني إلاّ أنّ أهل العلم في القديم والحديث يكادون يجمعون على أنّ الكتاب المذكور أقرب إلى علم التفسير منه إلى علوم القرآن ولعل من أبرز هؤلاء الإمامين العلمين الزركشي في برهانه (3\293) والسيوطي في إتقانه (1\21) ومن المعاصرين الدكتور أبو شهبة (المدخل لدراسة القرآن الكريم 35-36) والدكتور فهد الرومي (دراسات في علوم القرآن الكريم 45) والدكتور حسن العتر (مقدمة فنون الأفنان 72-73) والدكتور حازم حيدر سعيد (علوم القرآن بين البرهان والإتقان ص96-99)...بل إنّ الشيخ الزرقاني نفسه نجد في حكمه شيءٌ من التردّد حين يقول: (فأنت ترى أن هذا الكتاب أتى على علوم القرآن ولكن لا على طريقة ضم النظائر والأشباه بعضها إلى بعض تحت عنوان واحد لنوع واحد بل على طريقة النشر والتوزيع تبعا لانتشار الألفاظ المتشاكلة في القرآن وتوزعها. حتى كأن هذا التأليف تفسير من التفاسير عرض فيه صاحبه لأنواع من علوم القرآن عند المناسبات. وأيا ما يكن هذا الكتاب فإنه مجهود عظيم ومحاولة جديرة بالتقدير في هذا الباب. جزى الله مؤلفه خير الجزاء.) فقوله (كأنّ هذا التأليف تفسير من التفاسير) وقوله (وأيا ما يكن هذا الكتاب فإنه مجهود عظيم) كأنّه يقول سواء قلنا أنّه كتاب في التفسير أو في علوم القرآن فإنّه يبقى كتاب مهم بذل صاحبه في تسويده جهدا عظيما...والله أعلم. ثمّ لو أدرجنا هذا الكتاب في مصنفات علوم القرآن تجاوزا وتسامحا لكان كتاب الأُدفوي 388هـ في التفسير والمسمى بـ"الاستغناء في علوم القرآن" أولى بهذه الأوّلية وذلك أنّ الحوفي في كتابه هذا متأثر بشيخه الأدفوي من حيث تسمية كتابه أوّلا ومن حيث منهجه وخطته فيه ثانيا فقد سبقه إليها حيث كان يعمد إلى الآية من كتاب الله فيبيّن معناها ثم القراءات الواردة فيها ثمّ إعرابها وهكذا يتنقل بين مختلف علوم القرآن في دراستها ولم يزد الحوفي على إعادة منهج شيخه وتكرير كلامه بالمعنى أحيانا وباللفظ ذاته أحيانا أخرى [انظر الأدفوي مفسرا1\428- 437 علوم القرآن بين البرهان والإتقان ص99] وهو المنهج ذاته الذي اعتمده مكي بن أبي طالب (ت:437هـ) في كتابه الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره وأحكامه وجمل من فنون علومه قال في خطبته: "جمعت فيه علوما كثيرة، وفوائد عظيمة من تفسيرٍ مأثورٍ أو معنى مفسَّرٍ، أو حكمٍ مبينٍ، أو ناسخ أو منسوخٍ، أو شرح مشكل، أو بيان غريب، أو إظهار معنى خفيٍّ، مع غير ذلك من فنون علوم كتاب الله جلّ ذكره؛ من قراءة غريبة، أو إعراب غامضٍ أو اشتقاق مشكلٍ، أو تصريف خفيٍّ، أو تعليل نادر، أو تصرف فعل مسموع مع ما يتعلق بذلك من أنواع علوم يكثر تعدادها، ويطول ذكرها، جعلته بداية إلى بلوغ النهاية في كشف علم ما بلغ إليَّ من علم كتاب الله تعالى ذكره، وما وقفتُعلى فهمه، ووصل إليّ علمُه من ألفاظ العلماء، ومذاكرات الفقهاء، ومجالس القراء، ورواية الثقات من أهل النقل والروايات، ومباحثات أهل النظر والدراية."[تفسير سورتي الفاتحة والبقرة من تفسير مكي نقلا عن مساعد الظيار ص99-100] ومثله صنع الإمام المهدوي احمد بن عمار (ت:440هـ) في كتابه التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل . والقصد من هذا السرد والتعداد التأكيد والتقرير أنّ هذا النوع من الكتابة لا يمكن عدّه في خانة علوم القرآن بل هو إلى التفسير اقرب والله أعلم.ثمّ إنّ هذه التسمية التي ذكرها الشيخ عبد العظيم الزرقاني (البرهان في علوم القرآن) لم ترد لا في غلاف مخطوطات الكتاب ولا في فهارس الكتب بل لعلها استخلاص واجتهاد خاص أو أنّه استقاها من فهرسة وعنونة دار الكتب المصرية يقول الأستاذ أبو شهبة رحمه الله: "...فكتابه هذا أمسّ بالتفسير منه بعلوم القرآن، وإن كانت التسمية تشعر أنّه بعلوم القرآن أمس وقد ذكر – رحمه الله -: أنّ الجزء الأوّل مفقود، ولا أدري من أين عرف التسمية؟ ولعله اعتمد على فهرس دار الكتب المصرية وقد رجعت إلى كتاب كشف الظنون (الجزء الأول ص242) فتبيّن لي إنّ اسم الكتاب (البرهان في تفسير القرآن) وبذلك زالت الشبهة في عدّه من علوم القرآن، وثبت أنّه كتاب تفسير، وهو الحق والصواب." وذكر الأستاذ محمد صفاء أنّ كلّ من ياقوت الحموي في معجم الأدباء 12/221 والداودي في طبقات المفسرين 1/388 والسيوطي في طبقات المفسرين 70 وحاجي خليفة في كشف الظنون 1/241 جميعهم سموا الكتاب بالبرهان في تفسير القرآن.والله أعلم بالحق والصواب.

7. رأي الدكتور السيّد أحمد خليل [نشأة التفسير الكتب المقدسة والقرآن 45-46 ] والدكتور حسن عتر [مقدمة فنون الأفنان 72-74] : محمد بن القاسم المعروف بابن الأنباري (328هـ) هو أوّل من صنّف في علوم القرآن بكتابه "عجائب علوم القرآن". يقول الأستاذ الدكتور فهد الرومي منتقدا هذا الرأي: "ينسب كثير من الباحثين كتاب (عجائب علوم القرآن) لأبي بكر الأنباري (ت 328هـ) مستندين في ذلك إلى ما ذكره الزرقاني في (مناهل العرفان) وقد ظهر لي يقيناً أنّ الكتاب المذكور ليس لأبي بكر الأنباري، بل هو كتاب (فنون الأفنان في عجائب القرآن) لابن الجوزي، وسبب وقوع هذا الوهم نسخة مخطوطة في مكتبة البلدية بالإسكندرية أخطأ مفهرسو المكتبة في معرفة المؤلف فنسبوها لأبي بكر الأنباري." . وقد بيّن الدكتور حازم حيدر سعيد في مقالة له نشرت في مجلة (عالم المخطوطات والنوادر) المجلد الأول العدد الثاني ص403-416 أنّ هذا الكتاب إنّما هو نسخة من فنون الأفنان لابن الجوزي لا غير وأنّ الخطأ إنما وقع من قبل الأستاذ محمد الشندي صانع فهرس مكتبة الإسكندرية، التي فيها نسخة من هذا الكتاب بعنوان "عجائب علوم القرآن" إذ قال في فهرسه: "وقد أخذنا نسبة هذا الكتاب إلى ابن الأنباري من أوائل فصوله" [فهرس بعض المخطوطات العربية المودعة بمكتبة بلدية الإسكندرية- التفسير 1\20]، وذلك أنّ ابن الجوزي كثير النقل عن ابن الأنباري، فلما رأى قوله: "قال ابن الأنباري" ظنّ أنّ الكتاب له. وقد انطلى هذا الأمر على جماعة من الباحثين المعاصرين، [نحو الزركلي في الأعلام 6\334 والدكتور صبحي الصالح في مباحث في علوم القرآن 122 والدكتور محيي الدين رمضان في مقدمة تحقيق إيضاح الوقف والابتداء 1\17 واالدكتور عبد الحليم الشريف في السيوطي وجهوده في علوم القرآن 141-145-319 وغيرهم ...] مع أنّ هناك نسخة في المكتبة الأزهرية بنفس العنوان "عجائب علوم القرآن" [عنها صورة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم 2185 وتقع في 42 ورقة] ومنسوبة إلى ابن الجوزي، الذي مما يدعو إلى التأمل والموازنة. وسبب هذا الخطأ الذي تتابع عليه الناس وتواردوا، هو عدم الوقوف على المخطوط، والاعتماد على الفهارس، وكم أخطأ أصحابها...) [علوم القرآن بين البرهان والإتقان ص100] والنتيجة نفسها وصل إليها الباحث خالد بن عثمان السبت في رسالته للماجستير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعنوان (دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان) ذكرها الأستاذ محمد صفاء حقي الذي تبنى بدوره هذه النتيجة

8. رأي الدكتور صبحي الصالح رحمه الله [مباحث في علوم القرآن 124 نسب هذا القول له الدكتور حازم والأدكتور محمد صفاء والظاهر من كلامه أنّ هذه النسبة إنّما أخذها من ترتيبه للمصنفين في علوم القرآن ولم يصرّح الشيخ بذلك والله أعلم] (ت: 1407هـ) والدكتور فهد الرومي[دراسات في علوم القرآن الكريم 45] والشيخ مناع القطان في (مذكرة علوم القرآن) مجموعة محاضرات ألقاها على طلبة الدراسات العليا في كلية أصول الدين عام 1407هـ وهو خلاف مذهبه في كتابه (مباحث في علوم القرآن) : ابن المرزبان الآجري (ت:309هـ) في كتابه (الحاوي في علوم القرآن) له شرف السبق إلى التأليف في علوم القرآن بمعناه التدويني الخاص في أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجري. ولم يذكر أصحاب هذا الرأي ما يعضّد هذا القول سوى ما جاء في عنوان الكتاب من قوله (علوم القرآن) ولهذا ردّ الدكتور حازم حيدر سعيد هذا الرأي بقوله: (ص102 وقد استنطقت تسعة عشر مصدرا ترجمت لابن المرزبان؛ لأعثر على نصّ يفيدني ما مضمون هذا الكتاب، لكني لم أجد سوى سبعة مصادر ذكرت اسمه، إلاّ ما كان من ابن النديم الذي ذكره في موضعين، ونعته بأنه سبعة وعشرون جزءاً، وأنه كبير، وبقيتها صمتت ولم تذكر عنه شيئاً, ومهما يكن فلا يمكن القطع أنّ هذا الكتاب هو باكورة التصنيف في هذا العلم المجموع، بمجرد اسم الكتاب لأنا نجد من معاصريه وأهل قرنه من سمى كتابه بـ "المختزن في علوم القرآن" كالأشعري 324هـ والاستغناء في علوم القرآن كالأدفوي 388هـ وهما كتابان في التفسير. ونجد بعده بقرون من سمى كتابه قريبا من ذلك نحو "التسهيل لعلوم التنزيل" لمحمد بن احمد بن جزيّ الكلبي (741هـ) واللباب في علوم الكتاب لابن عادل الحنبلي (880هــ) وهما كتابان في التفسير. وهذه قرينة قوية – إذا كان المصطلح شائعا ويراد منه التفسير – تصرف اعتبار كتاب ابن المرزبان أنّ له السبق والأولية.) [انظر الفهرست لابن النديم 95-197-167 معجم الأدباء 6\2646 ط دار الغرب سير أعلام النبلاء 14\264 الوافي بالوفيات 3\44-45 طبقات المفسرين2\141 معجم المؤلفين 9\285 معجم المفسرين 2\527 ...]

9. رأي الشيخ غزلان [البيان في مباحث علوم القرآن 41-42]وهو ظاهر ما ذهب إليه الأستاذ غانم قدوري الحمد في كتابه محاضرات في علوم القرآن : ابن الجوزي في كتابه فنون الأفنان هو أوّل من صنّف في علوم القرآن. وهو قول يمكن استنتاجه من مقدمة الإتقان لأنّ ابن الجوزي هو أقدم من أشار إليهم الإمام السيوطي عليه رحمة الله. ويردّ هذا القول أنّ المصطلح كان قد تأسّس قبله وأنّ التدوين في هذا العلم قد سُبِق إليه، والكتاب طبع سنة 1408هـ بتحقيق الأستاذ حسن ضياء الدين عتر طبعته دار البشائر ببيروت في خمسمائة وسبعة وستين (567) صفحة

10. رأي الدكتور فاروق حمادة [مدخل إلى علوم القرآن 10-11] وهو رأي الدكتور حازم حيدر سعيد [علوم القرآن بين البرهان والإتقان ص105] ورأي الدكتور مساعد الطيار [ص93]ورأي الأستاذ فؤاد بن عبده أبو الغيث غير أنّ هذا الأخير سماه (العقل في فهم علوم القرآن) ورأي الأستاذ محمد صفاء حقي [ص161] ورأي الباحث أحسن محمد أشرف الدين في (تاريخ علوم القرآن حتى نهاية القرن الخامس) ص14 رسالة ماجستير الجامعة الإسلامية عام 1405هـ) : يرى هؤلاء الباحثون أنّ الحارث بن أسد المحاسبي (ت: 243هـ) في كتابه "فهم القرآن" أو "العقل في فهم القرآن" أولى من غيره بفضل وشرف السبق بالتأليف في علوم القرآن وفق معناه التدويني الخاص يقول الأستاذ فاروق حمادة: "من ألصق الكتب المتقدمة بهذا المعنى الاصطلاحي، وأحراها أن تكون سابقة في الميدان حتى الآن، كتاب الحارث المحاسبي المتوفى 243 وقد سماه فهم القرآن ...وكلّ الموضوعات التي ذكرها في كتابه هي من صلب علوم القرآن" [مدخل إلى علوم القرآن والتفسير للدكتور فاروق حمادة ص 10-11 نقلا من مساعد الطيار ص94] ولعلّ ما يثبت هذا الطرح ويؤكده أمرين اثنين أوّلهما وفاة الحارث بن أسد المحاسبي (243هـ) المتقدمة على غيره ممن نسب له أوّلية الكتابة في علوم القرآن، ثانيهما النظر في فصول كتابه وأبوابه ومنهجه يؤكد أنّه كتاب في علوم القرآن حقّاً وليس كتاب تفسير ككثير من الكتب المسماة بعلوم القرآن وهي عن هذا العلم بمعناه التدويني الخاص أبعد ما تكون ... فالكتاب كما وصفه الدكتور حازم سعيد حيدر [ص 103-104] والأستاذ مساعد الطيار [ص93-94] مؤلف من سبعة أقسام، القسم الأوّل سماه فضائل القرآن من الآيات والأحاديث ذكر فيه فضائل القرآن، ومن حفظه ووعاه. القسم الثاني: فقه القرآن ومقصوده منه أنّ الهدف الأسمى من إنزاله هو الفهم، وذكر سبل الفهم وطرائقه، القسم الثالث: المحكم والمتشابه ذكر فيه المراد من المحكم والمتشابه، مع إيراد آثار عن الصحابة والتابعين، وأهل العلم كمالك وأبي عبيدة، القسم الرابع ما لا يجوز النسخ وما يجوز فيه ذكر أنّ النسخ لا يدخل في أسماء الله وصفاته وأخباره عن الأمم السابقة. القسم الخامس مع المعتزلة دفاعات وإلزامات: ناقش فيه المعتزلة في الناسخ والمنسوخ، وفي بعض أصولهم كالتوحيد والوعد والوعيد. القسم السادس ذكر فيه الناسخ والمنسوخ من الأحكام وقسّمها إلى خمسة عشر باباً منها أقسام النسخ الثلاثة المشهورة وذكر المكي والمدني من السور. والباب السابع أساليب القرآن: ذكر فيه التقديم والتأخير والإضمار والحروف الزوائد والمفصّل والموصول . قال الدكتور حازم معلقاً على هذا التقسيم والتبويب : (وهذه الأقسام السبعة – كما ترى – من صميم علوم القرآن، والكتاب يدخل ضمن مصطلح "علوم القرآن" بالمعنى التدويني، فهو يعدّ أوّل كتاب صنف في هذا العلم بحسب اطلاعنا وحكمنا على ما بين أيدينا." (ص105) الكتاب نشر أوّل مرة سنة 1968م اعتنى بنشره أحمد أتش بمطبعة بريل ليدن ثم أعيد طبعه بتحقيق حسين القوتبي نشرته دار الفكر بيروت سنة 1391هـ 1971م في خمسمائة وواحد وثلاثين صفحة (531ص) وأعادت طبعه دار الكندي ببيروت سنة 1402هـ 1972م عن صورة لنسخة دار الفكر

 ينبغي ها هنا تسجيل ملاحظة الدكتور حازم سعيد حيدر حيث فرّق بين بداية التصنيف في علوم القرآن باعتباره علم خاص وبين ظهور مصطلح علوم القرآن الذي أصبح علما على هذا الفن ..فهو يقول: (وفي نهاية هذا المبحث أستطيع القول إنّ الحارث المحاسبي، أوّلُ من دوّن في علوم القرآن بصورة مستقلة، من حيث المحتوى والمضمون دون العنوان، فيكون ظهور التأليف في هذا العلم في القرن الثالث. أما ظهور مصطلح "علوم القرآن" في العنوان والمحتوى، فقد تأخّر قليلاً إلى أواخر القرن الرابع ومطالع الخامس، وبدا في مؤلَّف ابن حبيب النيسابوري 406هـ "التنبيه على فضل علوم القرآن". وهذه النتيجة بناء على ما وصل إلينا واطلعنا عليه، وليست على وجه القطع واليقين.) [ص105]





المبحث الثالث: مصادر علوم القرآن ومؤلفاته : سنقسّم هذه المصادر والمؤلفات إلى صنفين قديمة ومتأخرة وحديثة - والمقصود بالمتأخرة والحديثة ما كتب في هذا العلم الشريف ابتداء من القرن العاشر إلى يومنا هذا - نبدأ بتعدادها أوّلاً ثمّ نقف على أهمّ هذه المصادر والمراجع نعرّف بها وبأصحابها ومناهجها وما أبدعته أو أضافته لعلوم القرآن. نسأل الله التوفيق والسداد.

أوّلا: المصادر القديمة

 مقدمات كتب التفسير:

1. مقدمة تفسير عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211هـ)

2. مقدمة جامع البيان عن تأويل آي القرآن لمحمد بن جرير الطبري (310هـ)

3. مقدمة تفسير أبي الليث السمرقندي (373هـ)

4. مقدمة كتاب (المباني في نظم المعاني) مؤلفه مجهول كما تقدم وقد ألّف سنة 425هـ

5. مقدمة تفسير (الكشف والبيان عن تفسير القرآن) لأحمد الثعلبي (427هـ)

6. مقدمة تفسير (الهداية إلى بلوغ النهاية في علوم معاني القرآن وتفسيره وأحكامه وجمل من فنون علومه) لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي (437هـ)

7. مقدمة تفسير (التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل) لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي (440هـ)

8. مقدمة تفسير (النكت والعيون في تفسير القرآن) لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي (450هـ)

9. مقدمة تفاسير الواحدي: البسيط والوسيط والوجيز لعلي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري (468هـ)

10. مقدمة تفسير (معالم التنزيل) لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (516هـ)

11. مقدمة تفسير (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) لأبي محمد عبد الحق بن عطية الغرناطي (541هـ)

12. مقدمة تفسير (زاد المسير في علم التفسير) لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (597هـ)

13. مقدمة التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) لفخر الدين الرازي (606هـ)

14. مقدمة تفسير (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان) لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (671هـ)

15. مقدمة تفسير (لباب التأويل في معاني التنزيل) لأبي الحسن علي بن محمد الشيحي المعروف بالخازن (745هـ)

16. مقدمة تفسير القرآن العظيم للحافظ عماد الدين ابن كثير (774هـ)



 كتب علوم القرآن المفردة:

وهي الكتب التي تتناول مختلف علوم القرآن مفردة، أي علما علما، ولا تجمعها في كتاب واحد كما هو الشأن بالنسبة لعلوم القرآن بمعناه الاصطلاحي الحادث...وقد امتازت هذه كتب واتّصفت بمواصفات معيّنة، يحسن بنا الوقوف عليها ولو بمجرد الإشارة والتنبيه:

 امتازت هذه الكتب بتوسع المادة العلمية: فالبحث في أمثال القرآن مثلا يتناول التعريف والحكم والأقسام وتتبعها والمقارنة بينها وبين أمثال السنة وأمثال العرب ومباحث أخرى كثيرة يتناولها الكاتب جميعا بتوسع وإسهاب، بينما دراسة الأمثال في علوم القرآن بمعناه الاصطلاحي الخاص يقتصر فيها على بيان أصولها وكليات مباحثها.

 امتازت هذه الكتب بتنوع مواضيعها وتعددها؛ فلم يتركوا موضوعا في القرآن الكريم إلاّ وأفردوه بالبحث والتأليف – فجزاهم الله عنا وعن الإسلام كلّ خير –

 السمة التجميعية والمنهج الاستقرائي: سواء من خلال تتبع المادة المتناولَة في آي القرآن الكريم كلّه. أو من خلال تتبع واستقراء المؤلفات والكتب التي تتناول الموضوع وكذا الروايات المتعلقة به .

 كثير من هذه الكتب إنّما هي نوع من أنواع التفسير الموضوعي

وسنحاول في هذا المبحث تعدادا جملة من هذه الكتب – المتقدمة - مرتبة بحسب العلوم التي تناولتها وبحسب تاريخ تأليفها، مقتصرين في ذلك كلّه على بعض علوم القرآن،وفق ما ذكره الأستاذ محمد صفاء حقي في كتابه (علوم القرآن من خلال مقدمات التفسير)

 علم التفسير:

1. تفسير مجاهد (104هـ)

2. تفسير الضحاك بن مزاحم (105هـ)

3. تفسير عكرمة مولى ابن عباس (107هـ)

4. تفسير محمد بن كعب القرظي (108هـ)

5. تفسير الحسن البصري (110هـ)

6. تفسير عطاء بن أبي رباح (114هـ)

7. تفسير قتادة بن دعامة السدوسي (117هـ)

8. تفسير عطاء بن دينار (126هـ)

9. تفسير إسماعيل السدي (127هـ)

10. تفسير عطاء بن أبي رباح الخراساني (133هـ)

11. تفسير زيد بن أسلم (136هـ)

12. تفسير عبد الرزاق الصنعاني (211هـ)

13. تفسير الإمام أحمد بن حنبل (241هـ)

14. تفسير ابن ماجه (273هـ)

15. الحاوي في علوم القرآن لابن المرزبان (309هـ)

16. جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري (310هـ)

وهكذا تتابع التأليف في علم التفسير عبر الأزمنة والعصور ...

 علم معاني القرآن:

1. معاني القرآن: واصل بن عطاء الغزال (131هـ)

2. معاني القرآن: محمد بن الحسن الرؤاسي (170هـ)

3. معاني القرآن: الكسائي (189هـ)

4. معاني القرآن: قطرب (206هـ)

5. معاني القرآن: الفراء (207هـ)

6. معاني القرآن: الأخفش الأوسط (216هـ)

7. معاني القرآن: لابن كيسان (299هـ)

8. معني القرآن: سلمة بن عاصم النحوي (310هـ)

9. معاني القرآن وإعرابه: إبراهيم بن سري الزجاج (311هـ)

10. معاني القرآن: أبو جعفر النحاس (338هـ)

ثمّ تتابع التأليف في هذا العلم الذي اصطلح عليه فيما بعد بالتفسير اللغوي للقرآن الكريم

 علم إعراب القرآن :

1. إعراب القرآن: محمد بن المستنير الشهير بقطرب (206هـ)

2. الجمع والتثنية في القرآن: يحيى بن زياد المعروف بالفراء (207هـ)

3. إعراب القرآن: أبو عبيدة معمر بن المثنى (209هـ)

4. إعراب القرآن: ابن حبيب القرطبي (238هـ)

5. إعراب القرآن: أبو حاتم السجستاني (248هـ)

6. إعراب القرآن: أحمد بن يحيى المعروف بثعلب (291هـ)

7. إعراب القرآن: أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (286هـ)

8. إعراب القرآن: الزجاج إبراهيم بن السري (311هـ)

9. إعراب القرآن: أبو جعفر النحاس (338هـ)

10. إعراب ثلاثين سورة من القرآن: الحسن بن أحمد بن خالويه (370هـ)

 علم غريب القرآن:

1. غريب القرآن: عطاء بن أبي رباح أسلم القرشي (114هـ)

2. غريب القرآن:أبان بن تغلب (141هـ)

3. غريب القرآن: مؤرج بن عمرو السدوسي (174هـ)

4. تفسير غريب القرآن: الإمام مالك بن أنس (179هـ)

5. غريب القرآن: علي بن حمزة الكسائي (189هـ)

6. غريب القرآن: قطرب (206هـ)

7. تأويل غريب القرآن: الفراء (207هـ)

8. غريب القرآن: أبو عبيدة معمر بن المثنى (209هـ)

9. تأويل غريب القرآن: الأخفش (216هـ)

10. غريب القرآن: أبو عبيد القاسم بن سلام (223هـ)

11. غريب القرآن: محمد بن سلام الجمحي (231هـ)

12. غريب القرآن: لابن السكيت (244هـ)

13. تفسير غريب القرآن: ابن قتيبة الدينوري (276هـ)

14. غريب القرآن: اليزيدي (311هـ)

15. نزهة القلوب (غريب القرآن): أبو بكر السجستاني (330هـ)

16. الإشارة في غريب القرآن: أبو بكر النقاش (351هـ)

17. غريب القرآن: أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة (355هـ)

 علم الناسخ والمنسوخ:

1. الناسخ والمنسوخ: قتادة بن دعامة السدوسي (118هـ)

2. الناسخ والمنسوخ: ابن شهاب الزهري (124هـ)

3. الناسخ والمنسوخ: عطاء بن مسلم الخرساني (135هـ)

4. ناسخ القرآن ومنسوخه: محمد بن السائب الكلبي (146هـ)

5. الناسخ: الحسن بن واقد المروزي (159هـ)

6. الناسخ والمنسوخ: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي (182هـ)

7. الناسخ والمنسوخ: عبد الوهاب العجلي الخفاف (204هـ)

8. الناسخ والمنسوخ: حجاج بن محمد المِصيِّصي الأعور (206هـ)

9. الناسخ والمنسوخ: أبو عبيد القاسم بن سلاّم الهروي (224هـ)

10. الناسخ والمنسوخ: الحسن بن فضال الكوفي (244هـ)

11. الناسخ والمنسوخ: محمد بن سعد بن منيع العوفي (230هـ)

12. ناسخ القرآن ومنسوخه: جعفر بن مبشر الثقفي المعتزلي (235هـ)

13. الناسخ والمنسوخ: سريج بن يونس المروزي (236هـ)

14. ناسخ القرآن ومنسوخه: الإمام أحمد بن حنبل (241هـ)

15. الناسخ والمنسوخ: أبو داود السجستاني (275هـ)

16. ناسخ القرآن ومنسوخه: إبراهيم بن إسحاق الحربي (285هـ)

17. الناسخ والمنسوخ: أبو مسلم إبراهيم الكجي الكشي (309هـ)

18. الناسخ والمنسوخ: الحسن بن منصور الحلاج (309هـ)

19. الناسخ والمنسوخ: أبو بكر السجستاني (316هـ)

20. ناسخ القرآن ومنسوخه: الزبير أحمد الزبيري (317هـ)

21. معرفة الناسخ والمنسوخ: علي بن أحمد بن حزم الأنصاري (320هـ)

22. الناسخ والمنسوخ: محمد بن عثمان الشيباني المعروف بالجعد (322هـ)

23. الناسخ والمنسوخ: ابن الأنباري (328هـ)

24. (......) : ابن المنادى (336هـ)

25. الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم: أبو جعفر النحاس (338هـ)

26. الناسخ والمنسوخ: أبو بكر محمد بن عبد الله البردعي المعتزلي (350هـ)

27. الناسخ والمنسوخ: أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي الأندلسي (355هـ) .......

 علم المحكم والمتشابه:

1. متشابه القرآن: مقاتل بن سليمان الأزدي (150هـ)

2. متشابه القرآن: علي بن حمزة الكسائي (187هـ)

3. الردّ على الملحدين في متشابه القرآن: محمد بن المستنير قطرب (206هـ)

4. تأويل مشكل القرآن: ابن قتيبة الدينوري (276هـ)

5. توضيح المشكل في القرآن: سعيد بن محمد الغساني بن الحداد (302هـ)

6. متشابه القرآن: ابن المنادى (336هـ)

 علم فضائل القرآن والقراءات القرآنية وعدّ الآيّ:

1. فضائل القرآن وما نزل منه بمكة وما نزل بالمدينة: ابن الضريس (194هـ)

2. فضائل القرآن: الشافعي (204هـ)

3. فضائل القرآن: أبو عبيد القاسم بن سلام (223هـ)

4. فضائل القرآن: خلف بن هشام بن ثعلب (229هـ)

5. فضائل القرآن: هشام بن عمار بن نصر الظفري (245هـ)

6. فضائل القرآن: حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صبهان (246هـ)

7. فضائل القرآن: يحيى بن زكريا بن إبراهيم بن مزين (259هـ)

8. فضائل القرآن: علي بن الحسن بن فضال الشيعي (290هـ)

9. فضائل القرآن وما جاء فيه من الفضل وفي كم يقرأ والسنة في ذلك: الفريابي (301هـ)

10. فضائل القرآن: الإمام النسائي (303هـ)

11. فضائل القرآن: ابن الحداد

12. القراءات: يحيى بن يعمر (89هـ)

13. اختيار في القراءة على مذهب العربية: ابن محيصن (123هـ)

14. اختيار في القراءة: عيسى بن عمر الثقفي (149هـ)

15. كتاب القراءات: أبو عمرو بن العلاء (154هـ)

16. القراءة: حمزة الكوفي (156هـ)

17. القراءة: نافع المدني (169هـ)

18. القراءة: هشيم بن بشير (183هـ)

19. القراءة: أبو عبيد القاسم بن سلاّم (224هـ)

20. القراءة: أحمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل إنطاكية (258هـ)

21. القراءة: القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي (282هـ)

22. الجامعك ابن جرير الطبري (310هـ)

23. القراءة: أبو بكر الداجوني (324هـ)

24. القراءات السبع: ابن مجاهد (324هـ)

25. القراءات: أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة (355هـ)

26. القراءة: أبو بكر أحمد بن نصر الشذائي (370هـ)

27. القراءة: الحسن بن عثمان البغدادي الضرير (378هـ) أوّل من نظم في القراءات السبع

28. كتاب الشامل والغاية: أبو بكر بن مهران (381هـ)

29. عدّ الآي: الحسن البصري (110هـ)

30. أعشار القرآن أو عواشر القرآن: قتادة بن دعامة السدوسي (118هـ)

وهكذا الحال في جميع علوم القرآن الأخرى تتابع التأليف فيها من أوائل عهد التابعين والأئمة إلى يوم الناس هذا...









 كتب علوم القرآن بمعناه الاصطلاحي:سنبدأ أوّلاً بتعداد هذه المصادر

1. فهم القرآن للحارث المحاسبي (243هـ)

2. التنبيه على فضائل علوم القرآن للحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب النيسابوري (402هـ)

3. (أنوار الفجر) و (قانون التأويل) كتابين لأبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المعروف بابن العربي (543هـ) ذكره ابن جزي الكلبي في تفسيره وقال: "صنّف ابن العربي كتاب (أنوار الفجر) في غاية الاحتفال والجمع لعلوم القرآن، فلما تلف تلافاه بكتاب (قانون التأويل) ." وقد ذكر فيه جملة من علوم القرآن

4. (فنون الأفنان في عيون القرآن) و (المجتبى في علوم القرآن) لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (ت:597هـ)

5. مفتاح الباب المقفل لفهم الكتاب المنزل للفيلسوف المتصوف أبي الحسن علي بن إبراهيم الحرالي (637هـ) قال الداودي في طبقاته: جعله قوانين كقوانين أصول الفقه

6. جمال القراء وكمال الإقراء لأبي الحسن علي بن محمد السخاوي (ت:643هـ)

7. المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي (ت:665هـ)

8. الإكسير في قواعد التفسير لأبي الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي (ت:716هـ)

9. الفوائد المشوق إلى علوم القرآن والبيان لابن القيم الجوزية (751هـ)

10. البرهان في علوم القرآن لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي (794هـ)

11. مواقع العلوم من مواقع النجوم لأبي الفضل عبد الرحمن بن عمر البُلقيني (824هـ)

12. التيسير في قواعد علم التفسير لأبي عبد الله محمد بن سليمان الكافِيَجي (ت:879هـ)

13. التحبير في علوم التفسير، والإتقان في علوم القرآن لأبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت:911هـ)







ثانيا: المصادر والمراجع الحديثة والمعاصرة:

يمكننا تقسيم هذه المرحلة إلى فترتين اثنتين الأولى منها هي فترة الضعف والركود العلمي والفترة الثانية هي فترة الصحوة والعودة للتأليف والتجديد. أمّا الفترة الأولى فلعلّها تمتدّ من القرن العاشر إلى نهاية القرن الثالث عشر والفترة الثانية تبتدئ بنهاية الفترة الأولى وتمتد إلى يومنا هذا... وقد امتازت الفترة الأولى بقلّة التأليف والتدوين، وما ألف خلالها لا يتعدى منهج الجمع والتحشية والاختصار، يقول الأستاذ محمد صفاء واصفاً التأليف في هذه المرحلة: "وكان الغالب على تتلك المؤلفات سمة النقل والانتخاب، يتخللها أحيانا تعليقات وإضافات هي الأخرى مختارة ومنتقاة من علوم الأولين، ويستطيع المرء أن يؤكد هنا فقدان هذه الفترة لعنصر التجديد والابتكار."

يقول الأستاذ المؤرخ الإسلامي محمود شاكر معلّلا سبب الضعف خلال هذه المرحلة: "حين سقطت الأندلس عام 897هـ، وبدأت سيطرة النصارى، توجه العلماء وطلبة العلم والخيرون إلى المقاومة، وكان العلماء هم الذين يقودون المقاومة، وقد دامت هذه الفترة العصيبة مدة طويلة. قال: ولهذا نجد حقد الصليبية على العلماء وعلى فكرهم إلى يومنا هذا.... وهذه الظاهرة لم تقتصر على العلوم الدينية بل شملت العلوم التجريبية" ثمّ يقول معلّلا صحوة الأمة وعودتها للدعوة والكتابة والتأليف :"وبعد سقوط الخلافة الإسلامية، انحصر كل مصر من أمصار المسلمين بنفسه، واستقل بذاته، وفصلت الديار الإسلامية وحين رأى الخيرون من أبناء المسلمين أنهم أصبحوا في عزلة من إخوانهم اتجهوا مرة أخرى إلى الاهتمام بالعلم، فعقدت الحلقات العلمية في المساجد، ودفع الناس أبناءهم إليها، وتزاحم الطلبة على أبواب من بقي من أهل العلم، ينهلون المعارف، حتى شهد العالم الإسلامي بفضل الله نهضة مباركة شملت كثيرا من ميادين الحياة، فكانت المرحلة الثالثة في العصر الحديث."

وفي الفترة الثانية عرفت الأمة نهضة إسلامية علمية مباركة اصطلح على تسميتها بالصحوة الإسلامية، وراحت تسابق الزمن وتسعى جاهدة للعودة إلى مكانتها وسابق عهدها معتمدة في جميع ذلك على سلاح العلم والبحث والتأليف، وقد تباينت وتنوعت جهود العلماء خلال هذه الفترة فبعضهم اشتغل بتحقيق المخطوطات القديمة ودراستها لتخرج في حلّة جديدة أكثر نفعا وفائدة وبعضهم الآخر اتّجه إلى التأليف المستقل وفق روح العصر وحاجياته وظهرت أراء واتّجاهات جديدة لم يتفطّن لها القدماء – وكم ترك الأوّل للآخر - . كلّ ذلك جرى وفق مناهج علمية حديثة تمتاز أوّل ما تمتاز به: الدّقة، والتنظيم، والموضوعية....

 بعض مؤلفات علوم القرآن خلال الفترة الأولى:

1. قلائد المرجان في الناسخ والمنسوخ من القرآن لمرعي بن يوسف الكرمي (1033هـ)

2. تحفة الفقير ببعض علوم التفسير لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن سلامة الإسكندري (1149هـ)

3. الزيادة والإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة محمد بن أحمد الحنفي المكي (1150هـ)

4. الفوز الكبير في أصول التفسير لولي الله الدهلوي (1175هـ)

5. إرشاد الرحمن لأسباب النزول والنسخ والمتشابه وتجويد القرآن لعطية الله بن عطية البرهان الأجهوري (1190هـ)

6. لب التفاسير في معرفة أسباب النزول والتفسير لمحمد بن عبد الله القاضي الرومي (1195هـ)

7. عجيب البيان في علوم القرآن للشيخ عبد الباسط بن رستم علي بن علي أصغر القنوجي (1223هـ)

8. جواهر القرآن في التجويد لمحمود بن محمد بن مهدي العلوي التبريزي (1287هـ)

 بعض المؤلفات المعاصرة في علوم القرآن :

يجمُلُ بنا أن نبدأ بالحديث ولو بشيء من الاختصار عن مميزات وخصائص التأليف خلال هذه الفترة، التي اختلفت عن غيرها من حيث مادة كتب علوم القرآن ومن حيث تبويبها ومنهجها في تناول هذه العلوم، وسنكتفي بذكر أهم هذه المميزات:

 الدّقة في استعمال المصطلحات ، التبويب والعرض الحسن، الموضوعية في الطرح والنقاش... كلّ ذلك والله أعلم بسبب الالتزام بالمناهج العلمية الحديثة. وبتتبع ونظرة سريعة في كتب المعاصرين نجد أنّهم – مثلا _ افتتحوا كتبهم بتعريف علوم القرآن لغة واصطلاحا والفرق بين القدماء والمحدثين في استعمال هذا المصطلح وغيرها من البحوث المتعلقة - فقط – بمصطلح (علوم القرآن) وكذلك صنعوا مع باقي علوم القرآن ، وحاولوا على خلاف المتقدمين اعتماد منهجية محدّدة لترتيب وتبويب علوم القرآن ...

 ترك منهج الاستقراء في تعداد علوم القرآن واعتماد منهج الانتقاء والانتخاب واختيار الأهمّ أو الأكثر تعلقا بالقرآن الكريم...

 ظهور بعض العلوم الجديدة أو التركيز والتوسع في تناول بعض العلوم القديمة كلّ ذلك بسبب روح العصر ومستجداته

لعلّ أوّلها أومن أهمها: هذه الدراسات الجديدة – حتى لا نقول علوما _ التي تتناول مناهج المفسرين بالبحث والنقد والتحليل .

كما كثر خلال هذه الفترة التأليف في علم إعجاز القرآن الكريم، سواء الإعجاز اللغوي والبياني أو الإعجاز العلمي وذلك بسب التأثر بالحضارة الغربية التي ظهرت فيها نظريات لغوية وأدبية ونقدية جديدة استعين بها للكشف عن أسرار بلاغية وبيانية لم تعرف ولم تطرق من قبل ...كما أنّ التطور العلمي الكبير والاكتشافات الجديدة في مختلف أصناف العلوم كان لها دورها في إبراز حقائق ودقائق علمية حفل بها القرآن الكريم ما نجم عنه تطور التأليف في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .

علم آخر من علوم القرآن نال من الاهتمام ما لم ينله غيره هو التفسير الموضوعي ولعل حاجة الناس من جهة وطبيعة العصر التي تتّسم بالتخصصية والسرعة في تحصيل المعلومة ودقة البحث من جهة أخرى كانا من وراء توسع هذا العلم وتطوره

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى مختلف اللغات بدورها نالت من الاهتمام ما لم تنله خلا العصور المتقدمة ، سواء الترجمات التي قام به المسلمون أنفسهم أو ترجمات المستشرقين. وتأثير العصر في الاهتمام بالترجمة واضح جلي، فوسائل الاتصال التي قرّبت البعيد وضيقت الواسع المديد، حتى أصبحت البشرية جمعاء كأنّها تعيش في قرية واحدة متقاربة المنازل والديار , ما دعا المسلمين إلى التشمير عن سواعدهم لعرض هذا الدين على غيرهم بلغاتهم وألسنتهم التي يفهمونها ويجيدونها، فكانت هذه الترجمات المتعددة والمتنوعة للقرآن الكريم.

 اهتمام المشتغلين بعلوم القرآن بتتبع شبهات المستشرقين والحداثيين وغيرهم من الطاعنين في القرآن الكريم والردّ عليهم ...

 دراسات وكتب المستشرقين في علوم القرآن غير أنّ أكثر هذه الدراسات تنطلق من نظرة يشوبها التعصب ومحاولة تقرير أحكام سابقة عن القرآن والإسلام، من أشهر كتبهم: (تاريخ القرآن) للمستشرق الألماني تيودور نولدكه، صدرت طبعته الأولى سنة 1860م كتاب (مذاهب التفسير الإسلامي) للمستشرق المجري جولدتسهير (1920م) وكتاب (القرآن: نزوله، تدوينه، ترجمته وتأثيره) للمستشرق الفرنسي بلاشير. "ومن الكتب التي اتّسمت بالموضوعية إلى حدّ كبير" كما ذكر الأستاذ غانم قدوري الحمد كتاب (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم) للكاتب الفرنسي موريس بوكابي

 كتب علوم القرآن بمعناه الاصطلاحي:

1. الإيجاز وبيان في علوم القرآن لمحمد صادق قمحاوي.

2. تاريخ القرآن للدكتور عدنان زرزور

3. البيان في علوم القرآن لمحمد حسنين مخلوف العدوي

4. البيان في مباحث من علوم القرآن للشيخ عبد الوهاب غزلان

5. التبيان في علوم القرآن للدكتور القصيبي محمود زلط

6. التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريقة الإتقان للشيخ طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري الدمشقي (1338هـ)

7. دراسات في أصول القرآن د. محسن عبد الحميد

8. دراسات في علوم القرآن د أمير عبد العزيز

9. دراسات في علوم القرآن د عبد القهار داود العاني

10. دراسات في علوم القرآن الكريم د فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي

11. دراسات في علوم القرآن د محمد أمين فرشوخ

12. دراسات في علوم القرآن د محمد بكر إسماعيل

13. علوم القرآن د أحمد عادل كمال

14. علوم القرآن د عبد المنعم النمر

15. علوم القرآن د عزت حسين

16. علوم القرآن د محمد الكومي ، و د. محمد القاسم

17. علوم القرأن وإعجازه وتاريخ توثيقه د. عدنان زرزور

18. علوم القرآن المنتقى دز فرج توفيق الوليد، و د. فاضل شاكر النعيمي

19. علوم القرآن والحديث الشيخ أحمد محمد علي داود

20. في علوم القرآن كفافي الشريف

21. القرآن المجيد تنزيله أسلوبه أثره جمعه : محمد عزة دروزة

22. القرآن الكريم تاريخه وآدابه إبراهيم علي عمر

23. لمحات في علوم القرآن واتجاهات المفسرين د محمد لطفي الصباغ

24. مباحث في علوم القرآن د صبحي الصالح

25. مباحث في علوم القرآن الشيخ مناع القطان

26. المعجزة الكبرى محمد أبو زهرة

27. مدخل إلى علوم القرآن والتفسير د. فاروق حمادة

28. المدخل إلى دراسة القرآن الكريم محمد أبو شهبة

29. المرشد الوافي في علوم القرآن د. محمود بسيوني فودة

30. المنار في علوم القرآن د. محمد علي الحسن

31. مناهل العرفان في علوم القرآن محمد بن عبد العظيم الزرقاني 1367هـ

32. من علوم القرآن د. عبد الفتاح القاضي

33. من علوم القرآن د. فؤاد علي رضا

34. منهج الفرقان في علوم القرآن محمد بن علي سلامة (1362هـ)

35. يتيمة البيان في شيء من علوم القرآن محمد يوسف البنوري

 كتب علوم القرآن مفردة:

1. اتجاهات التفسير في العصر الراهن د. عبد المجيد المحتسب

2. اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر د. فهد الرومي

3. الأحرف السبعة في القرآن الكريم د. حسن ضياء الدين عتر

4. أسباب اختلاف المفسرين د. محمد بن عبد الرحمن الشايع

5. أسباب النزول وأثرها في التفسير الشيخ عصام عبد المحسن الحميدان

6. استخراج الجدل في القرآن د. زاهر عواض الألمعي

7. الإعجاز العددي للقرآن الكريم د. عبد الرزاق نوفل

8. إعجاز القرآن والبلاغة النبوية مصطفى صادق الرافعي 1356هـ

9. الإعجاز النحوي في القرآن الكريم د. فتحي الدجني

10. إعراب القرآن الكريم محيي الدين درويش

11. أمثال القرآن وأثرها في الأدب العربي إلى نهاية القرن الثالث الهجري نور الحق تنوير

12. الأمثال القرآنية دراسة وتحليل وتصنيف ورسم لأصولها وقواعدها ومناهجها عبد الرحمن حبنكة الميداني

13. بلاغة القرآن محمد الخضر حسين

14. تاريخ القرآن إبراهيم الأبياري

15. التجويد الميسر عبد العزيز عبد الفتاح القارئ

16. حديث نزول القرآن على سبعة أحرف د. عبد العزيز القارئ

17. التفصيل والبيان عن تفضيل آي القرآن محمد زكي صالح

18. التصوير الفني في القرآن سيد قطب (1385هـ)

19. جواهر البيان في تناسب سور القرآن عبد الله محمد صديق الغماري

20. دراسات في أسلوب القرآن الكريم: محمد عبد الخالق عظيمة (1403هـ)

21. دراسات الإحكام والنسخ في القرآن الكريم محمد حمزة

22. الرأي الصواب في منسوخ الكتاب جواد موسى محمد عفانة

23. رسم المصحف دراسة لغوية وتقويمية غانم قدوري

24. الفروق اللغوية وأثرها في التفسيرد. محمد بن عبد الرحمن الشايع

25. في إعجاز القرآن دراسة تحليلية لسورة الأنفال (المحتوى والبناء) د. أحمد مختار البزرة

26. القصص القرآني عماد زهير حافظ

27. قصة التفسير د. أحمد الشرباصي

28. اللامات في القرآن عبد الهادي الفضلي

29. مباحث في إعجاز القرآن د. مصطفى مسلم محمد

30. متشابه القرآن دراسة موضوعية عدنان زرزور

31. المشاهد في القرآن الكريم د. حامد صادق قنيبي

32. مشاهد القيامة في القرآن سيد قطب (1385هـ)

33. المعجزة القرآنية محمد العفيفي

34. مناهج المفسرين من العصر الأوّل إلى العصر الراهن د. محمد النقراشي السيد علي

35. نزول القرآن على سبعة أحرف للشيخ مناع القطان

36. النسخ في القرآن الكريم دراسة تشريعية تاريخية نقدية د. مصطفى زيد

37. النسخ في القرآن الكريم مفهومه تاريخه دعواه د. محمد صالح

38. الوجوه والأشباه والنظائر في القرآن الكريم (دراسة موازنة) د. سليمان حمد القرعاوي

كتبه : فتحي بودفلة
طالب بمرحلو ماجستير كلية العلوم الإسلامية جامعة الجزائر(1)

هناك تعليقان (2):

  1. بارك فيكم وسدد خطاكم وجعلكم من اهل الجنة

    ردحذف
  2. مجهود كبير ومعلومات ثره فلله الحمد والشكر وللكاتب من بعده. وبارك الله فيه وأطال الله عمره في خدمة الإسلام والمسلمين

    ردحذف