القول السديد في تعريف التجويد
أهمية التعريفات وضوابطها [1]:
الأصل في تعريف الشيء أن يقتصر فيه على ما يحقق المقصود وهو أن تتبلور في ذهن السامع وتتحدّد مهية الشيء المُعَرّف , وقد يحصل ذلك باللفظ الواحد المفرد وهو المسمى عندهم[2] بالتعريف اللفظي ؛ يكون اللفظ المعرِّف فيه أظهر من اللفظ المعرَّف كقولك : (جوّد بمعنى حسّن) وهو في حقيقة الأمر من باب شرح المفردات في علم متن اللغة لا أكثر ولا أقلّ, وقد لا يحصل المقصود إلاّ بجملة وعبارة تطول وتقصر بحسب سعة مهيّة المعرَّف وعمق معناه والتباسه أو تداخله بغيره...
فإذا تحقق المقصود ووقع المطلوب سمي هذا التعريف حدّاً لأنّه يصير بمثابة الحدّ والحاجز الذي يمنع المعرَّف من مشاركة غيره في حقيقته ومهيّته وهو في ذات الوقت الحدّ والحاجز الذي يمنع غير المعرَّف من أن يتداخل معه ويشاركه في حقيقته ومهيته ...[3]
وإنّ لمثل هذه الحدود المنضبطة في مختلف العلوم وشتى الفنون نكت عدّة وفوائد جمّة ...فهي تعطيك من أوّل وهلةٍ نظرةً عامة وشاملة للعلم المعرَّف من حيث مباحثه ومسائله , كما تعطيك نظرة دقيقة ومحدّدة له من حيث نسبته لباقي العلوم وغيرها من الفوائد والنكت ... ولهذا اهتمّ العلماء بضبط التعريفات وتدقيق الحدود فصنفوا فيها كتبا كثيرة لعل من أشهرها :
ü رسالة الحدود لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني (388هـ)
ü حدود ابن عرفة الورغيمي التونسي المالكي (802هـ) وعليه شروح عدّة منها شرح أبي عبد الله محمد بن القاسم الأنصاري المعروف بالرصاع (894هـ)
ü الحدود في أصول الفقه للقاضي أبي الوليد الباجي (474هـ)
ü التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني (812هـ)
ü معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم لجلال الدين السيوطي (911هـ)
ü الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (926هـ)
ü التوقيف على مهمة التعاريف لمحمد زين الدين عبد الرؤوف المناوي (1031هـ)
ü ومن الكتب الحديثة : التعاريف المهمة لطلاب الهمّة لأبي عثمان المزيني
كما توسعوا في وضع شروط التعريفات وأركانها وبيان ضوابطها وأحكامها حتّى يؤدّي التعريف دوره المنوط به...
حقيقة حدود المناطقة :
... ولكن قبل الحديث عن هذه الأركان والشروط لنتحدث قليلاً عن هذا العلم الذي يزعم أصحابه أنّه المخوّل ـ وحده ـ بوضع التعريفات والحدود ...ألا وهو علم المنطق , وعن الفرق بين اعتقاد أصحابه ومنهجهم وبين ما نروم إليه في هذه البحوث ...
لعلم المنطق ركنان أو بعبارة أصحّ وأدقّ مجالات بحثه اثنان : الحدّ والبرهان فأما البرهان فلنا في أدلتنا الشرعية الكلـّية ما يغنينا عنه وأمّا الحدّ "وهو الوصف المحيط الكاشف" فقد انتـُقِد المناطقة فيه لا من حيث الحدّ نفسه ولكن من حيث اعتقادهم فيه فهم يزعمون أنّ الحدود هي أصل كلّ علم[4] وأنّ الأشياء لا تدرك على حقيقتها ولا تتصور إلاّ بالحدود[5]
والردّ على هاتين المقالتين من وجوه عدّة ومناحي شتـّى فأما زعمهم أنّ الحدّ هو أصل كلّ علم فإنْ قصدوا بالأصل أوّله في الدراسة والبحث فنعم بدليل الاستقراء والواقع فما من علم من علوم العجم والعرب وعلوم الدنيا والدين إلاّ وكان أوّل مباحثه حدّه وتعريفه ولا ينكر هذا أحد وأمّا إن كان قصدهم أهمّ ما فيه أو أنّ العلم كلـّه متفرع عنه فغير مسلـّم . وكيف يكون كذلك والعلم موجود قبل التعريف والحدّ , وهل يعقل أن يتفرع القديم عن الحديث والأوّل عن الآخر ..ثمّ إنّ أعظم ما في العلم موضوعه أو مباحثه ومسائله وأجلّ ما فيه ثمرته وغايته ...
وأما أنّ تصور الأشياء متوقف على التعريفات والحدود أو أنّ المنطق هو المخوّل الوحيد لوضع هذه التعريفات فغير مسلـّم كذلك وقد ردَّ هذا الزعم غيرُ واحد من أهل العلم لعل أشهرهم شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام السيوطي عليهما رحمة الله ومن جملة ما ردّوه به ما يلي:
ü أنّ النّاس يدركون حقائق الأشياء ويعرفونها من غير تعريف في الغالب الأعمّ , ويعجبني ها هنا تعريف بعض مشايخ الإقراء للقرآن بأنّه كتاب الله تعالى يعرفه العجمي قبل العربي والكافر قبل المسلم لا يجهل أصله أحد وكلّ من وضع له تعريفا وشروطا ما زاده إلاّ إبهاما وتعقيدا...
ü علماء الإسلام قبل ترجمة المنطق وضعوا تعريفات وحدودا لشتى العلوم والماهيات والحقائق دون أن يلجؤوا إلى قواعده بل دون أن يعلموا به أصلاً ... وقد تنوعت تعريفاتهم بين التعريف بالتمثيل كما فعل النحاة مع الاسم والفعل والحرف والتعريف بالصفات السلبية كما فعل الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء قال: (الاستواء غير مجهول والكيف غير معلوم)[6] وعرّفوا أشياء بترك تعريفها إمّا لأنّ المعرَّف بفتح الراء أعرف من المعرِّف بكسرها كالمثال الذي تقدّم عن القرآن أو كتعريف الماء والنار والهواء ... وإمّا لأنّ المعرَّف لا يمكن إدراك حقيقته وكيفيته كما صنعوا في صفات الله تعالى قال الإمام مالك رحمه الله (أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف)1 وقد يتوسعون في ضبط بعض التعريفات إذا دعت الحاجة لذلك بسبب اللبس والشبهة كما فعلوا في تعريف الإيمان وقد بدَؤوا بتعريفه بالنية أو بالإسلام أو بترك تعريفه أصلاً فلما زعم المبتدعة أنّه مجرد ما وقر في القلب قالوا (هو قول ونية) ثمّ لمّا زعم آخرون أنّ العمل ليس من مهية الإيمان قالوا (هو قول ونية وعمل) ولما ظهر من يقول أنّ الإيمان ثابت زادوا ((و قول ونية وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي) وهكذا كانوا يتوسعون في التعريف بقدر الحاجة وبحسب ما يعرض من اللبس والشّبهِ[7] ...
ü إنّ أكثر حدود المناطقة لا تزيد المحدود المعرَّف إلاّ غموضا كما صنعوا في تعريف الماء والنار والهواء والغضب والفرح والألم ...
ü كثير من حدودهم لا فائدة فيها ولا تزيد شيئا على ما في المحدود كتعريفهم للزكاة بقولهم (إخراج مال مخصوص في وقت مخصوص لطائفة مخصوصة)
ü أكثر حدود المناطقة غير مستقرّة ولا تسلم من النقد وفق مناهجهم وقواعدهم ولعل أشهر هذه الحدود حدّهم للإنسان بأنه حيوان ناطق فقد انتقد في جزئيه ؛ في الأوّل بكون الإنسان يختلف عن الحيوان في سيمات وميزات كثيرة غير النطق ...وفي الثاني بكون النطق غير منتفٍ عن الحيوانات مطلقا بل بالنسبة إلى إدراكنا ومعرفتنا لا غير ...
ü إنّ علم المنطق أوّل ما وضع وضع للردّ على السفسطائيين المنكرين لحقائق الأشياء ...ثمّ توسعوا فيه إلى أن زعموا أنّه علمٌ لا يستغنى عنه وأنّ حقائق الأشياء لا تتصور ولا تدرك إلاّ به ...ويبدو أنّ المناطقة تفننوا في وضع حدودََ كلّ شيءٍ إلاّ أصل علمهم (المنطق) لم يوفقوا ولم يتفقوا على حدٍّ جامعٍ مانعٍ ـ رغم مرور أكثر من مائتين وخمسين سنة على وضعه ـ حدّ يمنعه من أن يتجاوز ما وضع له وأن يزعم ما ليس عنده ...
ü إنّ حدّ الأشياء وتعريفها ليس متوقفا على المناطقة دون غيرهم بل لأصحاب كلّ فنّ وعلم إن يعرّفوا علمهم ويحدّوا مصطلحاتهم بما يوضّحها ويميّزها عن غيرها خاصّة وأنّهم أعلم بها وأحوج إليها من غيرهم
وخلاصة الانتقادات المتقدمة أن يقال:
1) إدراك الشيء غير متوقف على معرفة حدّه بالضرورة
2) حدّ الشيء ليس هو أهمّ ما فيه
3) حدّ الشيء ليس هو أصله بمعنى أنّه متفرع عنه
4) تعريف الأشياء وحدّها ليس من اختصاص المناطقة دون غيرهم
ولا ضير من الاستعانة ببعض قواعدهم وبعض ضوابطهم في حدِّ حدود يقع فيه اللبس والتداخل من شأنها أن تزيلها وتقرّب فهمها وإدراكها إذا اجتنبت السلبيات المتقدمة ... ولهذا السبب لم ينكر ابن تيمية مطلق حدود المناطقة وإنّما أنكر اعتقاداتهم المتقدمة و تكلّفهم الشديد وتمحّلهم المقيت حيث يقول: (فأمّا الحدود المتكلّفة فليس فيها فائدة لا في العقل ولا في الحسّ ولا في السمع إلاّ ما هو كالأسماء مع التطويل أو ما هو كالتمييز كسائرالصفات...)[8] ويقول الشيخ ابن عثيمين:(إنّ الحدّ لا شكّ أنّه يبيّن في بعض الأحيان , ويوضّح , ولكن ليس لنا أن ندّعي أنّه أصل كلّ علم...)1
وقد جرى العمل عند أهل العلم قديما وحديثا على وضع مثل هذه التعريفات والحدود المنضبطة الموجزة والجامعة المانعة...
ضوابط الحدود وشروطها :
سنذكر في هذا المطلب أهمّ الضوابط والشروط التي وضعوها للتعريفات والحدود حتى تكون موضحة واصفة للمحدود ومميّزة له عن غيره...
1) الإيجاز : وهذا هو المطلوب والمرغوب فيه في الكلام كلـّه والمقصود به أن لا يوجد في التعريف ما يمكن الاستغناء عنه ولا يصرّح فيه بما يمكن إضماره , ولا مانع من الإطناب إذا دعت إليه الضرورة والإطناب هو الزيادة في اللفظ للفائدة لا مجرد الزيادة
2) أن يكون التعريف أوضح من المعرَّف وأظهر منه
3) أن لا يقع في الدور بأن يتوقف فهم التعريف على فهم المعرَّف كتعريف العقيدة بقولك هي أن تعتقد كذا وكذا ففهم العقيدة متوقف على فهم لفظ تعتقد وهذا الأخير متوقف على فهم العقيدة لأنّه من مادته وأصله ويحمل معناه الاصطلاحي المراد بحثه
4) أن لا يجمع بين النقيضين (وهو شرط للكلام كلـّه لا للتعريفات فقط)
5) أن يكون جامعاً أي يجمع جميع أفراد المعرَّف وهو ما يسميه المناطقة بالطرد
6) أن يكون مانعا يمنع التباسه بأفراد غيره وهو الذي يسميه المناطقة بالمنعكس
7) أن يكون قابلاً للانعكاس بحيث تصلح المساواة بين المعرَّف والمعرِّف
8) أن يتناول الماهية لا الأعراض لأنّ الماهية ثابتة والأعراض متغيّرة عرضية زائلة
9) لا يكون سلبياً بأن يعرّف بما ليس هو إلاّ إذا كان الشيء لا يتصور إلاّ بصورة عدمية كتعريف الأعمى بأنّه الذي لا يبصر , ومثل ذلك صنيع السلف مع صفات الله تعالى
10) أن لا تذكر الأحكام في التعريف قالوا لأنك لو ذكرت الحكم في التعريف فيترتب على ذلك ألا يعرف الحكم إلا بمعرفة الشيء ولا يعرف الشيء إلا بمعرفة حكمه فحكم الشيء جزء من تعريفه فيقع فيما يسمى بـ"الدور"
11) الخلوّ من الأخطاء اللفظية
12) الخلوّ من مجاز دون قرينة تدل على مراده
13) الخلوّ من مشترك دون قرينة تدلّ على مراده
14) الخلوّ من الألفاظ الغريبة
هل نحن في حاجة فعلا إلى تعريف التجويد ؟
تعريف التجويد ضرورة لا بدّ منها لأمرين اثنين على الأقلّ :
الأوّلّ : أنّ الدراسة العلمية المنهجية للتجويد كعلم مستقلّ قائم بذاته تقتضي تعريفه تعريفاً يضبطه ويحدّده في ذهن الدارس وفهمه
الثاني : تداخله مع غيره من العلوم يقتضي هذا التعريف وهذا الحدّ الحاجز والمانع من الالتباس والوهم ... فالعامة مثلا ينصرف فهمهم إذا أطلق لفظ التجويد إلى التغني وهو عند بعض الطلبة بمعنى التحقيق قسيم الحدر والتدوير ولا يفرّق أكثرهم بينه وبين القراءة ومثل ذلك يقال عن التلاوة والترتيل والأداء ...
لهذا كان لا بدّ من تعريفٍ لهذا العلم يميّزه عن غيره من العلوم ويكون بمثابة العنوان والمدخل لدارسه وطالبه يعرِّفُه بأهمّ مباحثه ومسائله بأدقّ عبارة ممكنة وأوجزها ...
التجويد في اللغة :[9]
من جاد يجود جُودا فهو جَوادٌ , وجَوَّد بقلب الألف واوا وتعديته بالتضعيف, يُجَوِّدُ تجْويداً فهو مُجَوِّدٌ . أصل الباب أنّه بمعنى إدراك النهاية في الحسن وبلوغ الغاية فيه تقول جاد في شعره إذا أحسن قرضه فهو مجوادٌ فيه وجوّد الخطّ إذا زيّنه وضبطه وهكذا في كلّ شيء بلغ من الحسن الغاية والنهاية ...
ثمّ استعمل في كلّ ما اتّصف بالشدّة والكثرة والمبالغة فيطلق على شدّة المشقّة والنعاس والجوع والعطش وعلى كثرة الدمع والمبالغة في الشوق والهوى والسيادة والسرعة والجمال وغيرها ...
ولأجل هذا المعنى أنكروا مقولة سيبويه (180هـ) " أخذتنا بالجود وفوقه" قالوا إنّما هي مبالغة وتشنيع و إلاّ فليس فوق الجود شيء ...
التجويد في القرآن الكريم [10]:
لم يرد لفظ التجويد بهذه الصياغة في القرآن الكريم ولكن وردت مادة (ج و د) في موضعين اثنين أوّلهما قوله تعالى ﴿واستوت على الجوديّ﴾ [هود 44] اختلفوا في تفسير لفظ الجودي وأشهر ما قيل فيه :
ü هو علمٌ لجبل بالجزيرة أو بالموصل أو بينهما أو في غيرهما على أقوال عدّة ...وهو قول الجمهور وتفسير ابن عباس رضي الله عنه
ü هو صفة للجبل الذي أرست عليه سفينة نوح وليس اسما له وهو ظاهر مذهب من قال أنّه جبل الطور
ü هو اسم يطلق على كلّ جبلٍ ومنه وقول زيد بن عمرو بن نفيل :
سبحانه ثمّ سبحاناً يعود له وقبلنا سبّح الجوديّ والجَمدُ
وسواء أكان علما[11] أو صفة فإنّ ذلك لا يمنع من أن يراد به شيئا من معنى مادته اللغوية (ج و د) القائمة على كمال الإحسان والمبالغة فيه فلا بدّ وأنّه تسمى بهذا الاسم أو وُصِفَ به لهذا المعنى أو لمعنىً قريباً منه أو منقولاً عنه وممّا ذكره المفسرون في هذا الشأن ما يلي:
ü قال الراغب الأصبهاني : "وهو في الأصل منسوب إلى الجود والجود بدل المقتنيات مالاً أو علماً ...اهـ " فالميزة مطلق الجود وهو البدل والعطاء ولعل خدمته لنبيّ الله نوح عليه السلام وتمكين السفينة من الاستقرار عليه ـ واستقرار سفينة على جبل ليس بالشيء الهيّن... ـ لعل في ذلك كلّه من الكرم والسخاء والاستجابة لدعوة الله تعالى ما أوجب تسميته بالجوديّ
ü قال مجاهد : "هو جبل بالجزيرة تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت وتواضع هو لله عزّ وجلّ فلم يغرق " فميزة التواضع لله هي التي رفعته وأوجبت ذكره في كتاب الله وتسميته أو وصفه بالجوديّ
ü قيل هو من جبال الجنّة [12]
ü قال البقاعي 885هـ : "إشارة باسمه إلى أنّ الانتقام العام قد مضى وما بقي إلاّ الجود بالماء والخير والخصب والرحمة العامة ..." اهـ
ففي جميع ما ذكر إشارة إلى أنّ هذه التسمية أو الصفة لميزة في الجبل مستقاة من إحسانه وكرمه وهذا هو معنى الجود والتجويد
ثانيهما قوله تعالى : ﴿الصافنات الجياد ﴾ تعددت أقوال المفسرين في تحديد معنى الجياد ولكنهم اتفقوا على أنّها صفة إحسان وكمالٍ امتازت بها عن باقي الخيل والأفراس[13] ومن هذه الأقوال:
ü الجياد السراع قاله مجاهد
ü ذات أجنحة قاله إبراهيم التميمي
ü وقيل الفرس الجواد هو الذي يجود بمدّخر عدوه[14] أي يبالغ في العدو والجدّ فيه ولا يبخل بكلّ ما عنده من جهد وقوة لأجل تحصيل النهاية والغاية فيه
التجويد في السنّة :
سنخصص هذا المطلب لبحث استعمالات هذا اللفظ بمعناه اللغوي على أن نعود لنفس البحث بالاعتبار الاصطلاحي عند حديثنا عن تاريخ علم التجويد والمراحل التي مرّ بها ـ إن شاء الله تبارك وتعالى ـ
لم ترد في السنّة لفظة (تجويد) ولكن مادة (ج و د) بمعانيها اللغوية المتقدمة كثيرة فيها لعل أبرزها وأكثرها استعمالا ما ورد بمعنى الفرس السريعة التي لا تبخل بمدّخر عدوها وجهدها كما تقدم فمن ذلك [إنّ في الجنّة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها][15] قال ابن حجر في الفتح جاد الفرس إذا صار فائقاً , [ باعَده اللّه من النار سبعين خريفاً للمُضَمِّر المُجِيد ][16] المُجِيد : صاحب الجَوادِ وهو الفَرس السَّابق الجيِّد ومنه حديث الصراط , [ ومنهم من يَمُرّ كأجاويد الخيْل ][17] هي جَمْع أجْوَادٍ وأجْوَادٌ جمع جَواد
و حديث أبي الدرداء رضي اللّه عنه [ التسْبيح أفْضَل من الحَمْل على عشرين جوَاداً ] وحديث سليمان بن صُرَد [ فسِرْت إليه جَواداً ] أي سريعا كالفَرس الجَواد . ويَجُوز أن يُريد سَيْرا جَواداً كما يقال سِرْنا عُقْبةً جَواداً : أي بعيدة
كما وردت كثيرا بمعنى السخاء والكرم ومنه حديث ابن عباس المشهور [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود النّاس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبيرل][18] ولأنس رضي الله عنه [كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ][19]
و وردت بمعنى المطر الغزير في حديث الاستسقاء المشهور[ ولم يأت أحَدٌ من ناحية إلا حَدّث بالجَوْد ][20] يقال : جادَهم المطر يجودهم جَوْداً ومنه الحديث [ تركْتُ أهلَ مكة وقد جِيدُوا ] أي مُطِرُوا مَطَراً جَوْداً
ووردت في وصف من كان في النَّزْع وسِيَاق الموْت [ فإذا ابنهُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام يَجُود بنفسه ][21] أي يُخْرِجُها ويَدْفَعُها كما يَدْفَع الإنسان ماله يَجُودُ به . [22]
التجويد في الاصطلاح :
غاية هذا المبحث وهدفه هو الوصول إلى تعريف موجز دقيق يحدّ هذا العلم بجمع مباحثه ومسائله وبفصله وتمييزه عن غيره من الفنون والعلوم ...وذلك من خلال الوقوف على عشرات التعريفات المتعلقة بعلم التجويد والتنقيب عنها في أمهات الكتب المعتمدة ,القديمة منها والحديثة ودراستها دراسة تحليلية ومقارنة للوقوف على سلبياتها للتّجنب والتخلّي وإيجابياتها للاعتماد والتبنّي...
لكن قبل ذلك ينبغي أن نسجّل ملاحظات مهمة تتعلق بهذه التعريفات :
1) قد تجد للكاتب الواحد عدّة تعريفات للتجويد ولعل ذلك يرجع لأسباب شتـّى أهمّها:
ü نقله لتعريفات غيره , فينقل ها هنا تعريفا من مصدر معيّن وهنالك تعريفا آخر من مصدر مغايرٍ
ü تختلف التعريفات باختلاف المواضع أو باختلاف أسباب التعريف فالتعريفُ في موضع بيان فضل التجويد غيرُه حين يراد بيان حدّه أو تمييزه ...
ü قد ينقل الكاتب التعريف ثمّ ينقل في مواطن أخرى أوصافا للتجويد قريبة من التعريف فلا يتميّز التعريف من التوصيف خاصة إذا كان في تعريفه شيء من التوسّع
2) العديد من الكتاب لم يلزموا أنفسهم بحدود وضوابط المناطقة لذا تجدهم يتوسعون في تعريفاتهم ويطنبون في عباراتهم فتراهم مثلا يعددون أوصاف التجويد وأحكامه في تعريفاتهم حتى يلتبس الأمر بين التعريفات والأوصاف
3) ولهذه الأسباب كلـّها سننقل كلّ ما يظهر للوهلة الأولى أنّه تعريف للتجويد كأن يقول المؤلف : (التجويد هو كذا وكذا ..) أو (تعريف التجويد...) أو (التجويد عند العلماء...) أو (وحقيقة التجويد...) وغيرها من الألفاظ المشابهة , سننقلها جميعا حتّى وإن كثرت وتعددت ...
أوّلا : نقد التعريفات وبيان السلبيات التي يجب تجنبها
1. نقل المعنى اللغوي إلى التعريف الاصطلاحي : بعض الكُتّاب يكتفون بنقل التعريف اللغوي ولا يضيفون له شيئا كما فعل القسطلاني في اللآلئ السنية[23] :"انتهاء الغاية في التصحيح وبلوغ الغاية في التحسين" وفي شرح ابن الناظم[24] التجويد هو "انتهاء الغاية في إتقانه وبلوغ النهاية في تحسينه" وبنفس الألفاظ عرّفه عبد الدايم الأزهري[25] في الطرازات وتلميذه زين الدين خالد الأزهري[26] في الحواشي من شروح الجزرية ويبدو أنّهم أخذوه عن شيخهم الأوّل المحقّق ابن الجزري فقد ذكره في التمهيد[27] وفي النشر[28] ومن المعاصرين الذين ذكروا هذا التعريف أحمد بن محمد الطويل في تيسير علم التجويد[29]
ولعل من أبرز المؤاخذات على مثل هذه التعريفات أنّها غير قاصرة على التجويد المعروف والمخصوص بل تعمّ كلّ شيء بُلِغ في تصحيحه النهاية وفي تحسينه الغاية سواء أكان قراءة أو كتابة أو خطابة أو قرضا للشعر أو سياقة أو رياضة...إلخ ...
ثمّ إنّ العرف في المناهج العلمية أن لا ينطبق التعريف اللغوي بالتعريف الاصطلاحي كلّ الانطباق بل يتباينان كلـّيا أو جزئيا , ولعل أبرز وأكثر وأشهر ما يجمع بينهما في حالة التطابق الجزئي أن يكون التعريف الاصطلاحي أخصّ من اللغوي بأن يمثل أحد أفراده أو بعض جوانبه وأجزائه ...
2. تداخل التجويد مع غيره من العلوم ؛ وبخاصة علم القراءات و فنّ التغني : سواء كان ذلك بسبب ألفاظ عامة تجمع بين علمي القراءة والتجويد كقولهم "علم يُعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية"[30] فالنطق بالكلمات القرآنية لفظ عام يشمل نقل كلّ ما ورد فيها من الخلاف في كيفية النطق ونسبته إلى أصحابه وهذا من علم القراءة كقولك قرأ عاصم بالفتح ونافع بالضمّ أو قرأ ابن كثير بالخطاب والكسائي بالغيب وهكذا... كما يشمل الكيفية باعتبار صفات الحروف اللازمة والعارضة وهذا من علم التجويد وقد يكون سبب اللبس في تصريح بعضهم في تعريف التجويد بقراءة الأئمة أو ببعض المسائل المشتركة بين العلمين أو الخاصة بالقراءة دون التجويد ومن أبرز الأمثلة على ذلك تعريف الهذلي عليه رحمة الله حيث يقول : "فأما تجويد الحروف فمعرفة ألفاظها وقراءتها وأصولها وفروعها وحدودها وحقوقها وقطعها ووصلها ومدّها وحدرها وتحقيقها وترسّلها وترتيلها ومذاهب القراء فيها وهو حلية التلاوة وزينة القراءة"[31] ومثله تعريف الأستاذ فرغلي من المعاصرين "التجويد إنّما هو وصف للقراءة النبوية التي ورد ضبطها وحفظها من طريق أئمة القراءة كنافع وعاصم والكسائي وغيرهم ..."[32] وكثيرا ما تجد في عناوين الكتب الحديثة قولهم (أحكام التجويد على رواية حفص أو على رواية ورش ...)[33] وبعضهم يجمع في الكتاب الواحد بين التجويد والقراءة لا يفرّق بينهما[34] كلّ ذلك سهّل وساعد على وقوع اللبس بين العلمين وانتشاره بين خاصة طلبة العلم فضلا عن عامة الناس ...
ü ولعل عذر هؤلاء الأئمة أنّ علم التجويد كان في أوّل عهده جزءا وفرعا من علم القراءة كما نصّ على ذلك في أبجد العلوم حيث ذكر علم القراءة أوّل العلوم الشرعية ثم قال :"ومن فروعه علم مخارج الحروف"[35] وفي معجم علوم القرآن "والتجويد فرع من فروع القراءات القرآنية , ولذا لم يخل مصنف من مصنفات القراءات من ذكر بعض متعلقات التجويد وبيان أحكامه ..."[36]
ü ثمّ إنّ التداخل الكبير بين العلمين من حيث المادة المدروسة (نطق الكلمات القرآنية) وكثرة المسائل المشتركة (الصفات العارضة على وجه الخصوص كالمدّ والقصر والتفخيم والترقيق والإمالة والفتح ...) كلّ ذلك سهّل اللبس والخلط بين العلمين
ü كون المشتغلين بالقراءات والمصنفين فيها هم في الغالب الأعمّ ذاتهم المشتغلين بالتجويد والمصنفين فيه زاد من اللبس والخلط بين العلمين
لكن لا ينبغي أن نغفل أنّ بعض العلماء قد يتعمد الجمع بين العلمين لا لجهله بتمايزهما ولكن لنكتة يقصدها أو فائدة يريدها كما فعل الأستاذ المحقق فرغلي سيد عرباوي لما جمع بينهما في التعريف المتقدم فإنّه إنّما أراد الاستدلال على وجوب الأخذ بالتجويد بوجوب القراءات لأنّهما متلازمان لا يمكن الفصل بينهما لذا قال : "...وهؤلاء الكرام قد نقلوا حروف القرآن [القراءات] وكيفية نطق هذه الحروف أي: التجويد , وهما أمران متلازمان لا يمكن أن ينفكّ احدهما عن الآخر, فمن قَبِلَ عنهم نقل الحروف [القراءات] , لزمه أن يقبل عنهم نقل الأداء أي التجويد"[37]
وممّا يؤكد التداخل واللبس بين العلمين [من جهة التعريفات] تعريف علم القراءات الذي لا يكاد يختلف عن تعريف التجويد فهو عندهم (علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوا لناقله)[38] فكلا العلمين يهتم بكيفية أداء كلمات القرآن ويختلفان في كون التجويد إنّما يهتم بها من حيث إعطاء الحروف حقّها ومستحقّها ـ كما سيأتي ـ بينما يهتم علم القراءات بها من حيث بيان الخلاف فيها معزوا لأصحابه ...
أما التعريفات التي فيها تداخلا بين التجويد والتغني فمنها ما هو صريح في ذلك كتعريف محمد عبد المنعم صاحب الروضة الندية حيث يقول[39] :"هو إعطاء الحروف حقّها في النطق بها على أتمّ وجه ...[إلى أن يقول] ...وأيضا تحسين الصوت بالتلاوة إن أمكن" وأكثر هذا التداخل إنّما يقع في التعريفات بسبب تلك العبارة الجميلة والمشهورة التي نقلها جلّ من كتب في علم التجويد ألا وهي (حلية الأداء وزينة القراءة) واستعملها الكثيرون في تعريف التجويد
قبل مواصلة تحليل التعريفات والانتقال إلى سلبيات أخرى نقف على نقاط موجزة نفرّق بها بين علم التجويد وفنّ التغني بالقرآن الكريم ...
ü التغني متعلق بطبع الإنسان ولا يمكن تحصيله إلاّ إذا حباه الله تعالى بشيء من حسن الصوت ولطافته ... بينما التجويد أحكام تُتعلم وأداء يُتلقى يبلغ فيه القارئ الذروة بالرياضة والتطبيق المستمر حتى ولو لم يكن ذا صوت عذب شجيّ
ü التغني مُفتقر للتجويد فلا يعدّ تغنيا حسنا صالحا إذا خلا من التجويد , ولا يفتقر التجويد للتغني
ü التغني مستحب والتجويد واجب كما سيأتي إن شاء الله
ü التغني إنّما يتمّ ببعض القرآن كحروف المدّ والغنن ونبر الصوت وهيئته من رفع وخفض وقوة وضعف ...بينما التجويد يطال جميع حروف القرآن دون أن يكون له علاقة بصفة الصوت وهيئته باعتبار القوة والضعف ونحو ذلك ...والله أعلم...
3. التوسع في أوصافه وذكر أحكامه : فقد استغرق تعريف الشيخ محمد مصطفى بلال في هداية الطالبين[40] للتجويد بقسميه العلمي والعملي[41] حوالي ستّة عشرة سطراً ؛ أكثر من مائة كلمة فهو أقرب إلى البيان والوصف منه إلى التعريف والضبط ولولا صنيعه وطريقة تقديمه التي لا يُفْهم منها إلاّ أنّه أراد تعريفه لما ذكرناه ها هنا ؛ فقد عرّفه في اللغة ثمّ قال :"أما في اصطلاح القراء فهو قسمان : الأوّل:معرفة القواعد التي وضعها علماء التجويد وأئمة القراء من مخارج الحروف وصفاتها وبيان المثلين والمتقاربين والمتجانسين وأحكام النون الساكنة والتنوين وأحكام الميم الساكنة والمدّ وأقسامه وأحكامه ...." كلّ ذلك تحت عنوان جانبي (تعريفه) ومثله ما جاء في مذكرة الشيخ شراطي عليه رحمة الله : "هو قراءة القرآن بتمهّلٍ وإعطاء كلّ حرفٍ حقّه من إشباعِ المدّ وتوفيّة الغنّات وتحقيق الهمزة وتبيين الحروف واعتماد الإظهار والتشديدات"[42] ومثله تعريف شيخ الإسلام زكريا الأنصاري[43] "هو إعطاء الحروف حقّها من صفة لازمة لها من همس وشدّة ورخاوة ونحوها ممّا مرّ وإعطاؤها مستحقها ممّا ينشأ عن الصفات المذكورة كترقيق المستفل وتفخيم المستعلي ونحوها ..." وأشدّ من ذلك تعريف الهذلي رحمه الله "فأمّا تجويد الحروف فمعرفة ألفاظها وقراءتها وأصولها وفروعها وحدودها وحقوقها وقطعها ووصلها ومدّها وحدرها وتحقيقها وترسيلها وترتيلها ومذاهب القراء فيها وهو حلية التلاوة وزينة القراءة"[44] وفي كشف الظنون "وهو علم باحث عن تحسين تلاوة القرآن العظيم من جهة مخارج الحروف وصفاتها وترتيل النظم المبين بإعطاء حقها من الوصل والقف والمد والقصر والادغام والاظهار والاخفاء والامالة والتحقيق والنفخيم والترقيق والتشديد والتخفيف والقلب والتسهيل الى غير ذلك"[45]
فقد جمعت هذه التعريفات بين عيوب عدّة وسلبيات شتّى أهمّها:
ü ليست التعريفات ـ في عرف المصنفين ـ محلاًّ لذكر أحكامِ ومسائل العلوم فقد جعلوا لها بابا خاصا بها هو أهم الأبواب وأعظمها من حيث الأهمية والاهتمام الحجم ...
ü كان يمكن الاستغناء عن هذا التوسع والاسترسال في ذكر أحكام ومسائل التجويد بالإشارة إلى أصولها فقط ولنمثِّلْ لكيفية اجتنابه بما يلي:
· أحكام مثل : تبيين الحروف , المثلين , المتقاربين , المتجانسين ...يمكن الاستغناء عنها بذكر اصطلاح (مخرج الحرف)
· أحكام مثل : الرخاوة , الهمس , الشدّة , الاستفال , الاستعلاء , الغنّات ... يمكن الاستغناء عنها بذكر اصطلاح (حقّ الحرف) وهو ما يلزمه من الصفات
· أحكام مثل: القصر والمدّ , الفتح والإمالة , التخفيف والتشديد , الترقيق والتفخيم , الإطهار والإدغام , أحكام النون الساكنة , أحكام الميم الساكنة , التحقيق والتسهيل ... يمكن الاستغناء عنها بذكر اصطلاح (مستحقّ الحرف) وهو ما يعرض له من الصفات
ü ومن أوجه إنكار المناطقة ذكر الأحكام في التعريفات أنّه يوقِعُ صاحبه في الدور وهو باطل لأنّه تعليل الشيء بما هو علة له أصلا بمعنى أنّ هذا ينبني على هذا وهذا ينبني على هذا ... ووجهه ها هنا أنّ ذكر الأحكام في التعريف يترتب عليه أن لا تُعرف هذه الأحكام إلاّ بمعرفة المعرَّف أي التجويد لأنّ حكم الشيء فرع عن تصوره كما يترتب عليه أن لا يُعرف التجويد (المعرَّف) إلاّ بمعرفة أحكامه (المعرِّف) لأنّها جزء من تعريفه ...
4. التطويل والاسترسال: إذا كانت السلبية المتقدمة التوسع في ذكر أوصاف التجويد وأحكامه ومباحثه للفائدة أو للتمثيل فإنّ العيب ها هنا أنّ هذا التوسع لا فائدة فيه بل هو تكرارُ مفردات مملٌ وسردٌ لمرادفات مخلٌ أو ذكرٌ لمباحث بعدية ومسائلة غريبة عن المقام فمن ذلك :
ü ذكر الأصل والمخرج والحيّز في ذات التعريف : يقصد بهذه الألفاظ موضع خروج الحرف فهي بمعنىً واحدٍ يُستغنى بذكر لفظٍ منها عن ذكر غيره في نفس التعريف[46] بل وصل الأمر في بعض التعريفات أن يتكرر المصطلح الواحد مرتين كما فعل عبد الدائم الأزهري حين كرّر لفظة مخرج [47]
ü ردّ الحرف إلى نظيره وشكله ومثيله : المقصود توحيد التلفظ بالحرف الواحد فلا يتغير من موضع لآخر لأنّ اللفظ هو هو ...فيقال يردّ إلى نظيره أو شكله أو مثله ولا يجمع بين هذه الألفظ في التعريف الواحد لأنّها بمعنى واحد[48] والعيب كلّ العيب أن تجد في كتاب متخصص في القراءة والتجويد أوّلا وفي التعريفات ثانيا مثل هذه العيوب كمثل قوله: (...وردّ الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره وشكله...)[49] فإنّ قوله (من حروف المعجم) و(أصله ) و(شكله) كلّ ذلك ألفاظ زائدة لا فائدة فيها إذ يمكن الاستغناء عنها بقوله (ردّ الحرف إلى مخرجه وإلحاقه بنظيره) وتتخلّص العبارة من نصف ألفاظها الزائدة والله أعلم
ü الغاية والنهاية والإتقان والإحسان ؛ حتى وإن كانت هذه الألفاظ من جهة دلالتها اللغوية مختلفة فإنّ دلالة الغاية والانتهاء في الاصطلاح واحد وكذلك الإتقان والإحسان فلا ينبغي تكرارها تكرارا لا فائدة فيه سوى سجعها وجرسها... فانظر إلى قولهم :"انتهاء الغاية في إتقانه وبلوغ النهاية في تحسينه"[50] ألم يكن يكفي قوله "بلوغ النهاية في تحسينه" فيتخلص من تكرار مادة (النهاية) مرتين ومن لفظة (إتقانه) المرادفة لـ (تحسينه) ويتقلّص التعريف إلى أقلّ من النصف
ü قولهم بعد شطر من تعريفه : على كمال هيئته[51] أو على حال صفتها وهيئتها...[52] ونحوها من العبارات والأوصاف التي هي بمثابة مؤكدات لما قبلها فإعطاء الحرف حقّه ومستحقّه هو كمال هيئته وحقّ الحرف وترتيبه ومخرجه وإلحاقه بنظيره وإشباعه والتلطّف به كلّ ذلك من صفتها وهيئتها فلم الإعادة والتكرار والتأكيد حيث لا مقام للتأكيد ولا مناسبة له ...
ü وبعضهم يذكر في التعريف ما لا يناسبه ولا ينبغي ذكره لبعده عن تعريف التجويد وحدّه كذكرهم الإسراف والتعسّف والإفراط والتكلّف... ولّها ألفاظ يقصد بها عدّم التكلّف الذي يؤخذ من مفهوم إقامة الحروف وتصحيحها[53]
ü ومثل ذلك كلامهم على طريقة أخذ التجويد وتعلمه في صلب التعريف كقول أحدهم: "...بحيث يصير ذلك سجيّة يأخذ ذلك من مشايخ الفنّ المعتبرين بعد الإحاطة بما يتوقف عليه ذلك."[54]
5. هو قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلـّم : في نسبة التجويد للنبي صلى الله عليه وسلم شيء من اللبس , ذلك أنّه يوهم أنّ هذا العلم من إحداثه واختلااعه صلى الله عليه وسلم أو أنّه ممّا أوحي به إليه عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أو قد يتوهم سامع مثل هذه العبارات أنّه صلى الله عليه وسلم هو المجوّد دون سواه ممّن كان قبله أو معه والحقيقة أنّ التجويد هو قراءته صلى الله عليه وسلم وقراءة أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وهو طبيعة كلام العربي قبل الإسلام فحاتم وامرؤ القيس والنابغة وغيرهم كانوا لا يتكلمون العربية إلاّ مجوّدة الألفاظ مصححة الحروف متقنة الأداء ...
6. ذكر محظوراته : الأصل أن يُعرّف الشيء بما فيه إلاّ إذا استحالت وامتنعت معرفته بذلك عرِّف بذكر عكسه ونقيضه , أمّا أن يلجأ ابتداء إلى التعريف بعكسه وممتنعاته وكلّ ما لا ينبغي أن يدخل فيه فهو عيب في التعريف خاصة وأن تعريف التجويد بما فيه ممكن ومتأتٍ ومن أمثلة هذه التعريفات : "الإتيان بالقراءة بريئة من الزيادة والنقصان"[55] ..."من غير [دون] إسراف ولا تعسّف ولا إفراط ولا تكلّف"[56] "دون تفاوت ولا تكلّف"[57] ..."عارية [بريئة] عن الرداءة في النطق"[58]
7. قصور في التعريف بحيث لا يرقى بألفاظه وعبارته إلى تعين التجويد وتحديده : كقول الشيخ عبد الدائم الأزهري :" غاية التحرير والإحكام للقراءة"[59] وعرّف التحرير بقوله: "التحقيق للشيء والإتقان له من غير زيادة ولا نقصان"[60] أو قول خالد الأزهري "إتقانها [أي القراءة] والإتيان بها بريئة من الزيادة والنقص"[61] وقريب من ذلك تعريف الحسن بن قاسم المرادي المراكشي "هو إحكام القراءة وإتقانها"[62] ...فهذه التعريفات وغيرها ناقصة قاصرة عن حدّ التجويد وعنونة مسائله ...فهي عامّة تشمل التجويد وغيره من العلوم المتعلقة بالقراءة إذْ لم تبيّن متعلق هذه القراءة حتى يكون فرقانا بين التجويد وغيره من العلوم القرآنية ولكي تتبيّن من خلاله (متعلق التجويد والإحسان والإتقان) أصول مسائله ومباحثه فهل هو نقل القراءة أم ضبطها أو هو حفظها أو تصحيح حروفها؟ ...
8. الوقوع في الدور : تقدم تعريف الدور , وهو أن يتوقف معرفة المعرَّف على معرفة المعرِّف كما تتوقف في نفس الوقت معرفة المعرٍّف على معرفة المعرَّف وهو حاصل في بعض التعريفات من جهتين اثنين
ü الأولى: أن توجد في تعريف التجويد ألفاظ من مشتقاته ومادته اللغوية كنحو قولهم: "هو عبارة عن الإتيان بالقراءة مجودة الألفاظ بريئة من الرداءة"[63] أو كقولهم :"تلاوة القرآن الكريم تلاوة مجوّدة كما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم"[64] ووجه الدور ها هنا ظاهر إذ كيف يتوقف معرفة التجويد على تعريفٍ فيه التجويد فيصير معرفة المعرَّف متوقفة على معرفة المعرِّف ومعرفة المعرِّف متوقفة على معرفة المعرَّف ...
ü الثانية : ذكر أحكام التجويد وتعداد مسائله ومباحثه يوقعنا في الدور كما تقدم بيانه قريباً
9. إدخال فيه ما ليس منه: وهو كثير سواء ما ليس من التجويد أصلاً أو بعض جزئياته ومباحثه التي لها أبوابها الخاصة التي تذكر فيها ولا ينبغي أن تَرِدَ في التعريف ولعل هذه الزيادات والإقحامات ـ إذا صحّ التعبير ـ ما يلي:
ü كلّ ما له علاقة بالتغني وقد تقدم قول محمد محمود عبد المنعم في الروضة الندية لما ذكر في آخر تعريفه "تحسين الصوت بالتلاوة إن أمكن"[65]
ü كلّ ما له علاقة بالقراءات وقد تقدّم الحديث عن بعض التعريفات التي فيها شيء من الخلط بين القراءة والتجويد ونظيف ها هنا تعريف أحمد الطويل حيث يقول: "التجويد أحكام عامة وقواعد كلّية وأصول مطردة وقدر مشترك متّفق عليه بين القراء"[66] ما يهمّنا ها هنا هو قوله : "قدر مشترك متفق عليه بين القراء" فنقول : نعم إنّ التجويد قدرٌ مشترك بين القراء وهذا هو سبب إنكارنا ـ المتقدم ـ لمن زعم ألّف في التجويد على رواية من الروايات أو قراءة من القراءات ولكن هذا التعريف أو هذه العبارة لا تحدّ التجويد لا من حيث الجمع (الطرد) ولا من حيث المنع (العكس) فهي تُشركه مع غيره وتدخل فيه ما ليس منه فيشترك معه غيره وذلك لأمور
· الأوّل: لأنّ التجويد ليس هو القدر الوحيد المشترك بين القراء فإنّ ما يشترك فيه القراء ويتفقوا عليه أكبر بكثير من مجرد التجويد وعلى رأس ما يشتركون فيه نقل أحرف القرآن ؛ فالخلاف فيه بالنسبة إلى المتفق عليه بينهم قليل جدّاً...
· الثاني : ليس التجويد هو القدر المشترك بين القراء فقط بل العرب كلّها مجتمعة عليه فهو طبيعة لغاتهم وسجية أصواتهم ...
· الثالث : قولنا أنّ التجويد هو قدر مشترك بين القراء خاصة وبين العرب عامة من جهة مراعاته في جميع قراءتهم وكلامهم وإلاّ فإنّ الخلاف بينهم في مباحثه ومسائله واقع وذلك بسبب تعدد أحرف القرآن وتنوع لهجات العرب ...
ü ذكرهم لطريقة تعلّمه وأخذه ؛ فمن ذلك قول عبد الدائم الأزهري: "...بأخذ ذلك عن مشايخ الفنّ المعتبرين ..."[67] وليس التعريف بالمكان اللائق لذكر مثل هذه المسائل والله أعلم
ü ذكر أساليب التجويد كالحدر والتحقيق والترسل والترتيل والتدوير ونحو ذلك ممّا سيأتي بيانه إن شاء الله ...انظر فيه على سبيل المثال تعريف الهذلي[68] رحمه الله
ü ذكر أوصافه وفضائله كما فعل الهذلي نفسه حين ختم تعريفه بقوله:"وهو حلية التلاوة وزينة القراءة"[69] وتبعه على ابن الجزري في النشر وفي الجزرية
ü ذكر محظوراته وما ينبغي تجنبه كالرداءة والتفاوت والتعسّف والتكلّف والإفراط والإسراف ... وغيرها ممّا سبق بيانه في محلّه
ü اشتراط التواتر في نقله كما صنع أحمد الطويل في تيسير علم التجويد[70] حيث قال: "علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية وفق ما نقل إلينا بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..."
ü ذكر أقسامه وأنواعه منن تجويد علمي وعملي إذ المقصود ها هنا هو الأوّل لأنّ الثاني ملكة وسجية يتوصل إليها القارئ من خلال الوقوف على هذا العلم أوّلا والتلقي عن شيوخه ثانيا , وانظر مثالا لذلك تعريف محمد مصطفى بلال[71]
ü ذكر بعضهم أن يصير التجويد سجيّة كما فعل عبد الدائم الأزهري[72]
ü اشتراطهم النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , انظر تعريف أحمد الطويل[73] والأستاذ فرغلي[74]
وكما هو ظاهر من خلال هذه النماذج التي ذكرناها وقصدنا بها تعداد بعض ما لا ينبغي ذكره في تعريف التجويد فإن جزءا منها ليس من التجويد أصلاً كالقراءات والتغني والجزء الآخر من مباحثه مسائله لكنّه ممّا لا ينبغي ذكره في التعريف لأنّ له بابه وموضعه الخاص به والله أعلم بالحقّ والصواب ...
10. وقد تحتوي بعض التعريفات على معلومات خاطئة ـ والله أعلم ـ فمن ذلك
ü إطلاق اصطلاح الحقّ على صفة الحرف وما يترتّب عليها[75] والصواب أنّ الحقّ ما يلزم الحرف من الصفات وما يعرض له أو يترتب عن الصفات اللازمة مستحق كما سيأتي بيانه في محلّه إن شاء الله ...
ü نسبة التجويد إلى قارئ أو راوٍ معيّنٍ[76] وقد تقدّم الحديث عن هذه المسألة
ü ما ذكره بعضهم من أنّ التجويد أحكام عامة وقواعد مطردة[77] والمتتبع لمسائل التجويد ليست دائما أحكاما عامة بل بعضها مفردة كثل {تامننا} في سورة يوسف وليست كلّها مطردة بل الاستثناء فيه كثير ...
... وغير ذلك ممّا لا يسلم منه أحد إلاّ المعصوم صلى الله عليه وسلّم ...
ثانيا : بيان الأوصاف التي ينبغي ذكرها في التعريف
سنحاول في هذا المبحث تتبع جميع تعريفات العلماء التي وقفنا عليها لندرس كلّ ما جاء فيها من الأوصاف ما يصلح أن يكون مُمَيّزا للتجويد عن غيره من العلوم وما لا يصلح لذلك يصلح لأن يكون بيانا لمجمل مباحثه ومسائله وما لا يصلح لذلك... لننتهي في آخر المطاف إلى اختيار تعريف يكون الأصلح والأفضل فيما وذلك بواسطة أسلوب منهجي يستعمله علماء الأصول في البحث عن علل الأحكام هو أسلوب السبر والتقسيم[78] فتتبع جميع الأوصاف المذكورة في التعريفات هوالتقسيم ويشترط فيه شرطان :
ü الأوّل : أن تتردد هذه الأوصاف باعتبار صلاحيتها للتعريف بين التسليم والمنع وبين القبول والردّ
ü الثاني : أن تشمل العملية وتحصر جميع الأوصاف والأقسام...
و إبطال ما لا يصلح للتعريف هو السبر ويكون بطريقتين اثنين:
ü الأولى : بوجود الوصف في غير التجويد
ü الثانية : أن لا يكون الوصف من أركان التجويد الذي لا يقوم إلاّ به (حتى ولو كان من مباحثه ومسائله ولكن ليس من أركانه التي لا يتصور التجويد بدونه فلن نذكره فيه)[79]
ü ونظيف طريقة أخرى ليست في حقيقة الأمر إلغاء لبعض الأوصاف وإنّما هي إدراجها في أوصاف أخرى تغنينا عن ذكرها ...
وبهذه الطريقة المحكمة يمكننا أن نتوصل إلى تعريف يجمع كلّ ما ذكره علماء التجويد ـ ممّا يصلح أن يذكر فيه ـ ويغنينا عن التكرار وعن التوسع والترسل وعن الإخلال بشيء من أركانه التي لا ينبغي ترك ذكرها والإشارة إليها...
فهذه أهمّ الأوصاف والمصطلحات التي وردت في تعريفات أهل العلم والاختصاص ...ولن أثقل على القارئ بإعادة ذكر المراجع والمصادر في كلّ مرة خاصة عند التعرض للأوصاف التي تكثر في تعريفاتهم ولن أذكر منها إلاّ ما يقل اعتباره أو وروده :
1) الحرف : للحرف تعريفات عدّة لعلّ أدقّها قولهم (هو صوت معتمد على مقطع محقّق)[80] والقصد بالمقطع المحقق جزءا وموضعا من آليات التصويت كالحلق واللسان والشفتين... وقد يطلق الحرف في اصطلاحهم ويقصد به الكلمة القرآنية المختلف فيها كقول الشاطبي رحمه الله :
"ومن بعد ذكري الحرف أسمي رجاله" قال ابن القاصح أحد شراح الشاطبية :"المراد بالحرف هنا ما وقع الاختلاف فيه بين القراء من كلم القرآن, سواء كان حرفاً في اصطلاح النحويين أو اسماً أو فعلاً"[81] كما يطلق ويقصد به القراءة كقول مكي رحمه الله :"فأما قول الناس قرأ فلان بالأحرف السبعة , فمعناه أنّ قراءة كلّ إمام تسمى حرفاً , كما يقال: قرأ بحرف نافع وبحرف أبيّ وبحرف ابن مسعود , وكذلك قراءة كلّ إمام تسمى حرفاً"[82]
ولا تكاد تجد تعريفا واحدا من تعريفاتهم يخلو من إشارة وذكر للحرف بمعناه الأوّل المتبادر للذهن عند الإطلاق ولعلّ سبب ذلك أنّ التجويد علم يهتمّ بالظاهرة الصوتية في الكلام دون الصرفية أو الدلالية أو الصورية أو غيرها من الظواهر ...فاهتمّ واعتنى بأصغر وحدة صوتية ألا وهي الحرف , وفي اعتنائه بالأصغر اعتناء بالأكبر كذلك من باب أولى ومن باب كون ما فوق الحرف كلمةً كان أو جملة ما هو إلاّ تركيب من عدد من الحروف لا غير ...
يقول الدكتور أيمن رشدي سويد حفظه الله :"...إنّ القرآن العظيم بناء شامخٌ يتألّفُ من سور, والسورة تتكون من آيات , والآية تتشكلّ على الأغلب من جمل , والجملة من كلمات و والكلمة من حروف. فأصغرُ وِحدة بنائية في القرآن العظيم هي الحرفُ , مِن هنا توجّهت عناية علمائنا إلى دراسة الحروف التي تتألّف منها لغة العرب من حيثُ أماكنُ خروجها وصفاتُ كلّ حرف منها, سواء كانت تلك الصفات للحرف مفردا أو مجتمعا مع غيره . بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك , فضبطوا لنا أزمنة الحروف على الصفة المتلقاة من الحضرة النبوية الأفصحية سواء في ذلك المدود في حروفها و الغنن في ميماتها ونوناتها. "[83]
لهذا كلّه لا ينبغي لتعريف التجويد أن يخلو من هذا العنصر المهمّ والذي لا يمكننا تصور التجويد دونه
2) المخرج: "اسم لمكان خروج الحرف , فهو الحيّز المولّد للحرف"[84] أو المكان الذي ينقطع فيه الصوت عند النطق بالحرف .
جلّ التعريفات ذكرته إلى جانب الصفات لأنّ ذات الحرف ـ مادة التجويد ـ لا تقوم إلاّ بهما
3) الصفات : هي كيفيات تعرض للحرف عند حصوله في المخرج[85] أو هي "عوارض تعرض للأصوات الواقعة في الحرف من الجهر والرخاوة والهمس والشدّة وأمثال ذلك[86] بعض هده الصفات لازمة في الحرف لا يصحّ التلفظ به إلاّ متحلٍّ بها وبعضها الآخر يتصف بها في أحوالٍ دون أخرى بحسب موقعه وتركيبه وشكله ...
4) الحقّ : حقّ الحرف هو ما يلزمه في كلّ أحواله ولا يُتلفظ به صحيحا مجودا إلاّ به , جمهور علماء التجويد قصروا الحقّ على صفات الحرف اللازمة وأدرج بعضهم[87] مخرجه فيه لأنّه من حقوق الحرف التي لا تبرحه ولا تقوم ذاته إلاّ به
فذكر الحقّ في التعريف يغنينا عن ذكر المخرج وجزءا من الصفات...
5) المستحق : هي الصفات العارضة المترتبة عن الصفات اللازمة كالترقيق المترتب عن الاستفال والتفخيم والتغليظ المترتبين عن الاستعلاء أو المترتبة عن التركيب كالمدّ والقصر والهمز والتسهيل أو أحوال تعرض للحرف بسبب شكله كالإمالة والفتح أو موقعه كالوقف والابتداء ونحو ذلك...وذكر المستحقّ في التعريف يغنينا عن ذكر باقي الصفات التي لم يشملها ذكر الحقّ كما تغنينا عن التوسع في التمثيل بأحكام التجويد ومسائله كالمدّ والقصر والتحقيق والتسهيل والوقف والابتداء وغيرها ممّا ورد في كثيرٍ من تعريفاتهم والتي سبق التمثيل ببعضها ...[88]
6) الأصل : أصل الشيء ما ينبني عليه أو مبدأه ومنطلقه والمقصود به ها هنا مخرج الحرف ذكره ابن الجزري عليه رحمة الله في مقدمته بابِ التجويد : (وردّ كلّ واحدٍ لأصله) وأجمع الشراح على أنّ المقصود بالأصل ها هنا هو المخرج[89]
وذكر الحقّ في التعريف يشمله ويغنينا عن ذكره كما أغنانا عن ذكر المخرج
7) الحيّز : المقصود به المخرج كذلك وهو الحيّز الذي يتولّد فيه الحرف كما تقدّم ... واصطلاح الحقّ يشمله فلا داعي لذكره
8) ما تستحقه الصفات : المقصود به ما يترتب عليها من الصفات العارضة كالتفخيم والترقيق والمدّ والقصر ونحو ذلك ممّا يصطلح عليه أهل الاختصاص بمستحقّ الحرف وقد تقدم
9) التمهّل: استوحاه من ذكره في تعريفه من الترتيل الذي ورد الأمر به في القرآن الكريم والمقصود به التتابع والتمهلّ وتصحيح الحروف والتدبّر والعمل ...إلى غير ذلك من المعاني التي سيأتي بيانها في بابها ومقامها ...
والتمهّل والتجويد أمران منفصلان غير متلازمان حتى نعرّف أحدهما بالآخر فالتجويد هيئة تشترط في القراءة كلّها سواء كانت بالتّمهل (التحقيق) أو بالتّرسل (الحدر) وقد يوجد التمهلّ بلا تجويد كما لا يخفى على ذي لبّ وكما هو شائع في قراءة عموم النّاس
10) عدم التكلّف : هي صفة سلبية لا يلجأ إليها في التعريفات إلاّ إذا تعذر تعريف التجويد بما فيه , وبما أنّ ذلك متأتٍ فلا موجب لاستعماله , هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنّ تصحيح الحرف وتجويده لا يكون في ابتداء الطلب إلاّ بشيء من التكلّف سرعان ما يزول بالرياضة والدربة فذكره في التعريف منافٍ للواقع ولما هو حاصل عند المبتدئين والمتوسطين...
11) اللفظ في نظيره كمثله: أي أنّ الحرف هو هو لا يتغير لفظه من موضع لآخر إلاّ إذا تغيّرت مستحقاته فهو كنظيره في صفة نطقه وتجويده...
والحقّ أنّ تغيّر التلفظ بالحرف لا يخرج عن حالتين اثنتين لا ثالثة لهما الأولى: أن يعود سبب ذلك لتغير مستحقّ الحرف بين موضع وآخر كالراء ترقق ها هنا لموجب وتفخم هناك لفقد ذلك الموجب وكحروف المدّ يزاد في مدّها ها هنا لسبب وتقصر هناك لعدم السبب... الثانية : أن لا يتغير مستحقّه ورغم ذلك يتغيّر النطق بالحرف من موضع لآخر فهذا خطأ ولحن ينبغي تجنبه والحذر منه ...
وفي ذكر حقّ الحرف ومستحقّه ما يغنينا عن ذكر هذا العنصر لأنّ العدول عن لفظ الحرف من صفةٍ لأخرى لا يكون إلاّ بالعدول عن حقّ الحرف ومستحقّه
12) تلطيف النطق بالحرف : وقد تابع من ذكره الإمامَ ابنَ الجزري في مقدمته حيث يقول : (باللّطف في النطق بلا تعسّفِ) وهو وصف زائد لا ينبغي ذكره في تعريف التجويد لأمور أهمها :
ü كثير من الشراح ذهب إلى أنّ المقصود بالتلطّف ها هنا (بلا تعب ولا مشقة)[90] وجمهورهم شرحه بالتوسّط[91] يقول ملاّ علي القاري في المنح الفكرية :"وأن يتلفظ[92] في نطقه بالقراءة بلا خروج عن استقامة جادة الأداء إلى الإفراط و التفريط"[93] وجمع ابن الناظم[94] وغيره بين المعنيين... وسواء كان المراد هذا المعنى أو ذاك أو هما معاً فإنّ حقّ الحرف ومستحقه يغنينا عن إيراد هذا الوصف في التعريف , لأنّ في العدول عن القراءة الصحيحة للحرف العربي عدول عن حقّه ومستحقّه وكلّ إفراط أو تفريط فيه هو إمّا خروج عن حقّه أو عن مستحقّه أو عنهما معاً...
ü وإذا كان المعنى المقصود بالتلطّف هو الليونة والسهولة التي تقابل العنف والشدّة والخشونة ممّا له علاقة بالجهر والإسرار والتغني والأنغام فهو وصف زائد لا يلزم التجويد ...
ü ذكر زكريا الأنصاري[95] ومحمود محمد عبد المنعم العبد[96] أنّ في هذا البيت من المقدمة خلاف في لفظة (باللطف) فقد وردت بصيغة (باللفظ) والأولى أرجح وأصحّ ولكن الثانية وإن كانت مرجوحة فهي على الأقلّ تؤكد أنّ المعنى المراد هو التوسطّ وعدم التكلف لا غير وهو وصف مندرج في تحقيق حقّ الحرف ومستحقّه...
13) قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم : وهذا العنصر ورد في تعريفاتهم على شاكلتين اثنين:
ü الأولى: بقصر وصف التجويد تعريفه على قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم كقول الأستاذ فرغلي: "إنّ التجويد إنّما هو وصف للقراءة النبوية التي ورد ضبطها وحفظها من طريق أئمة القراءة..."[97] أو قوله: "هو عبارة عن وصف اصطلاحي لما ثبت الرواية به من صفة قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم"[98] وهذا تعريف غير منضبط ولا وجيه من جهة كون قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم أعمّ وأوسع من التجويد من حيث أنّها تشمل الجانب الصوتي المتعلق بذوات الحروف (القراءات) وصفتها (التجويد) وكذا نغم هذه القراءة (التغني) وما يتعلق به من جهر وإسرار وحدر واسترسال , وتشمل فيما تشمل أيضاً التفاعل النفسي والإيماني مع القراءة وما ينتج عنها ويصاحبها من مشاعر (, فرح , رجاء ,أمل ,خوف, حزن...) ومن أقوال (أدعية , أذكار , استغفار...) ومن تصرفات وأفعال (بكاء , توقف , ركوع ,استمرار , ترتيب , تنكيس ...) , وتشمل أيضا ما يتعلق بتدبّر معاني المقروء ... والتجويد أخصّ وأقلّ من ذلك كلّه كما لا يخفى على أحد ...
ü الثانية : بذكر وصف قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم في تعريف التجويد دون ما يفيد بالقطع قصره عليه , وهذا الصنيع لا يخلّ بدوره من عللٍ أقلّها أنّه يوقعنا في شبه أهمّها:
· أنّ التجويد من إحداثه صلى الله عليه وسلم وممّا أوحيَ به إليه ...
· أنّه صلى الله عليه وسلم هو المجوّد دون سواه وأنّ غيره إنّما أخذوه عنه...
· أنّ قواعد التجويد لم تعرفها العرب قبل الإسلام ...
· أنّ التجويد (بمعناه الواسع) قاصر على قراءة القرآن ولا تجويد في الحديث والأدعية والأذكار والأذان وفي اللغة عموما ...
وهذه كلّها شبه ينبغي تجنبها فالتجويد لغة العرب والنبيّ صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين كانوا يجودون القرآن بطبعهم وسليقتهم العربية وأنّ التجويد (بمعناه الواسع) يتعدى القرآن الكريم (لمن شاء) إلى كلّ كلام عربي فصيح ... حديثا كان أو ذكرا أو شعرا أو خطبة أو مقالا...
14) قراءة القرآن : نعم علم التجويد كعلم خاص بمباحثه ومسائله إنّما يتناول بالدراسة الكلمات القرآنية دون سواها , وهذا الوصف لا بدّ من ذكره وإيراده في التعريف ... ولكن لا ينبغي أن ننكر أنّ التجويد إنّما هو مأخوذ من أصل كلام العرب من خلال طريقة تلفظهم ونطقهم بلغتهم ... وهو يختلف عن التجويد الخاص من جهات عدّة ونواحي شتّى أهمّها :
ü الأولى : تجويد القرآن واجب على الصحيح الراجح ـ كما سيأتي ـ بينما تجويد باقي الكلام العربي فمستحب عند الجمهور وقال بعضهم بوجوب تجويد الحديث فقد ذكر شيخ مدينة تطوان المغربية العلامة محمد بن الأمين المغربي – إجازة بالمكاتبة -عن شيخه عبد الحي الكتاني عن عبد الله السكري عن الوجيه الكزبري عن الشمس الحفني عن العلامة برهان الدين ابن الميِّت الشامي أنه ذكر في شرحه على ( البيقونية ) أنه:
"سأل شيخه النور عليّ الشبراملسي[99] عن حكم قراءة الحديث مجوداً كتجويد القرآن: من إمكان النون الساكنة، والتنوين، والمد والقصر، وغير ذلك، هل هي مندوبة؟ فأجابه بالوجوب! ونقله له عن كتاب ( الأقوال الشارحة في تفسير الفاتحة ) قال: وعلَّل الشيخ ذلك: بأن التجويد من محاسن الكلام، ومن لغة العرب ومن فصاحة المتكلم، وهذه المعاني مجموعة فيه -صلى الله عليه وسلم- فمن تكلم بحديثه -عليه السلام- فعليه مراعاة ما نطق به عليه السلام."[100] اهـ وقد يستدلّ على وجوب ذلك بكون اللحن في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبٌ عليه وتقوّل لما لم يقله... ولا يبعد أن يقول بعضهم في اللغة العربية عموما بالوجوب الكفائي للحفاظ على نقل أصل الكلام العربي كما كان في الزمن الأوّل ... ولكن المعروف عند جماهير أهل العلم أنّ التجويد واجب في القرآن الكريم مستحبّ فيما سواه من الكلام العربي الفصيح ...
ü الثانية : التجويد في كلام العرب أعمّ منه في القرآن الكريم ؛ فكلّ حكم تجويدي في القرآن لا بدّ وأنّ العرب تكلمت به فهو من التجويد العام وذلك لأنّ القرآن إنّما بلسانهم نزل قال سبحانه وتعالى ﴿إنّا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون﴾وقال أيضا ﴿قرآنا عربيا غير ذي عوج ﴾ وقد اشترط أهل العلم في القراءة لكي يصحّ التعبّد بها وتسمى قرآنا أن توافق وجها لغويا ولو لم يكن هو الأفصحّ , ولا يقال في مسائل ومباحث التجويد العام تجويد الكلام العربي عموما أنّها جميعا ثابتة في القرآن الكريم , لا يصحّ هذا باعتبار أنّ اللغة تشمل لفظ القرآن وزيادة ومن هذه الزيادة بعض مسائل التجويد التي لم ترد في القرآن الكريم ومنها كثير من أحكام الهمز كتسهيل الهمز المضموم بعد آخر مكسور وإبدال الهمز المفتوح في الوصل بعد كلّ ضمٍّ ومن ذلك الزيادة في المدّ لكثير من الأسباب المعنوية كالمبالغة في الإسماع والنداء والتحذير ... ومن ذلك إمالة الراء مع الحفاظ على تفخيمها ... وغيرها كثير
ü الثالثة : يزعم بعض علماء التجويد أنّ القرآن الكريم اختصّ ببعض الأحكام التجويدية دون عموم اللغة العربية ويمثِّلون لذلك بغنن النون والميم في حالة الإدغام والإخفاء بل ويزعم آخرون أنّ الزيادة في المدّ من هذا القبيل ... فأما المدّ فلا !... بل هو ثابت بما ذكرناه في العنصر السابق وبما ورد في كثير من الأشعار والأقوال المأثورة عن العرب , وبكونه ظاهرة صوتية لا تخلو منها أيّ لغة من لغات البشر ولهجاتهم ...وسوف نخصصّ مطلبا مستقلاً للغنّة نبحث فيه عن أصلها ومبدأها أهو القرآن خاصة أو لغة العرب عامة ونكتفي ها هنا بالإشارة إلى وجهٍ ومن وجوه الاختلاف بين تجويد القرآن الكريم خاصة وتجويد كلام العرب عامّة ـ حتى وإن كام وجها مختلفا فيه ـ
ü تجويد القرآن دون غيره من الكلام العربي الفصيح يجوز مصاحبته بالتغني
فلعل هذا القدر من البسط كاف للتفريق بين تجويد عموم كلام العرب وبين تجويد القرآن الكريم المقصود بهذا العلم بالدراسة والبحث ...
15) حلية التلاوة وزينة القراءة : ذكره الهذلي في تعريفه وابن الجزري في المقدمة والتمهيد ثمّ تابعهم النّاس على ذلك , وهو أقرب إلى بيان فضل التجويد وميزته منه إلى تعريفه , والقصد أنّ التجويد تحسينٌ وتزيّينٌ للقراءة تماما كما هو الحليّ بالنسبة للنساء...
16) التغني وتحسين الصوت : ليس التغني من التجويد بل هو وصف زائد وبعضهم يعتبره فنّاً وعلماً آخر منفصل ومستقل عن باقي العلوم هو فنّ المقامات أو فنّ الطبوع له أحكامه وضوابطه التي تخصّه وتميّزه ... وهو يختلف عن التجويد من وجوه شتّى ومناحي عدّة تقدم بحثها وبيانها فلا داعي للإعادة والتكرار...
17) التمثيل بأحكامه وجزئياته : التمثيل أسلوب علمي وعملي في تعريف الأشياء وتمييزها وبيان كنهها وحقيقتها , لكن بشروط أهمّها :
ü أن لا يلجأ إليه إذا وُجِد غيره من العبارات الموجزة الجامعة المانعة ..
ü أن لا يوقعنا في الدور بحيث يتوقف معرفة المعرَّف على معرفة هذه الأمثلة والتي بدورها يتوقف معرفتها على معرفة المعرَّف ... (وقد تقدم بحث هذه المسألة)
ü أن لا تكون الأمثلة المذكورة أكثر تعقيدا وإبهاما من المعرَّفِ نفسه ...
وهذا كلّه في حقّ من له دراية ولو بسيطة بعلم التجويد ـ والله أعلم ـ أمّا من لا دراية ولا صلة له بعلم التجويد أصلاً لا من قريب ولا من بعيد فيستحيل التعريف في حقّه بمجر الأمثلة لأنّ جهله للكلّ يقتضي بالضرورة جهله بالبعض والجزء ...
18) بريء من الرداءة : وهو وصف سلبي تغني عنه الأوصاف الإيجابية
19) كمال هيئته : نعم هذا هو المطلوب تحصيله ... فلا يسمى التجويد تجويدا إلاّ إذا بلغ في إتقانه الغاية وفي تحسينه النهاية وسبيل ذلك هو تصحيح التلفظ بالحروف وفقط من حيث تحقيق مخارجها ومراعاة صفاتها ... فإن زيد على ذلك فهو لحن بسبب الإفراط فيه وإن انقص منه فهو لحن كذلك بسبب التفريط فيه .
والقصد أن تصحيح التلفظ بالحروف بإقامة حقّها ومستحقّها هو كمال هيئته وهو الإتقان والإحسان وهو التجويد من غير زيادة ولا نقصان ...فذكر مثل هذه الأوصاف في التعريف فيه كثير من الإعادة والتكرار وشيء من التطويل والاسترسال ...
20) الغاية في الإتقان والإحسان : ينطبق على هذا الوصف والذي بعده نفس الكلام المذكور في العنصر المتقدم
21) من غير زيادة ولا نقصان : تقدّم ......
22) ترتيب الحروف في مراتبها : المقصود بالمراتب ها هنا مخارج الحروف فقد رتّب أهل الاختصاص الحروف العربية باعتبار مخارجها ترتيبا معلوما معروفا لا يكادون يختلفون فيه إلاّ الشيء اليسير... وقد يقصد بها مراتبها باعتبار ما تعتريها من الصفات اللازمة والعارضة فالحروف باعتبار الاستعلاء مثلاً ليست على مستوىً واحدٍ بل هي مراتب عدّة وكذلك القلقلة والغنّة وهكذا ...وفي تحقيق حقّ الحرف ومستحقّه ترتيب له بالضرورة في مرتبته التي تليق به فلا موجب لذكر مثل هذه الأوصاف...
23) حدود اللفظ العربي : نعم لأنّ الحروف المقصودة بالتجويد عربية ويجزئ عن هذا الوصف الإشارة في التعريف لمادة علم التجويد وموضوعه وهو الألفاظ القرآنية , وهي أخصّ من الألفاظ العربية وأدقّ في التعريف لأنّ حدود تجويد اللفظ العربي أوسع من حدود تجويد اللفظ القرآني فليس كلّ ما صح من مباحث التجويد عند العرب يصحّ في القرآن كذلك , بل يقتصر في تجويد القرآن الكريم على ما نزل به دون سواه...
24) المحفوظ من طريق الأئمة القراء : أمّا من الجهة النظرية التقعيدية فهو محفوظ في كتب النحو والقراءة والتجويد وأما من الجهة العملية فهو محفوظ عند علماء القراءة دون سواهم ...ولا أعتقد والله أعلم أنّ مسألة حفظ العلم والحديث عن مصادره ومظانّه ممّا يذكر في التعريف...
25) يصير ذلك سجية وملكة : التجويد بخلاف كثير من العلوم لا يقتصر فيه على الجانب النظري بل يتعداه للتطبيق فلا يسمى الرجل مجوّداً إذا أحاط بقواعد هذا العلم دون أن يتمكن من تصحيح حروف القرآن الكريم وقراءته قراءة مجوّدة بريئة من اللحن خالية من الخطأ ... ولكي يندرج هذا الوصف المهمّ في التعريف ينبغي ذكر كلمات ومصطلحات متعلقة بالجانب العملي مثل (قراءة الحروف) (إعطاء الحروف) (تحقيق الحروف) بدل الكلمات التي لا تفيد إلاّ العلم النظري كقولنا (معرفة) ...
26) يؤخذ من مشايخ الصناعة والفنّ : هذا الوصف له متعلق بالذي قبله أي بالجانب العملي في فنّ التجويد ولكنه يتناول طريقة تلقيه وأسلوب أخذه وتعلمه ولا أحسب والله أعلم أنّ هذا الوصف ممّا ينبغي ذكره في التعريفات بل إنّ له بابه الخاص به ...
27) تحسين الألفاظ وتجويدها : في تجويد الحروف وتحسينها بتحقيق مخارجها ومراعاة صفاتها تجويد للألفاظ وتحسين لها ...
28) قواعد عامة مطردة : ليس التجويد بالضرورة قواعد عامة بل إنّ بعضها مفردة متعلقة بكلمة دون غيرها ﴿ تامنـا﴾ بسورة يوسف على سبيل المثال , وليس التجويد بالضرورة قواعد مطردة بل أكثرها لها مستثنيات وأحرف خرجت عن الأصل... هذا من جهة ومن جهة أخرى هذا وصف عام لا يتعلق بذات التجويد لا يتعلق بأركانه التي لا يتصور إلاّ بها والمفروض الاقتصار في التعريف على الأوصاف المتعلقة بذات التجويد ولو رُحْنا نتتبع جميع أوصاف العلوم لنضعها في التعريفات لما أمكننا ذلك لأنّ أوصاف الشيء مهما كان لا يمكن الإحاطة بها
29) كيفية النطق بالكلمات : ينبغي الإشارة في التعريف إلى أنّ التجويد يتعلق بنطق الكلمات القرآنية لا تفسيرها أو رسمها أو غيرها من العلوم المتعلقة بنفس المادة , ولعل في ذكر الحرف من جهة وذكر مناط النطق والتلفظ به وهو المخرج والصفة أو الحقّ والمستحقّ ما يشير إلى هذه الحيثية والله أعلم ...
30) التواتر : التجويد ورد إلينا بالتواتر لأنّ صفة وكيفية التلفظ بالكلمات القرآنية نقلت إلينا مع ذوات هذه الكلمات وهي متواترة يقول الأستاذ فرغلي سيد عرباوي : "إنّ التجويد إنّما هو وصف للقراءة النبوية التي ورد ضبطها وحفظها من طريق أئمة القراءة كنافع وعاصم والكسائي وغيرهم , وهؤلاء الكرام قد نقلوا حروف القرآن وكيفية نطق هذه الحروف أي: التجويد , وهما أمران متلازمان لا يمكن أن ينفكّ أحدهما عن الآخر , فمن قَبِلَ عنهم نقلُ الحروف لزمه أن يقبل عنهم نقل الأداء أي التجويد."[101]
31) معرفة الوقوف : هو أحد أهمّ مباحث التجويد وبخاصة الوقف الصناعي المتعلق بكيفية الوقف على أواخر الكلم (الروم , الإشمام , السكون , الإبدال , الحذف , الإلحاق ...) وحتّى الوقف العام المتعلق بمواضعه فإنّ له علاقة وطيدة بالتجويد لأنّه يؤثّر في كيفية التلفظ بالحروف فهي تتغيّر غالبا إن لم نقل دائما بين الوصل والوقف والابتداء , وقد سُئل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن الترتيل فقال :"هو معرفة الوقوف وتجويد الحروف" لهذا السبب اعتنى به علماء التجويد عناية كبيرة ودرج كثير منهم على ذكره في تعريفهم له ... لكن إذا أمعنا النظر في حقيقة الوقف بالنسبة لتجويد الحروف وتصحيح التلفظ بها إنّما هو أحد العوارض الكثيرة التي تعرض للحرف فتغيّر من ذاته (هاء التأنيث , التنوين , الهمز , هاء السكت ...) ومن شكله (الإسكان , الروم , الإشمام ...) ومن صفاته (القلقلة , الإدغام ,المدّ ...) فهو يخرجه من دائرة حقّه إلى دائرة مستحقّه وبمراعاة مستحقات الحروف يراعى الوقف وأحكامه لأنّه مندرج فيه ولا داعي لتخصيصه بالذكر في التعريف وإن كان لا بدّ من أن يخصّص له بابا كبيرا ًمنفصلاً يبحث فيه مسائله وأحكامه[102]
32) ذكر أقسامه : المقصود ها هنا قسمي التجويد العلمي المتعلق بالجانب النظري والعملي المتعلق بالجانب التطبيقي ؛ فإنّ بعضهم ذكر القسمين في التعريف وكثير منهم عرّف كلّ قسم على حدة والمفروض اجتناب ذكر أقسام التجويد في التعريف لأمور عدّة أهمّها ما يلي :
ü هي قسمة وإن كانت وجيهة في أوّل الأمر لما كان لا يزال اللسان العربي مستقيم الطبع أو قريبا من ذلك لا يحتاج إلى كثيرِ دراسة ورياضة وعناية ليصل إلى تجويد الحروف وتصحيحها , أمّا اليوم وقد غلب على كلامنا لسان الأعاجم وامتزجت العربية الأصيلة برطانة اللهجات الدارجة فإنّه يصعب ويشقّ إن لم أقل يستحيل على الواحد منّا أن يتمكن من القراءة المجوّدة الصحيحة دون الوقوف على الجانب النظري من التجويد ودراسته وبحثه وفهمه واستيعابه ...
ü ذكر أقسام أيّ علم في التعريف مخالف لمناهج البحث وعرف أهل العلم فلقد درجوا على ذكرها في باب خاص بها مغاير لباب ومبحث التعريف
ü ثمّ إنّه ما من علم إلاّ وله جانب علمي وآخر عملي , لأنّ أصل العلم إنّما يقصد به العمل فالتفسير له قواعده وأحكامه والمقصود منه الفهم والتدبّر والفقه كذلك يقصد به العمل بأحكامه والأصول التمكن من الاستنباط ونحو ذلك ...فهل ذكروا هذه التفصيلات والتقسيمات في تعريفاتهم ...بل وهل اشترطوا العمل من أجل العلم هل اشترطوا لمن يريد أن يتعلم أحكام الحجّ أن يحجّ ولمن يتعلم أحكام الاستنباط أن يستنبط أبدا لم يشترط ذلك أحد بل الشرط كلّ الشرط أن لا يحجّ إلاّ من فقه الحجّ ولا يستنبط إلاّ من فقه الاستنباط ولا يجوّد إلاّ من فقه التجويد فأين الفرق بين علم التجويد وغيره من العلوم ـ من هذه الحيثية ـ حتى نشترط فيه ما لم نشترطه في غيره
ü وكلّ هذا لا يمنع من الإشارة في التعريف لقسمي التجويد دون التصريح بهما كاستعمال اصطلاح (علم) للإشارة للجانب النظري و اصطلاحات مثل (إعطاء) (قراءة) (تحقيق) ونحوها ممّا فيه إشارة للجانب العملي
33) ذكر مراتبه : المقصود بمراتبه التّمهل والتؤدة فيه وتسمى بالتحقيق والإسراع يسمى بالحدر والتوسّط هو التدوير , وهي مباحث لا ينبغي ذكرها في التعريف لأمرين اثنين هما :
ü الأول : إنّ للمراتب كما للأقسام والأحكام أبوابها الخاصة بها ولو تتبعنا جميع مباحث العلم وذكرناه في التعريف لصار تعريف العلم هو العلم نفسه وهذا أمر بعيد , غريب ومستهجن ...
ü الثاني : إنّ جميع هذه المراتب على اختلافها لا بدّ أن يشملها التجويد ولا بدّ أن تتّصف به فسواء قرأنا بالتحقيق أو بالحدر أو بالتوسّط بينهما لا بدّ أن تكون القراءة صحيحة مجوّدة , فما ينبغي ذكره في التجويد ليس هذه المراتب الثلاث بل شيئا يجمعها ويعمها كالقراءة ونحوها ...
ثالثا : التعريف المختار
المقصود بالتعريف المختار التعريف الذي جمع فيه صاحبه الأوصاف التي ينبغي ذكرها واجتنب السلبيات وما لا ينبغي ذكره فيه ممّا تقدم تحريره وتحقيقه في المباحث المتقدمة وسنكتفي بذكر التعريف كما جاء بشيء من الشرح والتعليق القليل
عرّفه الشيخ محمود علي بسّة المدرس بقسم القراءات بكلية اللغة العربية [103]في كتابه (العميد في علم التجويد)[104] بقوله : (علم يبحث في الكلمات القرآنية من حيث إعطاء الحروف حقّها ومستحقّها)
تعليقات على التعريف :
أولا :من أهمّ ميزات هذا التعريف أنّه خصّ علم التجويد بالكلمات القرآنية فخرج بذلك التجويد العام المتعلق بالكلام العربي وبخاصة الحديث الذي وقع الخلاف فيه وكذلك الأذان وبعض الأذكار كآمين , فقد زعم بعض أهل العلم تطبيق أحكام التجويد على الآذان والإقامة والتكبير والتلبية فراح يطبق ويُعمِل فيها ما نص عليه علماء تجويد القرآن الكريم دون عموم أحكام تجويد اللغة العربية حيث يقول :"كما ينبغي على المؤذن أن يجوّد الأذان والإقامة فيطبق في تجويد الأذان ما يطبق في تجويد القرآن سواء بسواء ."[105] فوقع في بعض الأخطاء أهمّها :
ü "ينبغي الوقف على كلّ مقاطع الأذان بالسكون"[106] والحق أنّه يجوز الوقف على بعضها بغير السكون كالإشمام لأنّه لا يتعارض والاسترسال في الأذان بخلاف الروم الذي يقتضي الحدر وهو مخالف للسنّة أما في الإقامة وغيرها من الأذكار ففيها الروم والإشمام والإسكان بما تقتضيه قواعد اللغة العربية ...
ü "زيادة المدّ الأصلي عن حركتين في ألف لفظ الجلالة (الله) حين وصلها بما بعدها , كما لو زاده في قوله (الله أكبر) "4 والحقّ أنّ الزيادة ها هنا جائزة لوجود سبب الزيادة وهو سبب معنوي ؛ المبالغة في النداء والإسماع وهو سبب وجيه لا تخلو منه لغة ولا لهجة من اللهجات ومن أنكر المدّ ها هنا إنّما نظر للأسباب اللفظية وهي الهمز والسكون دون المعنوية اعتماداً على عموم أحكام التجويد الخاصة بالقرآن الكريم ...
ü "إدماج الحروف والكلمات بعضها ببعض"[107] ومثّل ببعض اللحون الشائعة ولكنّ هذا العنوان يقتضي منع بعض الظواهر الصوتية الخاصة بالأذان والتكبير والتي فيها شيء من الإدماج والتغيير مثل قراءة (الله وَكْبر) بإبدال همزة (أَكبر) واوا مفتوحة على سبيل المثال فهو صحيح لجوازه في العربية
وبعضهم منع المدّ في آمين مستدلاّ بأحكام تجويد القرآن ووفق رواية معيّنة وهذا خطأ مضاعف خطأ من جهة إلزام الناس برواية قرآنية واحدة دون سواها ومن جهة إلزام الناس بأحكام القرآن في غير القرآن والله اعلم بالحقّ والصواب ...
ثانيا : استعمال لفظة (علم) إشارة إلى قسم التجويد العلمي وفي لفظة (إعطاء) إشارة إلى قسمه العملي
ثالثا : (الحقّ) اصطلاح يشمل كلّ ما يلزم الحرف من مخرج وصفاتٍ فأمّا الصفات فهو أمر متفق عليه وأما إدخال المخرج في مسمى الحقّ فقد قال به ونصّ عليه غير واحد من أهل العلم منهم: صاحب التعريف المختار في شرحه له وكذلك الأستاذ عبد الرزاق موسى صاحب الفوائد التجويدية في شرح المقدمة الجزرية وغيرهما , وهو ظاهر ومتوجه إذا نظرنا إلى تعريفهم للحقّ بأنّه ما يلزم الحرف والمخرج يلزمه فهو لا يبرحه ولا يحيد عنه ...
ثالثا : (المستحقّ) ممّا يشمله ويندرج تحته الوقف لأنّه من العوارض التي تطرأ على تجويد الحروف .
ولأنّ الكمال خاص به سبحانه وتعالى وقد أبى عزّ وجلّ أن يتمَّ كتابا إلاّ كتابه الكريم فلا يبعد أن يحتوي هذا التعريف بدوره على بعض النقائص أو أن نجد ما هو أوجز وأدقّ منه فعلى كلّ واحد منّا أن يمعن النظر فيه وأن يدقّق ويحقّق لعل الله سبحانه وتعالى يرشدنا ويهدينا إلى ما هو أحكم أنفع ... والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل وصلّ اللهمّ على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلّم.
[1] مادة هذا العنصر استقيتها من المراجع التالية :
· أ.المصطفى الوظيفي , المناظرة في أصول التشريع (دراسة في تناظر ابن حزم والباجي) 2\156 ـ 157 المكتبة الشاملة
· شرح الشيخ ابن عثيمين على العقيدة السفارينية (الخاتمة) من موقعه الرسمي
· شرح الأسماء والصفات الحلقة العاشرة للشيخ سفر الحوالي من موقعه الرسمي
· أ. زهير بن عمر , مقرر العقيدة للسنة الأولى علوم إسلامية جامعة الجزائر
· أ................, مقرر المنطق للسنة الأولى علوم إسلامية جامعة الجزائر
[2] علماء مناهج البحث , أصول الفقه والمنطق وغيرهم
[3] انظر تعريف الحدّ في (الحدود في أصول الفقه) للقاضي أبي الوليد الباجي [474هـ] دار ابن القيم الرياض ودار ابن عفان القاهرة 1429هـ 2008م الصفحة:33
[4] انظر على سبيل المثال البيت 186 من العقيدة السفارينية بشرح الشيخ ابن عثيمين (من موقعه على الشبكة)
[5] شرح الأسماء والصفات للشيخ سفر الحوالي (من موقعه على الشبكة) وشرح الشيخ العثيمين علة العقيدة السفارينية وانظر الردّ على المنطقيين ونقض المنطق كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية
[6] سعود بن عبد العزيز الدعجان , منهج الإمام مالك في إثبات العقيدة :دار الآثار القاهرة , مجالس الهدى الجزائر 1427هـ 2006م الصفحة 263
[7] يراجع كتاب (ظاهرة الإرجاء) للشيخ سفر بن عبد الرحمان الحوالي فإنّ فيه تفصيل عجيب ومهمّ لتطور تعريف الإيمان
[8] شرح الشيخ ابن عثيمين المتقدم الذكر
[9] ابن منظور711هـ : لسان العرب ؛ دار صادر بيروت .
الفيروز آبادي 817هـ : القاموس المحيط ؛ مؤسسة الرسالة بيروت 1\350
أبو السعدات , المبارك بن محمد الجزري : النهاية في غريب الأثر المكتبة العلمية بيروت 1399هـ تحقيق : طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي
الزمخشري 538هـ : الفائق ؛ دار المعرفة بيروت تحقيق : علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم 1\350
: أساس البلاغة ؛ دار الفكر بيروت 1427هـ 2006م ص103 ـ 104
زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي 666هـ : مختار الصحاح تحقيق: حمزة فتح الله مؤسسة الرسالة 1414هـ 1994م ص116
أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقرئ 770هـ : المصباح المنير ؛ مكتبة لبنان بيروت ص44
ابن فارس , أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا 395هـ : المقاييس في اللغة ؛ تحقيق شهاب الدين أبو عمر دار الفكر بيروت ص229
: مجمل اللغة ؛ دار الفكر بيروت 1414هـ 1994م
الراغب الأصفهاني : معجم مفردات القرآن ؛ دار الفكر بيروت تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي ص79 ـ 80
المعجم الوسيط : إبراهيم مصطفى , أحمد الزيات , حامد عبد القادر , محمد النجار ؛ مجمع اللغة العربية بالقاهرة دار الدعوة 1\145 باب الجيم مادة (ج ا د)
ابن سيده المرسي 458هـ:المحكم والمحيط الأعظم ؛ تحقيق عبد الحميد هنداوي دار الكتب العلمية بيروت 2000م . 7\530 في مقلوب مادة (ج و د)
[10] ابن جرير الطبري : جامع البيان في تأويل القرآن , تحقيق أحمد محمد شاكر , مؤسسة الرسالة ط1 ـ 1420هـ 2000م 15\334 ـ 337
ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ؛ دار الفكر بيروت 1422هـ 1002م في مجلد واحد ص928 ـ 1600
الراغب الأصفهاني , معجم مفردات القرآن ص79
أبو الحسن علي بن محمد الماوردي 450هـ , النكت والعيون , نسخة إلكترونية منزّلة من موقع التفسير www.altafsir.com
العزّ بن عبد السلام سلطان العلماء 660هـ , تفسير ابن عبد السلام , نسخة إلكترونية منزّلة من موقع التفسير www.altafsir.com
أبو حيّان الأندلسي 745هـ , البحر المحيط , نسخة إلكترونية منزّلة من موقع التفسير www.altafsir.com
محمد بن علي الشوكاني 1250هـ , فتح القدير الجامع بين فنيّ الرواية والدراية من علم التفسير , نسخة إلكترونية منزّلة من موقع التفسير www.altafsir.com
إبراهيم بن عمر البقاعي 885هـ , نظم الدرر في تناسب الآيات والسور , نسخة إلكترونية منزّلة من موقع التفسير www.altafsir.com
[11] العلم بهذا الاعتبار قسمان المرتجل والمنقول أما الأوّل فهو ما وُضِعَ من أوّل الأمر علما ولم يستعمل في شيء آخر قبل علمِيّته كعمر وسعاد والثاني ما نُقِل من شيء سَبَقَ استعماله فيه قبل العلمية كفضل ومحمد وسعيد . فلا يمنع ها هنا من أن يكون اسم الجوديّ علما منقولا أصله المبالغة في الإحسان والكرم ... انظر: القواعد الأساسية للغة العربية , السيّد أحمد الهاشمي 1326هـ دار الكتب العلمية بيروت , الطبعة الثالثة 1427هـ 2007م ص68 ـ 69
[12] انظر فتح القدير للشوكاني
[13] جمع فَرَس انظر مختار الصحاح 496 ـ 497
[14] مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص79
[15] البخاري 5\2398 مسلم 4\2176 وغيرهما عن سهل بن سعد وهو مروي عن أبي هريرة وأنس وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين
[16] الطبراني في الكبير 8\198 ـ 230 وعبد الرزاق في المصنف 5\301 من حديث أبي أمامة رضي الله عنه ...
[17] الإمام أحمد في مسنده 3\16 من حديث أبي سعيد
[18] أخرجه البخاري 1\6 وغيره عن ابن عباس وأخرجه مسلم 4\1803 عن ابن مسعود رضي الله عنهم
[19] البخاري في الأدب المفرد 1\113 عن أنس رضي الله عنه
[20] مسلم 2\614 عن أنس بن مالك رضي الله عنه
[21] البخاري 1\439 وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه
[22] راجع النهاية في غريب الأثر لأبي السعدات المبارك بن محمد الجزري 1\835
[23] الحافظ احمد بن محمد بن أبي بكر الشافعي القسطلاني (923هـ) : اللآلئ السنية شرح المقدمة الجزرية ؛ مؤسسة الكتب الثقافية بيروت 1428هـ 2007م ص53
[24] ابن الناظم أحمد بن محمد بن الجزري أبو بكر شهاب الدين القريشي الشافعي (827هـ أو 835هـ) :الحواشي المفهمة , تحقيق: أ فرغلي سيد عرباوي ؛ مكتبة أولاد الشيخ للتراث القاهرة 2006م الصفحة:166
[25] عبد الدئم الأزهري (870هـ) : الطرازات المُعلِمة في شرح المقدمة بتحقيق : أ\فرغلي سيد عرباوي ؛ مكتبة أولاد الشيخ للتراث القاهرة 2007م الصفحة 183
[26] خالد بن عبد الله الأزهري (905هـ) : الحواشي الأزهرية في حلّ ألفاظ المقدمة الجزرية ؛ دار الغوثاني للدراسات القرآنية دمشق 1428هـ 2008م الصفحة 49
[27] ابن الجزري : التمهيد في التجويد ؛ دار الصحابة طنطا 1422هـ 2002م الصفحة 08
[28] ابن الجزري : النشر في القراءات العشر ؛ دار الفكر بيروت 1\210
[29] احمد بن أحمد بن محمد عبد الله الطويل : تيسير علم التجويد ؛ دار ابن خزيمة الرياض ط2 , 1423هـ 2002م الصفحة 07
[30] حسني شيخ عثمان : حقّ التلاوة ؛ مكتبة المنار , الزرقاء الأردن ط7 , 1407هـ 1987م الصفحة 28
تيسير علم التجويد ص7
[31] نقلا من مقدمة الأستاذ فرغلي سيد عرباوي على شرح طاش كبري زادة (968هـ) للجزرية , مكتبة أولاد الشيخ للتراث 2009م الصفحة 13
[32] فرغلي سيد عرباوي من مقدمة الطرازات المعلمة في شرح المقدمة لعبد الدائم الأزهري تلميذ الناظم الصفحة 10
[33] انظر على سبيل المثال : حقّ التلاوة للشيخ حسني شيخ عثمان
[34] انظر مثلا: مذكرة في أحكام الترتيل برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق للشيخ يخلف شراطي رحمه الله ؛ مخطوط
[35] صديق بن حسن القنوجي : أبجد العلوم ؛ دار الكتب العلمية 1978م تحقيق: عبد الجبار زكار 1\64
[36] إبراهيم محمد الجرمي : معجم علوم القرآن ؛ دار القلم دمشق 1422هـ 2001م الصفحة 79
[37] مقدمة الطرازات ص10
[38] شهاب الدين أحمد بن محمد عبد الغني الديمياطي : إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر؛ دار الكتب العلمية بيروت 1422هأ 2001م الصفحة:06
[39] محمود محمد عبد المنعم العبد : الروضة الندية شرح متن الجزرية ؛ المكتبة الأزهرية للتراث مصر 1422هـ 2001م الصفحة45
[40] محمد مصطفى بلال : هداية الطالبين في أحكام تلاوة الكتاب المبين شرح متن الجزرية ؛ دار الفضيلة القاهرة ؛ 2005م الصفحة: 30 ـ 31
[41] التجويد كما سيأتي ينقسم إلى قسمين علمي ويقصد به قواعده ومبادئه وعملي ويقصد به تطبيقه والقراءة به
[42] الشيخ شراطي رحمه الله ص2 في تعريفه للترتيل ثمّ قال : "والترتيل والتجويد بمعنى واحد"
[43] شيخ الإسلام زكريا الأنصاري : الدقائق المحكمة في شرح المقدمة ؛ مكتبة الغزالي دمشق ط4 , 1412هـ 1992م ص62
[44] مقدمة شرح طاش كبري زادة للأستاذ فرغلي ص13
[45] كشف الظنون 1\353
[46] انظر: معجم علم مصطلحات علم القراءات القرآنية وما يتعلق بها ص118 ومعجم علوم القرآن ص79 وابن الناظم ص174
[47] الطرازات ص183 ـ 184
[48] معجم مصطلحات القراءات ومعجم علوم القرآن
[49] معجم مصطلحات علم القراءات القرآنية وما يتعلق به ص118
[50] انظر : الحواشي الأزهرية لخالد الأزهري ص49 والطرازات لعبد الدائم الأزهري ص183
[51] عاشور أبو عبد الرحمن خضراوي الحسني الجزائري : أحكام التجويد برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق ؛ مكتبة الرضوان ص9
[52] خالد الأزهري ص52 ـ 53
[53] وانظر معجم علوم القرآن , معجم علم القراءات , أحكام التجويد برواية ورش لعاشور خضراوي , الحواشي لخالد الأزهري
[54] الطرازات لعبد الدائم الأزهري ص184
[55] المرجع نفسه 183 خالد الأزهري 49
[56] عاشور خضراوي 8 , خالد الأزهري 53 , د.عبد العلي المسئول 118 , إبراهيم محمد الجرمي79 , التمهيد8
[57] محمد بم محمود حوّا : الشرح العصري على مقدمة ابن الجزري ؛ دار ابن حزم 1429هـ 200م ص54
[58] ابن يالوشه: الفوائد المفهمة في شرح الجزرية المقدمة ؛ دار الفرقان المغرب 1989م ص6 , النشر1\210 , حسين الشيخ عثمان 26
[59] الطرازات ص112
[60] المرجع نفسه ص111
[61] المرجع نفسه ص183 خالد الأزهري 49
[62] الحسن بن قاسم المرادي المراكشي (749هـ) في شرحه على القصيدة الواضحة في تجويد الفاتحة للجعبري (732هـ) بتحقيق الأستاذ فرغلي ؛ مكتبة أولاد الشيخ للتراث , القاهرة 2007م ص93
[63] النشر1\210 , حسيني شيخ عثمان 26 القسطلاني في شرحه ص53
[64] عطية قابل نصر: غاية المريد في علم التجويد , دار التقوى القاهرة ط السابعة ص34
[65] الروضة الندية ص45
[66] احمد بن احمد بن عبد الله الطويل : تيسير علم التجويد ؛ دار ابن خزيمة ط2 ,1423هـ 2002م ص7
[67] الطرازات ص184
[68] نقلا من مقدمة المحقق فرغلي على شرح طاش كبري زادة ص13
[69] المرجع نفسه
[70] تيسير علم التجويد ص7
[71] هداية الطالبين في أحكام تلاوة الكتاب المبين ص30 ـ 31
[72] الطرازات ص184
[73] تيسير علم التجويد ص7
[74] مقدمة الطرازات للأزهري ص18
[75] ابن يالوشه ص6
[76] عاشور خضراوي , حسني شيخ عثمان الأوّل نسب مؤلفه لورش والثاني لحفص رمحها الله
[77] احمد الطويل ص7
[78] يكتفي بعضهم بتسميته سبرا وآخرون تقسيما وآخرون تقسيما وسبرا بتقديم التقسيم على السبر والجمهور على ما أثبتناه فوق واختار محمد سليمان الأشقر الأخير لأنّه أكثر تطابقا مع طريقتهم في البحث (لأنّهم يبدأون بالتقسيم : تتبع الأوصاف ثم ينتقلون إلى السبر وهو اختبار هذه الأوصاف)
[79] محمد بن علي الشوكاني , إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم الأصول ؛ دار ابن حزم 1425هـ 2004م الصفحة:481 =
= عبد الوهاب خلاف : علم أصول الفقه ؛ الزهراء الجزائر ؛ ط2 1993م ص77
محمد سليمان الأشقر : الواضح في أصول الفقه ؛ دار النفائس الأردن ط4 , 1412هـ 1992م ص237
محمد الأمين الشنقيطي : مذكرة في أصول الفقه على روضة الناظر لابن قدامة ؛ دار اليقين مصر , 1419هـ 1999م ص450 ـ 496
د.عبد الكريم زيدان :الوجيز في أصول الفقه ؛ مؤسسة الرسالة بيروت 1423هـ 2002م ص214
[80] معجم مصطلحات علم القراءات ص170
[81] أبو القاسم علي بن عثمان بن محمد بن أحمد المعروف بابن القاصح العذري (800هـ) : سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي , بتحقيق جمال الدين محمد شرف ؛ دار الصحابة للتراث طنطا 1425هـ 2004م ص33 وانظر النجوم الطوالع على الدرر اللوامع للأستاذ إبراهيم المارغني ص209 ؛طبعة مركز التراث الثقافي المغربي الدار البيضاء بالاشتراك مع دار الحديث بالقاهرة 1429هـ 2008م بتحقيق الدكتور عبد السلام البكاري
[82] أبو محمد مكي القيسي القيرواني القرطبي (437هـ) : الإبانة ص41 دار نهضة مصر ؛ نقلاً من معجم مصطلحات علم القراءات ص172
[83] د. أيمن رشدي سويد : تلقي القرآن الكريم عبر العصور مفهومه وضوابطه ؛ دار الوعي الجزائر 2009م ص7
[84] معجم علوم القرآن ص246
[85] معجم علوم القرآن ص175
[86] المنح الفكرية ص32
[87] انظر على سبيل المثال: الشيخ محمود علي بسّة : العميد في علم التجويد , بتعليق وتحقيق الشيخ محمد الصادق قمحاوي ؛ دار العقيدة مصر 1425هـ
[88] ما أوردناه في هذا المطلب والذي قبله هو خلاصة أقوال أهل العلم في تعريف الحقّ والمستحقّ ومن أراد العودة لأصول هذه المسألة ويراجع أقوال أهل العلم فيها فلينظر: خالد الأزهري 52 , زكريا الأنصاري62 , المنح الفكرية44 , حقّ التلاوة26 ـ 27 , الفوائد التجويدية67 ـ 68 , الشرح العصري53 , طاش بكري زادة152 , البرهان لمحمد الصادق قمحاوي5 , العميد7 ...
[89] انظر ابن الناظم 175 , خالد الأزهري 52 , زكريا الأنصاري63 , طاش كبري زادة 152 , الملاّ علي القاريي45 , محمود محمد عبد المنعم في الروضة الندية 47 , محمد بم محمود حوّا 53 , الفوائد التجويدية68 ...
[90] انظر مثلا: طاش كبري زادة ص153 ...
[91] الروضة 47 , خالد الأزهري 52 ...
[92] [هكذا في الأصل وقد يكون خطأ مطبعي والصواب والله أعلم (أن يتلطّف) ]
[93] المنح الفكرية 54
[94] الحواشي المفهمة 175
[95] الدقائق المحكمة ص64
[96] الروضة الندية ص47
[97] مقدمة الطرازات ص10
[98] المرجع نفسه ص18
[99] والشَّبْرامَلِّسي هذا: هو قمر الشافعية في القرن الحادي عشر الهجري، وهو صاحب الحاشية المشهورة على نهاية الشمس الرملي في فقه الشافعية.
[100] نقلا عن ملتقى أهل الحديث على العنوان التالي: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=183186
[101] مقدمة كتاب الطراوات ص10
[102] ولأهميته وكثرة مسائله ومباحثه أصبح علما مستقلاً بذاته كتب فيه كبار العلماء مؤلفات مستقلة كأبي عمرو الداني في (المكتفى في الوقف والابتدا) وأبي جعفر النحاس في (القطع والائتناف أو الوقف والابتداء) ومن المعاصرين الشيخ الحصري في (معالم الاهتداء إلى معرفة الوقوف والابتداء) ...
[103] الشيخ محمود علي بِسَّة ، كان محاميًا شرعيًّا ، واعتزل المحاماة واشتغل بالتدريس ، وكان يحمل الابتدائية الأزهرية ، والثانوية الأزهرية ، والعالمية ، وتخصص القضاء الشرعي ، وتخصص التدريس ، وتلقى القراءات العشر ، ودرس الرسم والفواصل . من أشهر كتبه (القواعد النحوية في شرح الأجرومية) و(الفجر الجديد في علم التجويد) و(شرح الجزرية) و(شرح تحفة الأطفال) وقد كان على خلاف علماء مصر والأزهر حنبلي المذهب ...نقلا من موقع الشيخ محمد خليل الزروق http://www.zarrog.com/ar/Index.asp?Page=49
[104] الصفحة 7
[105] حقّ التلاوة ص189
[106] المرجع نفسه ص190
[107] المرجع نفسه 191
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق